لأنني أنثى

04 مارس 2015
+ الخط -

لأنني أنثى، يوم وضعتني أمي في غرفة صغيرة في أحد مخيمات غزة، صكّت جدتي وجهها، ونقلت مخاوفها إلى أبي من أن يرزق بكومة إناث، مثل أخيه الأكبر، وعلى الرغم من أنني كنت مولودة جميلة، والبنت الثانية لأبي، اختصر جدي وصف الفاجعة بأن المولودة الجميلة "نصف مصيبة".
لأنني أنثى، كانت أمي تربيني لأكون ربة بيت بامتياز، ولم تكن تحلم، ولم تشاركني الحلم، في أن أكمل دراستي الجامعية، فهي تعجلت حصولي على الثانوية العامة، لتبدأ في طرح خيارات الخطّاب، وانتقاء الأصلح منهم لي.
لأنني أنثى، رفضت أمي، وأوغرت صدر نساء العائلة ضد رغبة أبي، ورغبتي بالخروج من غزة الضيقة، للدراسة خارجها وحدي، من دون شقيقٍ يكبرني أو يصغرني، يكون لي "محرماً"، خوفاً علي أو خوفاً مني، وانصاع أبي لسطوة العائلة، وتحطم حلمي بدراسة الطب، ومزقت أوراق قبولي، وتمزق أول أحلامي.
لأنني أنثى، كان علي السمع والطاعة، والرضوخ لاختيار عائلتي، فهم الأقدر على تقدير مصلحتي، حسب رأيهم، فاختاروا لي شريكاً لحياتي، يحمل كل المؤهلات في نظرهم، ليكون زوجاً جيداً ومقتدراً، ولم يفكروا، لحظةً، باعتراضي، بأنني لم أشعر بألفة نحوه بمجرد أن رأيته أول مرة.
لأنني أنثى، ساق جدي أمامي، يوم زفافي، كبشاً سميناً، واستعرض ضخامته، وغلو ثمنه، أمام المدعوين، لكي يذبحه، صبيحة يوم الزفاف، ويطعم منه فقط أقاربي الذين سيأتون مهنئين، ومتفاخرين ببكارتي وعذريتي، حسب عاداتنا. ولم تبرح صورة الكبش مخيلتي، وأنا أُزف لشريك حياتي المختار، ولم يبرحني الشعور بأنني سأغدو ذبيحة مثله.
لأنني أنثى، سكبت جاراتي الجديدات، وقريبات شريك حياتي، في أذني، نصائح كثيرة عن طاعة الزوج، ولم أنس نصيحة عجوز منهن: الرجل يصب غضبه على زوجته، وعليها أن تحتمل ضربه وشتيمته، لكي تعيش، لأن "ضل راجل ولا ضل حيطة".
لأنني أنثى، لم أسمع كلمة تهنئة، حين أنجبت أنثى، هي بكر أولادي، وسمعت كلمات مواساة، منها: "إن شاء الله تزينيها بالصبيان، وإن شاء الله بتربّي لك الصبيان".
لأنني أنثى، أوهمتني الجارات والقريبات أن إنجابي مولوداً ذكراً، بعد إنجاب البنت، سوف يعلي شأني، ويعزز مكانتي لدى زوجي وعائلته، وانتظرت ذلك طويلاً، وصدقت مقولتهن إن "أم الصبيان معزوزة، وأم البنات مهيونة".
لأنني أنثى، صاح في وجهي أكبر قاضٍ في المدينة، حين طلبت حضانة أطفالي، لأنني لم أعد أستطيع الاستمرار مع ذلك الشيء "زوجي"، وقال لي: على من تريد أطفالها أن تحتمل زوجها بكل نقائصه، فلا قانون يحكم بحضانة الأطفال لأمهم مدى الحياة، في غزة، بعد الانفصال.
لأنني أنثى، حين أصبحت لا تربطني بأي رجل وثيقة زواج، صار علي أن أقدم أدلة براءتي لجاري العجوز، حين أعود مـتأخرة. ولجارتي الأرملة، حين أضع زينة على وجهي. ولصاحب السوبرماركت في الحي الذي أقطنه، حين يراني أنزل من سيارة أجرة، لأكمل طريقي إلى البيت، وأنا الراكبة الوحيدة فيها، وأرى في نظراته المتتبعة شكاً بأن علاقة ما تربطني بالسائق الذي أوصلني، ثم ولّى سريعاً. وعلي، أن أحافظ على مسافة بيني وبين صديقاتي "ذوات الأزواج"، لكي لا يتهمنني أنني "خطافة رجالة"، فأنا بالنسبة لهن مثل مجرم "مسجل خطر"، تحوم حوله الشبهات، ولو ارتكبت جريمة في المريخ.
لأنني أنثى، علي أن أرد على سؤال بنات جنسي المكرر: لماذا تعتنين بأناقتك مادام لا رجل في حياتك، فأرد الرد نفسه الذي تعلمناه في المدرسة، إن الإنسان يموت من دون هواء وماء وطعام فقط.
لأنني أنثى، ستفد إلى بيت العزاء الذي سيقام حين أموت نساء كثيرات، ويقدمن التعازي لبناتي، وسيرددن المقولة الشهيرة التي تقال عند التعزية بوفاة امرأة: إن شاء الله بيضل رجالكن، وإن شاء الله بتعوضوها بالمواليد الصبيان.


 

سما حسن
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.