كواليس ترحيل مراسلة "ذا تايمز" من مصر بعد اعتقالها

24 مارس 2018
السلطات المصرية اعتقلت بيل ترو قبل ثلاثة أسابيع (تويتر)
+ الخط -

كشفت صحيفة "ذا تايمز" البريطانية، اليوم السبت، عن إجبار مراسلتها في القاهرة، بيل ترو، على مغادرة الأراضي المصرية، بعد خمس سنوات من تغطيتها الشؤون المصرية للصحيفة، وكواليس احتجازها بواسطة السلطات الأمنية، والتهديد بمحاكمتها عسكرياً، ما لم تغادر مصر على الفور (قبل الانتخابات الرئاسية)، من دون توضيح الأسباب.

وأوضحت الصحيفة، في تقرير لها، أن ترو تعيش في مصر منذ سبع سنوات، واعتقلتها السلطات المصرية قبل ثلاثة أسابيع، عقب مقابلة أجرتها مع قريب مهاجر توفي على متن قارب باتجاه أوروبا، موضحة أن مصر لم توجه تهماً إلى مراسلتها، أو إفادة بسبب احتجازها، بيد أنها اقتيدت إلى مطار القاهرة، ووضعت على متن أول طائرة مغادرة إلى لندن.

ونقلت الصحيفة البريطانية عن مصادر دبلوماسية قولها إن "ترو أصبحت غير مرغوب فيها داخل القاهرة، ولن يسمح بعودتها مجدداً"، متابعة أن "اعتقالها والتهديدات التي تعرضت لها كافية لأن تعطي صورة بأن الأمر لم يكن خطأ، وأن السلطات المصرية لا تنوي السماح لها بالعودة الآمنة للقاهرة لتغطية الانتخابات الرئاسية".


وأشارت الصحيفة إلى محاولات النظام المصري المستمرة للتضييق على عمل المراسلين الأجانب قبل الانتخابات الرئاسية المحسومة سلفاً للرئيس الحالي، عبدالفتاح السيسي، من خلال اتهامهم بالتأثير على أمن أو استقرار البلاد، منوهة إلى اعتقال العشرات من الصحافيين المحليين منذ وصول الأخير إلى رأس السلطة في 2014.

وألقت السلطات المصرية القبض على ترو في العشرين من فبراير/شباط الماضي، أثناء مهمة عمل لها في حي "شبرا"، شمال العاصمة القاهرة، إذ استجوبتها السلطات لسبع ساعات كاملة في أحد أقسام الشرطة، وأجبرتها على مغادرة البلاد في أول رحلة متجهة إلى بلادها، بعد تخييرها ما بين مغادرة مصر أو مواجهة محاكمة عسكرية.

وكشفت ترو، في مقالة كتبته لصحيفتها، اليوم، عن ملابسات توقيفها وترحيلها، بعد أن تأكدت من عدم نجاح مفاوضات الصحيفة مع السلطات المصرية لإعادتها إلى عملها في العاصمة المصرية، قائلة إنها "لا تعرف طبيعة الاتهامات الموجهة إليها، ولم تفلح مساعي السفارة البريطانية في القاهرة في إثناء السلطات المصرية عن قرارها".


وعن تفاصيل القبض عليها، قالت "ترو" في مقالتها بعنوان "أعشق مصر ولا أستطيع العودة... ولا أحد يستطيع أن يقول السبب"، إن "سيارة الأجرة كانت قد انطلقت لتوها مبتعدة عن المقهى وسط القاهرة، عندما اعترضت طريقها حافلة صغيرة يستقلها عناصر من الشرطة يرتدون زياً مدنياً، قفز منها خمسة رجال، واقتادوني إلى قسم شرطة قريب".

وأضافت ترو: "مصر بلد يرتاب من المراسلين الأجانب، ولا يتسامح مع الأخبار السلبية.. لقد اعتاد الصحافيون على سحبهم جانباً كي يوضحوا موقفهم... ومع الانتخابات الرئاسية الجارية وعملية مكافحة الإرهاب المتواصلة في سيناء ودلتا النيل، فإن قوات الأمن على أهبة الاستعداد، والبلد في حالة من القلق والتوتر".

ووفق الصحافية الإنكليزية، فإن عملها في المقهى اقتصر على مقابلة رجل فقير تعرض ابن أخيه المراهق للغرق، أثناء محاولته السفر على أحد قوارب المهاجرين إلى إيطاليا قبل عامين، لافتة إلى أنها ظلت تعمل على هذه القصة طيلة شهور، لكنها فوجئت في مركز الشرطة أن القضية أخذت منحى سيئاً.


