ليبيا: بروز الخلافات مجددا بين حفتر وعقيلة صالح

11 مايو 2020
الخلافات بدأت تطفو أكثر على السطح (Getty)
+ الخط -
لا تزال تصريحات قادة مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر تحاول إيهام الرأي العام باستمرار سيطرة الأخير على مواقعه غرب البلاد، وتحديدا في جنوب طرابلس، في محاولة لفك الحصار الخانق الذي يعيشه حفتر، في وقت عادت فيه الخلافات بينه وبين رئيس مجلس النواب المجتمع بطبرق، عقيلة صالح، لتكشف أكثر عن ملامح خصومة بدأت تتجذر وتظهر أكثر فأكثر على السطح.

ورغم تمكن قوات "بركان الغضب" التابعة لحكومة الوفاق من إفشال عملية "طيور أبابيل"، آخر محاولات حفتر "الانتحارية" لكسر الحصار عن آخر ما تبقى له من جيوب في جنوب طرابلس، إلا أن المتحدث الرسمي باسم قيادة قوات حفتر، أحمد المسماري، قال إن قواته "حققت تقدما مهما في محاور طرابلس" خلال حديث لتلفزيون محلي ليل الأحد، دون أن يحدد تلك المحاور.


لكن إعلان المتحدث الرسمي باسم الجيش الليبي، محمد قنونو، اليوم الإثنين، عن تنفيذ سلاح الجو ست غارات جوية على قاعدة الوطية، تمكن خلالها من تدمير "ثلاث سيارات مصفحة وآليتين مسلحتين وتمركزات لعناصر من مليشيات حفتر الإرهابية"، وفق إيجاز صحافي نشرته الصفحة الرسمية لعملية "بركان الغضب"؛ يشير إلى فشل نهائي للهجوم على مطار معيتيقة الذي أطلقت عليه قوات حفتر اسم "طيور أبابيل"، وعودة مسرح القتال إلى قاعدة "الوطية" مجددا، في وقت كشفت فيه مصادر ميدانية من طرابلس، لـ"العربي الجديد"، عن وجود استعدادات عسكرية حثيثة لقوات "بركان الغضب" لشن هجوم عكسي على المواقع الأخيرة لمليشيات حفتر.

وبينما تعتمد مليشيات حفتر على قوة مرتزقة "فاغنر" المدربة في محوري المشروع وصلاح الدين، فإنها تنشر مرتزقة "الجنجويد" من السودان في المحاور الأخرى، سيما في قصر بن غشير ووادي الربيع. أما ترهونة، فغالبية العناصر المتمترسة داخلها، في معسكرات وخطوط دفاع قريبة من مناطق تواجد قوات الحكومة، هي من مقاتلي النظام السابق.
ولا تبدو مليشيات حفتر قادرة على الصمود أكثر على الأرض، بالتوازي مع معارضة دولية واسعة للقصف الصاروخي والمدفعي العنيف الذي تزامن مع إطلاق حفتر عدوانه الأخير على طرابلس، وأودى بحياة العشرات وجرح مثلهم، آخرها بيانا وزارتي الخارجية بدولة قطر ودولة تركيا، تزامنا مع تحول لافت في خطاب بيانات البعثة الأممية في ليبيا، التي أشارت، في بيان استنكرت فيه قصف حي زاوية الدهماني بطرابلس ليل الخميس الماضي، لأول مرة، لمسؤولية مليشيات حفتر عن القصف. ومع فشل القصف الصاروخي الأخير، اتجهت مليشيات حفتر إلى استراتيجيات زرع الألغام المضادة للدروع والآليات الثقيلة، بعد أن أجرت عليها تعديلات لتستهدف الأفراد، في مؤشر واضح على قناعتها بالهزيمة وقرب خسارتها لمواقعها.

تبعًا لذلك، يبدو أن محاولة حفتر الأخيرة، الذي ترك مشروع "التفويض" بعد فشله وعمد إلى إنقاذ نفسه من خلال عملية عسكرية فاشلة جنوب طرابلس، أثارت حفيظة صالح، ودعته للتحرك مجددا لتوسيع دائرة أنصاره ومؤيديه، في وقت قالت فيه أوساط مقربة منه لـ"العربي الجديد" إن موسكو همست في أذنه بأن المجتمع الدولي يبحث عن بديل لحفتر، الذي ورّط عددا من الدول الكبرى، من بينها روسيا، في مشروع عسكري فاشل وفاضح.

