كيف نردم الهوة الحضارية؟

كيف نردم الهوة الحضارية؟

22 ابريل 2015
سيادة الفكر الغيبي.. عجز العقل عن العثور على حلول(Getty)
+ الخط -

يمكن رسم خارطة للعالم المتقدم يتحدد من خلالها تراكم متواصل من النجاحات التي عبرت عن نفسها في النهضة ثم الثورة الصناعية وظهور الفكر التجريبي والفلسفات على تنوع مدارسها وقائمة الكشوفات اللامتناهية، والتي تبشر بالمزيد وسط عالم تحليل الشيفرة البشرية ومنجزات الثورة التكنولوجية المشرعة على ما لا نتصوره في العقود المقبلة. هذه جميعا كانت في أساسها والأصل مجرد علوم ومعارف نظرية قبل أن تتحول إلى قوانين وأنظمة ومؤسسات وهياكل إدارة ودول وشركات فضلا عن الثروات البشرية والمادية والاختراعات التي تطالعنا يوميا على نحو مثير.

في المقلب الآخر، يمكن قياس حال التخلف الذي ما زال يضغط على أجزاء واسعة من الكرة الأرضية من خلال الإعاقات السياسية القاتلة واستيراد أنماط استهلاكية جاهزة وسيادة الفكر الغيبي وارتفاع معدلات الأمية وضعف مؤسسات وعوائد مؤسسات التعليم وتردي الأوضاع الصحية وانخفاض الدخل والتفاوت الصاروخي بين الفقراء والأغنياء وغياب مشاركة المرأة في عملية التنمية وغيرها.

الدول التي صُنفت بين العالمين المتقدم والمتخلف هي التي سارت في ركب اللحاق بالغرب، وعملت على التخفيف والحد من الهوة الحضارية. وقد تحقق ذلك من خلال البحث عبر أساليب علمية عن مصادر الخلل المتنوعة، سواء أكانت سياسية أم اقتصادية أم تربوية. ومن خلال هذا المنحى برزت إلى الوجود مجموعة من الدول التي ما تزال تعاني من ثغرات في بنياتها، لكنها وضعت قدمها في طريق التقدم.

سيادة الفكر الغيبي تعني عجز العقل المعاصر عن العثور على حلول للمشكلات التي يعاني منها بلد أو مجتمع ما. كما فعل أجدادنا من خلال ما قاموا به من ملاحظة وتجريب وإضافات على العلوم. وبديهي أن يعبر هذا عن نفسه في الاتكاء على القدرات الإعجازية لزعيم ما أو فكر ما، وفي أبسط الأمور، اللجوء الى كل ما هو فائت من معتقدات بعضها يُلبسه أصحابه الرداء الديني من خلال وسائط بشرية يمثلها رجال الدين، كما يمثلها كل الذين يدخلون الى رؤية المسائل من باب الميتافيزيقيا والماورائيات. والشكل المتداول في الإعلام وغيره هو ما يتحفنا به من يسمون أنفسهم "الفلكيين".

وفي مثل هذا المناخ لا أثر للعلم وما حققه من منجزات في تخفيف الآلام وعلاج الأمراض، ولا دور للقرار البشري أو التخطيط، لأن لا سبب واضحاً ومحدداً لمصائر هؤلاء الذين تعثرت حظوظهم بفعل عوامل تلعب فيها الكواكب والصُدَف الفلكية الدور المقرر.

وهذا كله يصب في سياق المسألة التي أشرنا إليها بداية حول غياب أو تغييب العقل والبحث العلمي. فمن المسؤول؟

*أستاذ في كلية التربية - الجامعة اللبنانية

المساهمون