لكم دينكم ولي دين

لكم دينكم ولي دين

29 يونيو 2014
+ الخط -

من يقف وراء العمليات الإرهابية التي تهز العالم في العهد الحديث، وتحديد الولاء والدين الصحيح، وتوزيع صكوك الجنان والغفران، ومن يقوم بالغزوات والحملات والحروب والاستعمار. ومن يقوم بالسيطرة على البلدان، وفرض ثقافةٍ جديدةٍ على السكان، باسم نشر الدين، وباستخدام كل الوسائل، ومنها العنف والتنكيل والقتل للرافضين والمخالفين، والتعامل مع أهل تلك البلدان كالأسرى، وتجنيد شبابها للقتال في ساحاتٍ أخرى في العالم، لأجل تحقيق أهداف سياسيةٍ باسم الدين، والدين الحقيقي، الإيمان منهم بريء.

أكبر خطر يواجه المجتمعات العربية والإسلامية، بل والبشرية كلها، هم المتشددون في الدين حد التطرف، من أي دين أو مذهب يدّعون اعتناقه. هم المستعدون للقيام بأي عملٍ، يحقق مصالحهم، حتى لو كان اعتداء وقتلاً للإنسان المختلف في الدين والعقيدة والمذهب والفكر.

لقد ابتليت الأمة الإسلامية بعيّنةٍ تدّعي التدين، وهم في الحقيقة أصحاب أهدافٍ خاصة، يتظاهرون بالتدين عبر التعلق بالشكليات فقط، أو فهموا التدين حسب مزاجهم، وأرادوا فرض الدين، حسب طريقتهم، باستخدام أبشع الوسائل. منهم من حكموا باسم خليفة المسلمين، أو نواب له، كالحجاج بن يوسف الذي قتل عشرات الآلاف من الناس، وكذلك عبد الرحمن بن ملجم الذي كان يحفظ القرآن الكريم، وكان متديناً، لكنه ارتكب أكبر عملية إرهابية، باغتيال أمير المؤمنين وإمام العدالة الإنسانية، الإمام علي، رضي الله عنه، وهو يصلي في محرابه في شهر رمضان. ما زال بعضهم إلى اليوم، يواصلون عملهم ويقتلون، وهم يدعون الصلاة والصواب، وفي كتب تاريخنا شخصيات ارتكبت جرائم إنسانية، وقتلت الأبرياء، لكنها تُمجد بحجة أنها متدينة!!

الجيل الجديد من المتدينين القشريين يسيرون على المنهج نفسه، بل هم أشد خطراً على الإسلام والبشرية، كما تفعل الجماعات الإرهابية التكفيرية التي ترتكب أسوأ الأعمال بحق الإنسانية وبحق الدين الإسلامي، باسم الدين وشرع الله.

من هو المتدين الذي يشكل خطراً على نفسه، وعلى من حوله، وعلى المجتمع والدين والبشرية؟
إنه المتدين المصاب بالغرور الديني، والتعصب الأعمى، الذي لا يرى إلا فكره ونفسه على حق، تراه يتمسك بالقشور وبالشكليات والهيئة الخارجية، ويهمل جوهر الدين، وما أمر به، ونهى عنه. ويمارس الادعاء بحفظ القرآن وكتب الحديث، وهو خال من جوهر الإيمان والورع والخوف من الله، ولا يقيم وزناً للرحمة والتسامح والاعتراف بالآخر وبالقيم التعددية، يكون قلبه خالياً من المحبة للبشر، بل إنه لا يعرف إلا الكراهية والحقد والعداوة والبغضاء والاعتداء، يحاول أن ينشر ما يعتقد به، حسب اجتهاده القشري، ويفرضه على الآخرين بالقوة والعنف والقتل، كل هذا باسم الدين، وقد شاهد العالم متدينين يسيئون ويكفِّرون، يختطفون الرجال والأطفال والنساء، كما فعلت "بوكو حرام" مثلاً، ويقتلون ويذبحون من يختلف معهم، ويفجرون الناس، وهم يقولون الله أكبر!

الإيمان هو الحب والرحمة، فلا دين ولا تدين بلا إيمان وخوف من الله، ومحبة لله وللناس، إذ إن حقيقة الدين والإيمان هي الحب لله وحب عباده، والاتصاف بالوعي والأخلاق السامية، وحسن التعامل والاحترام ومساعدة الناس من كل الأجناس والأديان والمذاهب، فالناس، أي الخلق، أخوة في الإنسانية والسعي في إعمار الأرض.

لهذا، ينبغي الحذر من المتدينين القشريين، من أي دينٍ أو مذهبٍ كانوا، المجردين من الإيمان والرحمة والمحبة وحسن التعامل والأخلاق العالية، ومن الوعي، فهم خطر محدق. كما ينبغي الحذر ممن يساند ويتضامن ويؤيد، أي متدين قشري يعتدي على الآخرين بقولٍ أو فعلٍ. وخصوصاً قتل الناس ونشر الكراهية، فهو مثله، بل أسوأ، ولن يسلم هو ذاته، من سيف وبطش المتدين الأعمى المتطرف.

avata
avata
علي آل غراش (العراق)
علي آل غراش (العراق)