لكمة فتوش

لكمة فتوش

22 أكتوبر 2014
النائب نقولا فتوش (حسين بيضون)
+ الخط -

يُشكّل الاعتداء الجسدي الذي وجهه النائب اللبناني نقولا فتوش إلى الموظفة في قصر العدل، أكثر صورة معبرة عن الواقع اللبناني حالياً. ففتوش، نائب عن الشعب اللبناني، قدم بنفسه اقتراح تمديد ولاية المجلس النيابي في مايو/أيار 2013. ثمّ قدّم اقتراحاً ثانياً منذ أسابيع، وفي الاقتراحين، استند فتوش إلى أن الظروف الأمنية لا تسمح بإجراء الانتخابات. ويُعد سعادة النائب واحدا من أهم المحامين في لبنان. كل هذا لم يمنعه من تنفيذ اعتدائه، وفي قصر العدل. توّج الحادث باعتذار المعتدى عليها، وإجراء أحد القضاة مصالحة بين النائب والمعتدى عليها. مصالحة على الطريقة العشائرية. بالمناسبة، فتوش وصل إلى البرلمان على متن "باص" فريق 14 آذار، وانقلب عليه لاحقاً.

كل ما سبق، يُشير إلى حالة الاهتراء التي وصلت إليها الدولة اللبنانيّة. صار الاعتداء في مبنى يرمز إلى أهم سلطة رقابية وعقابية في البلد، أي السلطة القضائية، أمرا عاديا يمرّ مرور الكرام.

قبل أيّام من حادثة فتوش هذه، أعلن وزير الداخلية اللبنانيّة نهاد المشنوق أنه وفريقه السياسي يرفضون القيام بدور "الصحوات"، في إشارة إلى الصحوات العراقية التي واجهت تنظيم "القاعدة". بغض النظر عن حقيقة موقف المشنوق، وعن كونه جزءاً من الصراع داخل تيّار المستقبل، وداخل الطائفة السنية، على موقع الزعامة ــ بعد الرئيس سعد الحريري نظرياً ــ إلا أن مجرد إعلان وزير الداخليّة لهذا الكلام وبهذا الشكل، مؤشّر خطر. فمعالي الوزير لا يرى وزارته، كوزارة وطنية، بل كأداةٍ بيد طائفته، أو فريقه السياسي. بالمناسبة، المشنوق أيضاً يرى أن لا إمكانية لإجراء الانتخابات النيابيّة بسبب الأوضاع الأمنيّة.

قد يكون فريق 14 آذار، محقاً بالقول إن حزب الله ــ أو جناحه المسلّح كما تقول الدول الأوروبية ــ يؤثر سلباً على بناء مؤسسات الدولة، لا بل يُضعفها. الدلائل على صوابية هذا الاتهام كثيرة. لكن ما الذي يُقدّمه فريق 14 آذار في سبيل بناء هذه الدولة؟ يتبنى هذا الفريق نواباً على شاكلة فتوش، المشهور لبنانياً بكساراته التي نال 400 مليون دولار تعويضاً على إقفالها، رغم الكوارث البيئية التي ارتكبتها. والأخير ليس استثناءً بين نواب هذا الفريق. أحدهم، وهو نائب عن طرابلس، قدّم استقالته من لجنته البرلمانية بعد أشهر من انتخابه بسبب انشغاله بأعماله الخاصة؛ وفي حال أردنا سرد قصص النواب لطال الكلام. هذا الفريق الذي يُريد بناء الدولة، يُصرّ على تمديد ولاية نواب، ولم يرَ اللبنانيون في عهدهم أي خير. هذا الفريق، يُصرّ على تمديد الأزمة مثلما يُصرّ على تمديد إدارته لاقتصاد البلد، وهي إدارة وضعت لبنان تحت دين عام يتجاوز 60 مليار دولارٍ.

لهذا، لا بد من رفع القبعة لقلة من الشباب المصرّ على حمل شعار "لا للتمديد" من شارع لآخر في بيروت. لولا هذه القلة لكانت الحياة في بيروت أكثر تشاؤماً.

المساهمون