لو كنت عمر البشير

15 ديسمبر 2016
+ الخط -
لو كنت مكان الرئيس السوداني، عمر البشير، لصارحت شعبي أولاً بكل تفاصيل الأوضاع الحالية والمصاعب الاقتصادية والسياسية التي تواجهها البلاد، لأنّ الشعب الوفي الذي صبر على الوعود المستمرة منذ 27 عاماً، من دون أن يتحقّق منها شيء، يستحق على الأقل أن يكون الرئيس صادقاً معه في كلّ كلمة يقولها.
كذلك لو كنت في مكان البشير، لأصدرت قراراً فورياً بحلّ مجلس الوزراء الحالي الذي لا مثيل له في العالم! إذ يتكوّن من 77 وزيراً وعدداً غير قليل من نواب الرئيس ومساعديه ومستشاريه. عِوضاً عن ذلك، أقوم بتشكيل حكومة طوارئ مكوّنة من 10 وزراء بشروط محدّدة، أهمها الكفاءة والنزاهة، لا يمثلون الحزب الحاكم، ولا أحزاب المعارضة، فقط (تكنوقراط). هذه الحكومة تكون مهمتها مجابهة التحديات الجِسام والبحث عن حلول عاجلة وناجعة للمشكلة الاقتصادية المُزمنة، فضلاً عن أنها (الحكومة الجديدة) تمّهد لقيام انتخابات عامة نزيهة في أقرب وقت ممكن، ليقول الشعب كلمته، ويختار من يختاره.
أيضاً، كنت سأمنع كلّ الوزراء والمسؤولين من الإدلاء بأيّ تصريحات، لا إلى وسائل الإعلام المختلفة، ولا في لقاءات رسمية أو غير رسمية، عدا كلمات مجهزة مسبقاً بواسطة إعلاميين، ذوي كفاءة، إضافة إلى مؤتمر صحفي مختصر للناطق الرسمي باسم الحكومة، ينعقد كلّ أسبوع أو شهر، وفي حالة وقوع حدث أو أمر طارئ يتم إصدار بيان بواسطة مكتب الاتصال الحكومي، من أجل ضبط الخطاب الإعلامي للدولة ومنع التصريحات المُتضاربة غير الموفقة.
بالنسبة للقاء الشهير في ولاية كسلا (شرقي السودان)، كنت سأنحو منحىً مختلفاً تماماً. لن أرتجل، بل سأخاطب الجماهير بخطاب مُعدّ مسبقاً، يراجعه خبراء في الاتصال، سأتحدث إليهم حديث القلب إلى القلب، لأنّني أعلم أنّ اللقاء ستنقله الفضائيات على الهواء مباشرة، وبالتالي، سيكون مُتاحاً للفضائيات العالمية ووكالات الأنباء والصحف العالمية التي ستدقق في كل كلمة أقولها. لذلك، كنت سأحيي الشعب الصابر، بكلّ طوائفه واتجاهاته السياسية، بمن فيهم المعارضين، بسبب إنّي كنت أتحدث قبل أيام عن الحوار الوطني الذي لا يستثني أحدا من أهل السودان. ولن أهتم بردود الفعل، أيّاً كانت، حتى لو سخر بعضهم مني، وقالوا عني "تنازلت وخفت من المدّ الثوري ودعوات العصيان المدني".
أيضاً، سأُعرب عن تفهمي رغبات الشباب وتطلعاتهم المشروعة في التغيير، وأدعوهم إلى المشاركة في بناء السودان والاستفادة من طاقاتهم الجبارة وحماسهم. فضلاً عن ذلك، سأسعى إلى اجتذابهم بلغة تصالحية، وأعمل على امتصاص غضبهم بالدعوة إلى الحوار والنقاش البنّاء، لكيفية انتقال السلطة إلى جيل الدماء الحارة.
بالإضافة إلى ذلك، أقوم بإصدار توجيهات فورية تتضمّن إطلاق سراح المعتقلين والناشطين، من دون قيد أو شرط، بجانب إيقاف مصادرة الصحف من المطابع، ومنع اللقاءات الجماهيرية الحاشدة التي لا طائل منها غير تعطيل الإنتاج، ومصالح الناس ووقف الدراسة في الجامعات والمدارس. فوق هذا كله، تهدر أموالاً مقدرة من الميزانية المنهكة أصلاً.
أخيراً، لو كنت مكان الرئيس عمر البشير، لطلبت من الخبراء والمواطنين ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، مدّ الحكومة بآرائهم الصريحة في أداء الدولة، ومقترحاتهم للإسهام في معالجة الأوضاع الاقتصادية، وأفكارهم المتعلّقة بكيفية العمل على تغيير الصورة الذهنية السالبة عن السودان التي جعلت الجميع ينظرون إلى أنّه بلد فقير متسوّل، يعيش صراعات وحروباً لا تنتهي، على الرغم من ثرواته وموارده الطبيعية الهائلة... حيث سأطلع على تلك الآراء والأفكار بنفسي، من دون فكرة مسبقة، وسأتقبلها بسعة صدر وذهن منفتح مهما كانت، لأنّ الشعب هو صاحب الكلمة الأخيرة، وهو الأدرى بمصلحته.
71F29908-DD1C-4C71-A77C-041E103F4213
71F29908-DD1C-4C71-A77C-041E103F4213
محمد مصطفى جامع
كاتب سوداني.
محمد مصطفى جامع