كولومبيا على أبواب تحوّلات كبيرة: انتخابات رئاسية وشراكة أطلسية

27 مايو 2018
تعهّد دوكي باستئصال "سرطان الفساد" وإنعاش الاقتصاد(راوول أربوليدا/فرانس برس)
+ الخط -
تقف كولومبيا أمام مرحلة هامة من تاريخها يمكن أن ترسم صورة مختلفة لمستقبلها، مع إجرائها اليوم أول انتخابات رئاسية بعد اتفاق السلام الموقّع مع "القوات المسلحة الثورية في كولومبيا" (فارك) عام 2016، والذي وضع حداً لأكثر من نصف قرن من الصراع المسلح، فيما يبدو هذا الاتفاق مهدداً مع نيّة أبرز المرشحين للرئاسة، تعديله. ولن تكون الانتخابات الملف الوحيد البارز على الساحة الكولومبية، إذ استبق الرئيس الحالي خوان مانويل سانتوس، استحقاق اليوم معلناً أن بلاده ستحصل على وضع "الشريك العالمي" لحلف شمال الأطلسي، في سابقة لبلد من أميركا اللاتينية، وهو تطور قد يثير توترات مع دول الجوار، خصوصاً فنزويلا، التي كانت قد اعترضت صراحة على هذا التوجّه عند الإعلان عنه في العام 2016.

وقبيل ساعات من الانتخابات الرئاسية التي تجري دورتها الأولى اليوم الأحد، أعلن سانتوس الجمعة في كلمة متلفزة، أن بلاده "سترسي رسمياً في بروكسل الأسبوع المقبل، دخولها إلى الحلف الأطلسي في فئة الشريك العالمي، وهذا في غاية الأهمية"، مضيفاً "سنكون الدولة الوحيدة من أميركا اللاتينية التي تحظى بهذا الامتياز". وأكد سانتوس، الحائز على جائزة نوبل للسلام عام 2016 تكريماً لجهوده لوضع حد لنصف قرن من الحرب الأهلية في بلاده بعد توقيعه اتفاق السلام مع "فارك"، أن الانضمام إلى الحلف الأطلسي "يحسن صورة كولومبيا" و"يسمح لها بلعب دور أكبر بكثير على الساحة الدولية".

هذا الدور الأكبر لا يبدو أنه يلاقي ترحيباً مع دول الجوار، فقد كانت السلطات الفنزويلية رفضت إعلان كولومبيا في ديسمبر/كانون الأول 2016، بأن حلف الأطلسي وافق على طلب التوصل إلى اتفاق، وبالتالي على تعاون عسكري "أعظم" مع بوغوتا، واعتبرت كاراكاس حينها ذلك "محاولة لإدخال عوامل خارجية ذات قدرة نووية" إلى المنطقة. وفي بداية عام 2017، اعتبرت وزيرة الخارجية الفنزويلية في ذلك الوقت، ديلسي رودريغيز، أنه مع ذلك الدخول يمكن أن تنتهك كولومبيا معاهدة حظر الأسلحة النووية في أميركا اللاتينية المعروفة بـ"معاهدة تلاتيلولكو"، التي دخلت حيز التنفيذ في عام 1969 بهدف إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.

ويطرح هذا التطور تساؤلات حول الأدوار المطلوبة من كولومبيا بعد الاتفاق الجديد. وبحسب الموقع الإلكتروني لحلف الأطلسي، فإن مجالات التعاون تشمل الأمن السيبراني، والأمن البحري، والإرهاب وصلته بالجريمة المنظمة، بالإضافة إلى بناء قدرات القوات المسلحة الكولومبية. وتعليقاً على هذا الموضوع، أوضح خبير العلاقات الدولية رافاييل بينييروس، لوكالة "فرانس برس"، أن وضع "الشريك العالمي" للحلف الأطلسي يعني أن يكون البلد "في تحالف استراتيجي يقوم على التعاون العسكري". وأضاف الخبير الذي يدرّس في جامعة "إكسترنادو" في بوغوتا، أن هذا النوع من الشراكة أنشئ "لإقامة تحالفات استراتيجية خارج" أوروبا والولايات المتحدة وكندا بهدف الحفاظ على السلام العالمي. ولفت إلى أن هذا النوع من الانضمام لا يعني بالضرورة أن كولومبيا ستشارك في عمليات عسكرية يقوم بها الحلف. و"الشركاء العالميون" الآخرون للحلف الأطلسي هم أستراليا وأفغانستان وباكستان والعراق واليابان وكوريا الجنوبية ومنغوليا ونيوزيلندا.


