مرّ أكثر من شهر ونصف الشهر على اعتداءات ليلة رأس السنة في مدينة كولن الألمانية، وما زالت التحقيقات مستمرة للبحث عن المعتدين. هذه الاعتداءات أدّت إلى انقسام في الشارع الألماني وموجات من الغضب العارم ضد الأجانب، وتحديداً اللاجئين. أمورٌ كثيرة تغيّرت بعد هذا الحادث، وخصوصاً بالنسبة للاجئين الذين وضعوا في قفص الاتهام. ووصل الأمر ببعض الألمان إلى المطالبة بترحيل اللاجئين وعدم استقبال المزيد.
وكانت الشرطة قد ذكرت أن غالبية المتّهمين بالتحرّش والسرقة هم من أصول جزائرية وتونسية ومغربية، وكانوا يعيشون في ألمانيا قبل بدء موجة اللجوء الأخيرة. ولفتت إلى أن ثلاثة أشخاص فقط من المتهمين هم من اللاجئين. أيضاً، أشارت التحقيقات الألمانية إلى تحديد 73 مشتبهاً بهم من طالبي اللجوء الذين كانوا يقيمون في ألمانيا بشكل غير قانوني، وغالبيتهم من الجزائريين والمغاربة.
وفي مقابلة مع صحيفة "دي فليت" الألمانية، قال المدعي العام في كولونيا أولريش بريمر إنه من بين المشتبه بهم 30 شخصاً من المغرب، و27 من الجزائر، وأربعة من العراق، وثلاثة ألمان، وثلاثة سوريين، وثلاثة تونسيين، وليبي وإيراني، وآخر من الجبل الأسود. أضاف أن 13 من بين 73 شخصاً يشتبه بأنهم قاموا باعتداءات جنسية، أوقفوا على ذمة التحقيق، أحدهم طالب لجوء مغربي وصل إلى ألمانيا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. أضاف أنه من بين 1054 بلاغاً، تبين أن 600 بلاغ هي جرائم سطو.
وذكر رئيس شرطة كولن يورغين ماثيز أن أسلوب محاصرة النساء وتوقيفهن "مستوحى من بلدان يمكن أن تكون قد اعتادت على سلوكيات مماثلة". أضاف أنه لم يشهد اعتداءات مماثلة في ألمانيا من قبل، وليس هناك دليل على أن هذه الاعتدءات متعمدة. من جهة أخرى، أشار إلى أنه يفضل عدم نشر جنسيات المعتدين، مضيفاً أنه "يجب الفصل بين المجرمين وأولئك الذين واجهوا صعوبات كثيرة للوصول إلى ألمانيا بحثاً عن الأمان"، مؤكداً أن من واجبه حمايتهم.
وكانت الشرطة الألمانية قد اعتقلت شاباً مغربياً بعدَ مشاركته في برنامج تلفزيوني في القناة الألمانية، للاشتباه بقيامه باعتداء جنسي ليلة رأس السنة. وقد تعرفت إليه الضحية حين شاهدته على شاشة التلفاز، وأخبرت الشرطة.
خلال المقابلة، قال إنه اضطر إلى سلك طريق الجريمة بسبب تربيته، وقد سرق فقط من أجل تأمين الطعام. هكذا، باتت أحداث كولونيا بمثابة محطة فاصلة بالنسبة للشباب المغربي والجزائري. وناقش البرلمان الألماني قضية ترحيل المتورطين إلى بلدانهم، مع احتمال تصنيف المغرب والجزائر في مصاف الدول الآمنة، بهدف تسهيل إجراءات الترحيل.
في السياق، يقول المحامي المتخصّص في قانون الأجانب رالف ميدر إن "المغرب والجزائر دولتان مستقرتان، الأمر الذي يجعل طلبات اللجوء ترفض بنسبة 98 في المائة. إلا أن عملية الترحيل ليست سهلة. وعادة ما يصدر قرار بالطرد في حال تورّط طالب اللجوء بعمل جنائي تمتد عقوبته من سنة إلى سنتين، وهي مدة العقوبة التي قد يواجهها من تحرّشوا جنسياً بالنساء في كولن. بيد أن قرار الطرد لا يعني بالضرورة إمكانية الترحيل، لأن ذلك يتطلب إجراءات معقدة تبدأ بتحديد هوية الشخص ودراسة ظروفه المعيشية في البلد الذي سيرحل إليه، وما إذا كان سيواجه عقوبة الإعدام أو التعذيب. وهذا يسري أيضاً على المغرب والجزائر".
من جهتها، ترفض الجالية المغربية لصق الاتهامات بالجالية بأكملها بسبب تورط مغاربة في تلك الجريمة البشعة. تضيف أن "ذلك لن يخدم المجتمع الألماني، وسيؤدي إلى كراهية وعداوة". يقول مراد وهو مغربي يقيم في مدينة كولن منذ تسع سنوات: "احتضنتنا ألمانيا، ونعيش فيها بأمان واستقرار. لن نسمح لمجموعة من عديمي الأخلاق بتشويه سمعتنا وتهديد حياتنا". ويقول وفيق، وهو مغربي ولد في كولن، بأن "ما فعله أولئك المجرمون يدل على أنه ليس لديهم أخلاق. أعتبر ألمانيا وطني كما المغرب. وقد أعطت هذه الحادثة صورة سيئة عن بلدان المغرب العربي في ألمانيا".
إلى ذلك، يرى البعض أن الجالية المغربية من أكثر الجاليات اندماجاً في المجتمع الألماني وأقدمها. يلفت رشيد، صاحب محل لبيع الهواتف في أحد أحياء كولن الشعبية، إلى أن "اليمين المتطرف يستغل هذه الحوادث ضد الأجانب واللاجئين". ويضيف بأن "هذه الأحداث كانت بمثابة هدية مجانية للتصويب على اللاجئين والمهاجرين".
بعد حوادث رأس السنة، أطلق شباب مغاربة مبادرة "تضامناً مع نساء كولونيا" اللواتي تعرضن للاعتداء، ووزعوا الورود على مقربة من محطة القطارات الرئيسية في كولن.
وتحدد نتائج التحقيقات الأخيرة المتهمين الحقيقيين بعيداً عن لعبة الإعلام والسياسة. لكن من المؤكد أن هذه الاعتداءات ألقت بثقل كبير على المهاجرين واللاجئين، وأعادت إلى الواجهة موجة الكراهية والتعصّب ضدهم.
اقرأ أيضاً: اعتداءات مستمرة في ألمانيا