ليبيا بلد منكوب

ليبيا بلد منكوب

30 يناير 2015
يطالب وزير الصحة في حكومة الأزمة باعتمادات لشراء الأدوية(الاناضول)
+ الخط -

تشهد المناطق الليبية وضعاً إنسانياً كارثياً في الأشهر الأخيرة، بموازاة حركة نزوح واسعة من مناطق النزاع، وفق ما أعلنته نائبة مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، حسيبة حاج صحراوي، متحدثة عن "عواقب إنسانية وخيمة، إذ نزح ما لا يقل عن 90 ألف شخص بسبب القتال".
ويكافح المدنيون، وفق ما تورده المنظمة الدولية في تقرير صادر عنها قبل يومين، للتعامل مع نقص المياه وارتفاع أسعار المواد الغذائيّة وانقطاع الكهرباء لفترات طويلة، عدا عن النقص في غاز الطهي والوقود. ويتسبّب القتال في نقص الإمدادات الطبيّة والعاملين في المستشفيات العامة، التي تمّ إخلاء بعضها، بعد إصابتها جراء القصف، في حين تبقى جميع المدارس مغلقة.

على المستوى الطبي، يفيد وزير الصحة في حكومة الأزمة المنبثقة عن مجلس النواب المنحل، رضا العوكلي، بأنّ "المخزون الاستراتيجي" من الأدوية والمعدات الطبيّة نفد من مستودعات جهاز الإمداد الطبي في المنطقة الشرقيّة. ويرى أنّ عدم تسييل الميزانيّة، وفتح الاعتمادات المصرفية لشراء الأدوية والمعدات الطبية، "يُعد بمثابة حكم بالإعدام على المرضى"، على حد تعبيره في مؤتمر صحافي عقده في مدينة البيضاء.

وفي موازاة مطالبته المؤسّسات الماليّة ومحافظ مصرف ليبيا المركزي "أياً كان" بتوفير السيولة المالية، وفتح باب الاعتماد لشراء الأدوية والمعدات في فترة لا تتعدى يومين، محمّلاً إياهم المسؤوليّة عن موت أي مريض في المستشفيات، يدعو العوكلي المنظمات التابعة للأمم المتحدة إلى تسهيل فتح ممرات آمنة لوصول الإمدادات الطبية إلى المناطق البعيدة. ويصف تغاضي الأمم المتحدة عمّا يحصل في ليبيا بـ"الجريمة ضدّ الإنسانيّة".

وتركزت خطة بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، في اختتام الجولة الأولى من الحوار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة في جنيف، على تفاصيل التدابير الإنسانيّة المتعلقة بأوضاع النازحين، والمهجرين والمخطوفين، والعمل على توفير وتمكين وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضرّرة بالتعاون مع المنظمات الدوليّة ومؤسّسات المجتمع المدني، بما فيها الخدمات الطبيّة والتعليميّة والمعيشيّة والعامة، مع إيلاء أهمية خاصة للمدن والمناطق الأكثر تضرراً.

ويعتقد بعض المراقبين للشأن الليبي أنّ الأمم المتحدة والمنظمات الدوليّة التابعة لها والمعنية بالشؤون الإنسانيّة، لم تقدم مساعدات عاجلة للمناطق الأكثر تضرراً في ليبيا، خصوصاً بنغازي في شرقي ليبيا، وككلة في غربها، ويرفضون حجّة هذه المنظمات القائلة بأنّ الوضع الأمني لم يسمح لها بالعمل، معتبرين أن وقت عمل منظمات الإغاثة يُفترض أن يكون في أوقات الأزمات والحروب لا بعد زوالها. كما أن بعض المدن الليبية لم تشهد معارك حربيّة مسلحة، وتأوي أعداداً من النازحين، الذين لم تمتد إليهم أيدي المنظمات الإغاثيّة الدوليّة التابعة للأمم المتحدة أو غير التابعة لها.

وتشهد مدينة بنغازي نزوحاً إلى مدن في شرقي ليبيا وغربها، بسبب الاشتباكات المشتعلة بين قوات "مجلس شورى ثوار بنغازي"، وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، كان آخرها نزوح قرابة ثمانين عائلة من حي بوهديمة إلى مدينة إجدابيا، بعد تحذيرات أعلنتها قوات المجلس لسكان الحي بالمغادرة. ويُعدّ الحي من أبرز معاقل المدنيين المسلّحين المؤيدين لعملية الكرامة.

وتشهد مناطق شرقي ليبيا، التي لم تطالها اشتباكات مسلحة، منذ انطلاق عمليّة الكرامة في السادس عشر من مايو/ أيار الماضي، نقصاً في السلع الأساسيّة، وارتفاع أسعار المواد الغذائيّة وسط إغلاقات متقطعة للمصارف التجاريّة، وشحّ في البنزين وأسطوانات الطهي، وانقطاع في التيار الكهربائي يصل في بعض الأحيان إلى يوم كامل عن بعض المدن. كما تشكو المنطقة من انتهاء صلاحية كثير من الأدوية اللازمة لعلاج أمراض مزمنة، كالسكري، والضغط، وبعض أنواع مرض السرطان، والأدوية اللازمة للأطفال الرضع، ولعمليات الولادة والعمليات الجراحية الضرورية.

وفي ظل الانهيار الاقتصادي الذي تعانيه ليبيا، بعد انخفاض أسعار البترول إلى أقل من خمسين دولاراً، أعلنت المؤسّسة الوطنيّة للنفط حالة الطوارئ في أكبر ميناءين في شرقي ليبيا، "السدرة" و"رأس لانوف"، بسبب الاشتباكات الدائرة في نطاقهما بين قوات "عملية الشروق"، الموالية للمؤتمر الوطني العام، وقوات حرس المنشآت النفطيّة، بقيادة إبراهيم الجضران، الموالي لمجلس النواب المنحل في طبرق. ويتزامن ذلك مع عدم صرف مصرف ليبيا المركزي وديوان المحاسبة لميزانية العامين الماضي والحالي بسبب الانقسام السياسي إلى حكومتين وبرلمانين، وعدم فتح اعتمادات مصرفية لوزارات الاقتصاد والصحة في حكومتي عبد الله الثني وعمر الحاسي، وهما وزارتان معنيتان بجلب واستيراد المواد الأساسية الغذائية والأدوية والمعدات الطبية.