لماذا يجب علينا أن نصبر؟!

17 يونيو 2020
+ الخط -
يعتقد الكثيرون أن الصبر فعل سلبي، يجعل الإنسان يرضى بالدون، ويقعده عن العمل والسعي من أجل التغيير، بينما الصبر في حقيقة الأمر أفضل وسيلة لامتصاص الصدمات وتجاوز الصعاب، والصبر قوة دافعة نحو التغيير، وهو مفتاح الفرج.

والصبر عُدة الصالحين كما يقولون، والصبر من العطايا والمنح الربانية، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ، وَمَا أعْطِيَ أحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ". (صحيح البخاري: 1469).

والصبر من الأمور التي يستعين بها المسلم في مواجهة المصائب والابتلاءات، يقول الله عز وجل: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ". (البقرة: 153).

والعلماء قسموا الصبر إلى ثلاثة أنواع، النوع الأول هو الصبر عن المعصية التي تزينها النفس ويزينها الشيطان للعبد، وهذا النوع بحاجة إلى المجاهدة والابتعاد عن الشهوات ولزوم الطاعة والصحبة الصالحة، ويقول الله عز وجل: "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ". (الكهف: 28).

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "حُفَّتِ الجَنَّةُ بالمَكارِهِ، وحُفَّتِ النَّارُ بالشَّهَواتِ". (صحيح مسلم: 2822).


والنوع الثاني هو الصبر على الطاعة، صبر على الطاعة؛ لأنها تحتاج إلى مجاهدة النفس، وأداء الواجبات والطاعات والمحافظة عليها بحاجة إلى صبر؛ لأنها في الغالب مخالفة لهوى الإنسان وشهواته، يقول الله عز وجل: "وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ". (البقرة: 45).

والنوع الثالث هو الصبر على المصائب، أو كما يقول العلماء الصبر على أقدار الله المؤلمة؛ لأنها من قضاء الله وقدره، وهذا النوع من الصبر ثمرة من ثمار الإيمان بالله والإيمان بالقدر خيره وشره، وأن كل قضاء يقضيه الله عز وجل هو خير للعبد في دينه ودنياه، ومن الإيمان بالقدر أن يعلم الإنسان أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، فعن عبدالله بن فيروز الديلمي قال: "أتيتُ زيدَ بنَ ثابتٍ فسألتُه فقالَ سمعتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ لو أنَّ اللَّهَ عذَّبَ أهلَ سماواتِهِ وأهلَ أرضِهِ لعذَّبَهم وهوَ غيرُ ظالمٍ لهم ولو رحِمهم لكانت رحمتُه خيرًا لهم من أعمالِهم ولو كانَ لكَ مثلُ أحدٍ ذهبًا أو مثلُ جبلِ أحدٍ ذهبًا تنفقُهُ في سبيلِ اللَّهِ ما قَبِلَهُ منكَ حتَّى تؤمِنَ بالقدرِ كلِّهِ فتعلمَ أنَّ ما أصابكَ لم يكن ليخطئَكَ وما أخطأكَ لم يكن ليصيبَكَ وأنَّكَ إن متَّ على غيرِ هذا دخلتَ النَّارَ". (صحيح ابن ماجه: 62).

والسؤال الذي ينبغي على المسلم أن يعرف إجابته هو: لماذا نصبر أو لماذا يجب علينا أن نصبر؟ وللإجابة عن هذا السؤال نقول: نحن نصبر لأن الجزع وعدم الصبر لا يفيد، بل يعرض الإنسان لغضب الله وسخطه لأن فيه اعتراضًا على أقدار الله عز وجل، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ عِظمَ الجزاءِ مع عِظمِ البلاءِ، وإنَّ اللهَ إذا أحبَّ قومًا ابتَلاهم، فمَن رَضي فله الرِّضَى، ومَن سخِط فله السَّخطُ". (صحيح الترمذي: 2396).

ونحن نصبر تسليمًا بقضاء الله عز وجل ورضى بما يقدره علينا، والصبر والرضا والتسليم بقضاء الله عز وجل وقدره أمور تفتح للعبد أبواب العطاءات الربانية، وقد وعد الله عز وجل الصابرين بثلاث خصال كل واحدة خير من الدنيا وما فيها، يقول الله عز وجل: "وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ". (سورة البقرة: 155 – 157).

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ماتَ ولَدُ العبدِ قالَ اللَّهُ لملائِكتِهِ قبضتم ولدَ عبدي فيقولونَ نعم فيقولُ قبضتُم ثمرةَ فؤادِهِ فيقولونَ نعم فيقولُ ماذا قالَ عبدي فيقولونَ حمِدَكَ واسترجعَ فيقولُ اللَّهُ ابنوا لعبدي بيتًا في الجنَّةِ وسمُّوهُ بيتَ الحمْدِ". (أخرجه الترمذي: 1021).

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ اللَّهَ قالَ: إذا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ، عَوَّضْتُهُ منهما الجَنَّةَ يُرِيدُ: عَيْنَيْهِ". (أخرجه البخاري: 5653).

وقد ورد في الأثر:"إنَّ الصَّبرَ علَى المصيبةِ يُكْتَبُ بهِ للعَبدِ ثلاثُ مِئةِ درَجةٍ، وإنَّ الصَّبرَ على الطَّاعةِ يُكْتَبُ لهُ بهِ سِتُّ مئةِ درجةٍ، وإنَّ الصَّبرَ علَى المعاصي يُكْتَبُ لهُ بهِ تسعُ مئةِ درجةٍ".

ونحن نصبر طمعًا في الأجر والثواب والجزاء العظيم الذي أعده الله عز وجل للصابرين، يقول الله عز وجل: "قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۗ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ ۗ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ". (سورة الزمر: 10).

والصبر ليس فعلًا سلبيًا كما يعتقد الكثيرون، فالصبر يدفعنا إلى تجاوز الجراح والآلام وإلى التفكير من أجل إيجاد الحلول المناسبة للمشكلات والنوازل التي نتعرض لها وما أكثرها في هذا الزمان، بينما يؤدي الجزع إلى الانغلاق على الذات، والبكاء على الماضي الذي لن يتغير أو يعود، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "مَرَّ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقالَ: اتَّقِي اللَّهَ واصْبِرِي قالَتْ: إلَيْكَ عَنِّي، فإنَّكَ لَمْ تُصَبْ بمُصِيبَتِي، ولَمْ تَعْرِفْهُ، فقِيلَ لَهَا: إنَّه النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأتَتْ بَابَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ، فَقالَتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ، فَقالَ: إنَّما الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى". (صحيح البخاري: 1283).

وما أحوجنا اليوم إلى تفعيل الصبر في حياتنا في مواجهة المصائب والصعاب التي تعترض طريقنا في هذه الحياة، ولا سبيل لتجاوزها إلا بالصبر والمصابرة ومجاهدة النفس والأعداء، يقول الله عز وجل: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ". (سورة آل عمران: 200).