واستدركت موضحة: "يبدو أن أحد المخبرين أبلغ الشرطة أني كنت أناقش مسألة تورط السلطات المصرية في غرق قارب مهاجرين قبالة سواحل رشيد في 2016، وهي قضية مختلفة تماماً عن القصة التي كنت أعمل عليها... كذلك أشيع بأنني أحقق في حوادث الإخفاء القسري في مصر، وهو أمر مثير لحفيظة السلطات، بعد واقعة مقتل الباحث الإيطالي، جوليو ريجيني، ومواجهة قوات الأمن المصرية اتهامات بالتورط في خطفه وقتله".

غير أن ترو بينت أنه "لحسن حظها" كانت قد سجلت جميع محادثاتها مع ضيفها في المقهى، وقدمتها إلى الشرطة، ولم يرد فيها أي ذكر للجيش المصري أو الانتخابات أو غير ذلك، لكن هذا لم يشفع لها أيضاً.

وتابعت: "صادرت الشرطة التسجيل الصوتي الذي لم يقدم أي مساعدة... وبعد 7 ساعات من الاحتجاز، هُددت بمحاكمة عسكرية، وهو إجراء قانوني يُستخدم عادةً ضد المشتبهين بالإرهاب أو المعارضين".



وأكدت الصحيفة البريطانية أن مراسلتها حُرمت من حقها في الحصول على محام، أو الاتصال بسفارة بلادها، لكنها التقت في المطار بمسؤول قنصلي بريطاني أبلغها أن مسؤولًا آخر حاول الوصول إليها في قسم الشرطة، في حين تم إبلاغه أنها غادرت القسم، بينما كانت لا تزال محتجزة داخل القسم.

وقالت ترو: "لم يتم اطلاعي على الاتهامات إطلاقاً. ونحو السادسة مساءً أبلغتني الشرطة أن سفارتي تريد ترحيلي، وهو أمر ليس له أي معنى قانوني. ونُقلت في حافلة صغيرة للشرطة من دون أن أعلم إذا كان هناك من يعرف مكاني، أو هل أنا ذاهبة إلى المطار، أم إلى مكان أكثر سوءاً... وكان الضباط يسخرون من إحساسي بالرعب، وبدأوا بتصويري بهاتف محمول".

وأضافت ترو: "لم أتعرض لأذى بدني، لكنه من المعروف أن المعتقلين في هذه الظروف يواجهون خطر الأذى البدني. وخلال أقل من 24 ساعة من بداية احتجازي كنت في طائرة، وليس معي شيء سوى ملابسي التي أرتديها. وكان الخيار أمامي أن أظل وأواجه محاكمة عسكرية، أو أن أغادر. وهذا ليس اختياراً إطلاقاً".

ونوهت المراسلة إلى أنها تحمل تصريحاً بالعمل كصحافية في مصر منذ سنوات، ولم تواجه أي مشكلات سابقاً، كما أنها سعت مع صحيفة " ذا تايمز" للتواصل مع السلطات لتوضيح الخطأ الذي حصل، مع الإشارة إلى أن "الهيئة العامة للاستعلامات"، التابعة للرئاسة المصرية، كانت قد اتصلت بها من قبل لمنحها التصريح بتغطية الانتخابات الرئاسية.

وواصلت المراسلة روايتها قائلة: "أُبلغت أنني على قائمة (الأشخاص غير المرغوب بهم) لدى السلطات المصرية، وأنني سأتعرض للاعتقال إذا حاولت العودة... لا أستطيع العودة إلى منزلي الذي عشت فيه سبع سنوات، ولا أحد يستطيع أن يشرح السبب... هناك العديد من حوادث طرد المراسلين أو منعهم من دخول مصر، لكنها حوادث لم يتحدث عنها أحد... ولا يزال بعضهم لا يعرف السبب، بينما يتعرض الصحافيون المحليون للسجن والاستهداف".

واختتمت: "لقد تركت خلفي سبع سنوات من حياتي، وأصدقائي، وشقتي، وقطتين أنقذتهما. إنني أكوي أجزاء من قلبي كي أهدئ الألم الحارق بسبب خسارتي لمصر. البلد الذي ظل بيتاً لي، ومكاناً أحبه بكل عمق".

وكانت "لجنة حماية الصحافيين" قد وثقت اعتقال السلطات المصرية لـ 20 صحافياً مصرياً منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، وصنفت منظمة "مراسلون بلا حدود" مصر على أنها "أحد أكبر السجون في العالم للصحافيين"، بعدما احتلت المرتبة 161 من بين 180 دولة، في تقريرها الصادر العام الماضي، عن مؤشر حرية الصحافة.

المساهمون