لبنان يحتاج "كياناً" لضمان حقوق الإنسان وتأمين تمثيله دوليّاً

31 مارس 2017
دعماً لحقوق المهاجرين في لبنان (أنور عمرو/ فرانس برس)
+ الخط -
عادةً، وبحسب البروتوكول المعتمد، يكتفي الوزراء المعنيّون بـ "رعاية المؤتمرات"، بحضور جلسات الافتتاح وإلقاء كلمات منمّقة. حدث ذلك، أمس، في المؤتمر الوطني حول لبنان والالتزامات الدوليّة في مجال حقوق الإنسان، تحت عنوان "الآليات الوطنية لإعداد التقارير ومتابعة التوصيات الصادرة عن الآليات الدولية لحقوق الإنسان"، الذي نظّمه المكتب الإقليمي لمكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في السراي الحكومي في بيروت.

مثّل وزير الثقافة غطاس خوري رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، فيما شارك وزير الدولة لحقوق الإنسان أيمن شقير. كان لكليهما كلمة في جلسة الافتتاح، ثمّ غادرا. كلمتان عكستا صورةً أقلّ بشاعة عن مدى حرص الدولة اللبنانيّة على متابعة هذا الملف. بروتوكوليّاً، ليسا ملزمين بالبقاء في ظلّ وجود من ينوب عنهما. ويبدو أنّنا مخطئون حين نأمل ذلك، أقلّه بالنسبة لشقير، المعني المباشر.

وزير الدولة لحقوق الإنسان أوكل المهمّة لممثّله المحامي بسام الحلبي، ومساعده فاروق المغربي، كما عرّف هذا الأخير عن نفسه. خلال مداخلة، لفت المغربي إلى أن معظم وزارات حقوق الإنسان ألغيت في دول العالم، ولم يعد متأكداً من ضرورة إنشاء وزارة معنيّة بهذا الشأن، علماً أن شقير كان قد لفت إلى رغبة في تحويلها إلى وزارة، وإن كان في الأمر صعوبات.

وتطلّب إعداد هيكلية عمل تلزيم شركة، بحسب المغربي. لكن إذا كانت خلاصة الأخير لا تشجّع على إنشاء وزارة، فلماذا استحدث منصب الوزير أصلاً، ولماذا يُصرف وقتٌ ومالٌ من أجل وضع هيكليّة؟
أتى الجواب بعد تعريف د. عبير الخريشة، من المفوضيّة السامية لحقوق الإنسان، بالآليات الوطنية لإعداد التقارير ومتابعة التوصيات، ليخلص إلى حاجة لبنان إلى وزارة كهذه. كانت الجلسة مفيدة إذاً.



الخريشة أشارت إلى أن الآلية الوطنية هي هيكل وطني عام تناط به مهام تنسيق وإعداد التقارير للآليات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان والتعاون معها، وتنسيق وتعقّب متابعة تنفيذ الالتزامات التعاهدية والتوصيات المنبثقة عن هذه الآليات، وتنفيذها على المستوى الوطني. ويمكن لهذه الآلية أن تكون وزاريّة أو مشتركة بين الوزارات أو مستقلّة مؤسّسياً. ذكرت معظم التوصيات المتعلّقة بلبنان، والتي بلغ عددها 602، ما يشير إلى العمل الكثير وحاجة لبنان إلى آلية كهذه.
وإن كان لبنان يتغنّى كثيراً بأسبقيّته في مجال حقوق الإنسان، لا بد من الإشارة إلى تجربة المغرب، التي أنشأت مديريّة مستقلة للتفاعل مع الآليّات الدوليّة لحقوق الإنسان.

في لبنان، ما من هيئة معنية بهذه المهام، ما يتطلب الإكثار من إنشاء لجان لأداء المهام. في
هذا السياق، تحدّث رئيس شعبة التدريب في قوى الأمن الداخلي، زياد قائدبيه، عن معوقات إعداد التقارير، وهي التنسيق بين الوزارات المعنية بغية تعيين ممثّلين عنها، والبيروقراطية الإدارية، وعدم تعيين ممثّلين دائمين لإعداد التقارير والردود على الجهات الدولية.
خلال المؤتمر، عرضت الأردن والمغرب والكويت تجاربها في هذا المجال، على أن يستفيد لبنان منها، أو "يستهدي بها"، بحسب رئيس قسم معاهدات حقوق الإنسان في المفوضيّة السامية لحقوق الإنسان، إبراهيم سلامة.

وتعليقاً على أهميّة وجود وزارة لحقوق الإنسان في لبنان، يقول سلامة لـ "العربي الجديد" إنّ المحتوى أهمّ من الشكل، موضحاً أنّه سواء أكانت وزارة أو أي كيان، يجب تجسيد إرادة سياسية لاحترام حقوق الإنسان، وخلق سبل لنقلها إلى مراكز الحوكمة. ويلفت إلى أن لبنان يتمتع بالأدوات والخبرات ليكون مميّزاً ونموذجيّاً. وما الذي يحتاج إليه لبنان؟ "التعامل مع حقوق الإنسان بمعرفة وليس بيروقراطية، والامتلاك الوطني للخبرة والمعارف".

ربّما يتوصّل لبنان إلى تحديد آليّة مناسبة وفعّالة، بكلّ حسن نيّة وإيجابيّة. لكنّ الأكيد أنّه على أيّ كيان منشأ العمل كثيراً لاستعادة ثقة شعب باتت شبه مفقودة، لناحية ضمّ خبراء كفوئين والابتعاد عن المحسوبية والتمثيل الطائفي. والأهمّ ليس إعداد تقارير فحسب، بل الالتزام بالتوصيّات، وعدم استسهال "التحفّظ". صحيح أنّ التقارير الصادرة عن هذا الكيان لن تدين الدولة، وهو جزء منها، لكنّ سلامة يشدّد على تنفيذ المهام بحرفيّة.

يحدث كلّ هذا، في وقت ما زالت المرأة مطالبة بالتظاهر علّها تتمكن من فتح حساب مصرفي لطفلها. وهذا أضعف الإيمان، وحقّها كإنسانة. بحسن نيّة إذاً، قد يخطو لبنان خطوة أو أكثر إلى الأمام، إلا إذا اكتفى بإرث شارل مالك، الذي شارك في صياغة وإعداد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في ديسمبر/ كانون الأول في عام 1948. إرثٌ حفظه السياسيّون أكثر من التاريخ، وعلّقوا عليه "ركودهم" في ما يتعلّق بحقوق الإنسان.