لماذا يتمدد تنظيم داعش؟

11 يوليو 2014
+ الخط -


لا يشك عاقل في أن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام آخذ بالتمدد، ليس في سورية والعراق فحسب، إنما في الإقليم المشرقي كله، وذلك نتيجة ظروف موضوعية، لعل أبرزها عاملان اثنان: المظلومية، وخطأ المعالجة. وتوفر هذين العاملين في سورية والعراق كان السبب الأبرز في تمدده السريع فيهما.

يستغرب كثيرون ممن يجهلون الواقع العربي المرّ، انخراط شباب عرب في هذا التنظيم، ولو بحث هؤلاء المستغربون عن الأسباب الموضوعية، لوجدوا في ذلك الانخراط أمراً طبيعياً وضمن السياق. فقد تعرضت غالبية الشعوب في المنطقة، لا نقول للضغط السياسي، بل لشتى أنواع القهر والاضطهاد، بدءاً من التضييق عليهم، في توجهاتهم ومعتقداتهم الدينية والفكرية، على الرغم من وسطيتها، وليس انتهاء بكل ظروف الحرمان والفقر والعوز، على الرغم مما تنعم به البلاد من خيرات وثروات.

هذا بالإضافة إلى حرمان أفراد الأمة من أبسط الحقوق السياسية والإنسانية، فالقيادة تعين وتخطط وترسم وتنفذ وتحكم، وعلى الشعب السمع والطاعة. كانت هذه المظلومية التربة الخصبة لنمو تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، ولو لم ينشأ هذا التنظيم لنشأ غيره. هذا سبب النمو، أما سبب التمدد والانتشار فهو غباء الأنظمة في البلدين، وطبعاً ما لدى التنظيم من دعم وتسهيل من أطراف مخابراتية عدة، وليس الآن موطن البحث عن أسباب هذا الغباء، فالمستبد المتجبر يرى مجرد تقديم تنازلات، ولو شكلياً، انتقاصاً من هيبته ونذيراً بزواله، وعليه يأتي الخطأ مركباً.

خطأ المعالجة ليس رهن اللحظة المعاشة، وإنما نتيجة سلسلة طويلة من الأخطاء، فمعالجة تمدد التنظيم بالقوة، أسهمت بزيادة قوة التنظيم، حيث تؤكد هذه القوة المستخدمة نظرية التنظيم، وتعمق إيمان قواعده بضرورة استخدام التطرف حلاً بديلاً ووحيداً لنظام الاستبداد.

يشكل واقع الثورة السورية دليلاً على ذلك، فكلما تمادى النظام السوري، بجرائمه وهمجيته، تلاشى صوت الاعتدال في الطرف الآخر، وتبدد لصالح صوت التطرف، والأمر نفسه ينطبق على الحالة العراقية.

يستثمر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام كل هذه الظروف الموضوعية، فنجد أغلب عناصره من المشحونين عقائدياً والمعبئين فكرياً ضد القمع الذي مارسه الآخر، وعليه، نرى أن معالجة ظاهرة التنظيم لا بدّ أن تسير وفق الآتي قبل استخدام القوة:

-القضاء على الاستبداد الذي كان سبباً رئيساً في نشوئه.
-تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية بين أفراد المجتمع.
-فتح المجال لحرية الرأي والتعبير، ولا سيما الحريتين السياسية والدينية.
-استخدام العمليات الجراحية الدقيقة، عمليات عسكرية نوعية لا تؤذي عامة الشعب، لا كما يفعل بشار الأسد وحليفه نوري المالكي، اللذان يمطران الشعب الآمن بالبراميل المتفجرة.

عندها، سيجري أغلب المنتسبين للتنظيم، قبل غيرهم، مقارنة عقلية، ستدفعهم إلى ترك التنظيم، لانتفاء الأسباب الموجبة لوجودهم فيه.

هذا لا يعني أن التنظيم سينهار بسرعة، فور الأخذ بهذه الخطوات، فالتنظيم سيبقى موجوداً، لكنه سيتوقف عن التمدد والانتشار، وهذه بداية النهاية، وعندما تستخدم القوة حكومة عادلة راشدة تمثل المجتمع، فإنها ستحقق نتائج باهرة بالقضاء على التطرف أياً كان شكله، فالتطرف لا يمكن أن يشفى منه نتيجة حقنة مستعجلة، فهو مرض استشرى بجسم الأمة، عبر سنوات مديدة من عمر الاستبداد، وعلاجه يحتاج مدة غير قليلة أيضاً، لكن البدء في العلاج يوفر علينا ثمناً باهظاً ستدفعه الأمة والعالم، إذا تأخر العلاج.

على الدول الإقليمية أن تدرك أنها ليست في منأى عن هذا التطرف، ولا سيما أن الظروف الموضوعية متوفرة بدولها، وإن تفاوتت النسب، وعليه، يجب أن تبدأ، منذ الآن، بالعلاج الناجع.

ولعل الولايات المتحدة باتت تدرك، من خلال تجاربها السابقة، أن القوة العمياء لا تصنع سلاماً، ولا تحقق أمناً، وربما هذا ما يمنعها من التدخل المباشر بجنود على الأرض في العراق، لأنها وجدت عدم جدوى الحل العسكري مع متطرفين هم أصحاب الأرض، يحملون هموماً ومطالب محقة لشريحة كبيرة من الشعب، من دون تأمين قاعدةٍ شعبيةٍ، تحمي هذا الحل العسكري.

الأسد والمالكي يدركان أن الحل يبدأ بزوالهما، لكنهما فضلا، للأسف، بقاءهما في السلطة على بقاء الدولة، فعلى المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي التعامل معهما كزعيمي عصابة، لا كزعيمين سياسيين، إذا أرادا القضاء على التطرف، ومنعه من التمدد، فإذا كان الرجلان يعملان على إذكاء ناره، وتوسيع رقعته، فعلى الجميع إطفاؤه ومنعه من التمدد، قبل أن يحرق الأخضر واليابس.