وأعلن فتحي المريمي، المستشار الإعلامي لعقيلة صالح، في تصريحات صحافية اليوم الإثنين، عن تشكيل مجلس النواب المجتمع بطبرق للجنتين بشأن مبادرة صالح السياسية، إحداهما لدراسة المبادرة، والثانية للاتصال بكافة الأطراف الليبية ومناقشتها ووضع تصورات حول كيفية تطبيقها.

وأشار المريمي إلى أن تشكيل اللجنتين تمّ خلال لقاء صالح بعدد من أساتذة جامعات بنغازي والبيضاء وطبرق، بالإضافة لمجلس الخبراء والنخب والتكتل الفيدرالي، أمس الأحد.


ومنذ يومين، كثّف صالح من لقاءاته بالأطياف المجتمعية والقبلية لشرح مبادرته السياسية، إذ التقى بوفود مجلس قبائل الجبارنة الممثلين لقبائل المغاربة، والعواقير والعبيد والعرفة والمجابرة والجوازي والعريبات وإجلالات والفوايد، ورئيس المجلس الأعلى لقبائل الزوية، السبت الماضي.

وفي مؤشر لاعتذاره على دعمه لحروب حفتر، التقى صالح "وفدا من أولياء الدم وأقارب الشُهداء من عدد من المناطق والمدن" لمناقشة مطالبهم، إلا أن بيانا نشر على الموقع الرسمي لمجلس النواب أشار أيضا إلى أن صالح ناقش مع الوفد مبادرته السياسية وتلقى دعما من قبل ممثلي الوفد.

وفي مؤشر على استمرار الخلافات المكتومة بين صالح وحفتر، حاول الأخير الالتفاف على القبائل التي رجحت كفتها لـ"صالح"، من خلال قبوله بقرار المؤسسة الوطنية للنفط، ومقرها طرابلس، توحيد مجلس إدارة شركة البريقة للنفط، المشغلة للموانئ في منطقة الهلال النفطي، في خطوة جاءت للتقليل من أهمية سيطرة القبائل على منابع النفط دون موانئه في منطقة الهلال النفطي، وهو الإجراء الذي أثار حفيظة صالح وأنصاره، حيث عبرت "لجنة متابعة أداء مؤسسة النفط بمجلس النواب" المجتمع بطبرق، عن "بالغ استغرابها واستنكارها من تمكين القيادة العامة (قيادة حفتر)، مجلس إدارة شركة البريقة لتسويق النفط الذي تم تعيينه بناء على قرار الجمعية العمومية رقم 50 لسنة 2020، في اجتماع بمدينة طرابلس يوم 3 مايو الحالي"، مشيرة إلى أن تمكين حفتر للمجلس الجديد جاء بـ"مساعدة جهاز مكافحة الظواهر السلبية التابع للقيادة العامة".
وطالبت اللجنة، في بيانها على موقع مجلس النواب أمس الأحد، قيادة حفتر بـ"ضرورة توضيح تعليماتها المشار إليها بتمكين مجلس الإدارة الجديد في إدارة الشركة ببنغازي"، بل شككت في نوايا حفتر ضمنا من خلال مطالبتها قيادة حفتر بـ"إعطاء رأيها بشأن رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط مصطفي صنع الله"، كما أشار البيان، في لهجة استغراب لتناقض مواقف حفتر، إلى أن رئيس مؤسسة النفط "تلاحقه شبهات بناء على القيادة (قيادة حفتر) بعدم نزاهته وانتمائه لتنظيم الإخوان المسلمين، ودعم المجموعات الإرهابية، وقد اتخذ مجلس النواب مواقفه تجاهه بناء على ذلك".

وبحسب مصدر برلماني مقرب من صالح، فإن السنوسي احليق، زعيم قبيلة الزوية، المسؤول عن الإشراف على قفل منابع النفط بالجنوب الليبي، والذي حضر ممثلا عن قبيلته في لقاء الوفود القبلية لصالح، السبت الماضي، عبر عن رفضه لخطوة حفتر، مقابل تطمينات تلقاها من رئيس مجلس النواب بأن إعادة ضخ النفط من منابعه "لن يتم إلا بموافقة روسية، فعناصر شركات أمنية روسية هي من تؤمن أهم حقول النفط بل وبعض الموانئ أيضا"، بحسب المصدر البرلماني الذي تحدث مع "العربي الجديد".

وباتجاه توسيع رقعة اتصالاته، أكد المصدر البرلماني عزم صالح تكثيف لقاءاته بالوفود القبلية والمناطقية من الجنوب والغرب الليبي قبل زيارته لبعض العواصم العربية بعد عيد الفطر المقبل.​