وقبيل توقيع الاتفاق مع الأطلسي الأسبوع المقبل، ستكون كولومبيا أمام استحقاق مفصلي اليوم الأحد، يتمثّل بإجراء أول انتخابات رئاسية منذ توقيع اتفاق السلام مع قوات "فارك"، وتأتي أهميتها لأن المرشح اليميني، والأوفر حظاً للفوز، إيفان دوكي، وعد بإعادة النظر في الاتفاق.
وقال الرئيس الحالي، خوان مانويل سانتوس، لدى الإعلان أخيراً عن تعزيزات من 155 ألف عسكري لتوفير أمن الدورة الأولى، إن هذه الانتخابات "مرحلة إضافية بالغة الأهمية لكولومبيا الجديدة التي نقوم ببنائها: كولومبيا تعيش في سلام". وتجد كولومبيا الغارقة في الفساد واللامساواة، صعوبة في الخروج من أطول نزاع مسلح في الأميركتين. وما زالت البلاد، المنتج العالمي الأول للكوكايين، تواجه عنف المجموعات المسلحة المنتشرة على الحدود، حيث تتنازع السيطرة على تجارة المخدرات في المعاقل القديمة لتمرد "فارك" السابق.

ويتصدر اليمين المحافظ استطلاعات الرأي. وهو ينوي من خلال المرشح الشاب إيفان دوكي (41 عاماً)، الآتي حديثاً إلى السياسة، استعادة الرئاسة. وقام دوكي بحملة وعد خلالها باستئصال "سرطان الفساد" وإعادة إنعاش الاقتصاد الرابع في أميركا اللاتينية. ولم يتوان عن تكرار القول خلال تجمعاته الانتخابية إن "لحظة التغيير قد حانت"، وشدد على القيم التقليدية للعائلة، محذراً من الوقوع في ما وصلت إليه فنزويلا المجاورة. ويمثّل دوكي، ائتلافاً يقوده "المركز الديمقراطي" ويضم الإنجيليين، وهو حصل من بين ستة مرشحين على أكثر من 41 في المائة من نوايا التصويت. ويتقدّم بنحو 12 نقطة على منافسه الرئيسي، غوستافو بيترو (58 عاماً) رئيس البلدية اليساري السابق لبوغوتا ومرشح حركة "كولومبيا الإنسانية".

وفي كولومبيا التي يبلغ عدد سكانها 49 مليون نسمة ويحكمها تاريخياً اليمين الحليف للولايات المتحدة، يدافع بيترو عن الاتفاق مع "فارك" والحوار مع "جيش التحرير الوطني"، آخر مجموعة متمردة في البلاد. بينما ينوي دوكي تعديل الاتفاق مع "فارك" تمهيداً لتشديد العقوبات على قدامى المقاتلين المتهمين بجرائم خطرة، ويشكك في الحوار مع "جيش التحرير الوطني". لكن لا يبدو أن أياً من المرشحين يمكن أن يفوز في الدورة الأولى بأكثر من 50 في المائة من الأصوات. لذلك يتعيّن عليهما أن يتواجها في الدورة الثانية، المقررة في 17 يونيو/حزيران. وسيتسلم خلف سانتوس، غير القادر قانونياً على الترشح بعد ولايتين متعاقبتين، مهامه في السابع من أغسطس/آب المقبل، عيد استقلال كولومبيا.

أما حركة "فارك" فتخلّت عن المشاركة في الاستحقاق الرئاسي، وهي كانت قد مُنيت بهزيمة ساحقة في الانتخابات التشريعية في مارس/آذار الماضي، حتى أنها لم تبلغ 0,5 في المائة من الأصوات الضرورية لزيادة تمثيلها فوق العشرة مقاعد التي منحها إياها اتفاق السلام.

(العربي الجديد، فرانس برس)