كوادر "جبهة الإنقاذ" والانتخابات الجزائرية: فوبيا مستمرة

كوادر "جبهة الإنقاذ" والانتخابات الجزائرية: فوبيا مستمرة

23 أكتوبر 2017
يطالب كوادر "الإنقاذ" بتحسين شروط المشاركة السياسية (بشير رمزي/الأناضول)
+ الخط -

مع كل استحقاق انتخابي تتحفّز الأجهزة الإدارية والأمنية في الجزائر لرصد محاولات كوادر الجبهة الإسلامية للإنقاذ، بشقيهم؛ الذي التزم الحياة المدنية أو المسلحين، العودة إلى النشاط السياسي، ومنع ترشحهم إلى المجالس المنتخبة، البرلمان أو الولائية أو البلدية، تحت لافتة أي حزب سياسي أو قوائم حرة، إذ تعتبر السلطات أن هؤلاء ما زالوا تحت طائلة المنع من النشاط السياسي، تذرعاً بكونهم شاركوا في المأساة الوطنية، على نحو سياسي أو أمني.

ففي بن وزة بولاية المسيلة وسط الجزائر قررت السلطات منع رئيس البلدية، سيد قويدر، والذي يدير شؤونها حالياً، من الترشح للانتخابات المقررة في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، بحجة أنه كان ينتمي إلى "جبهة الإنقاذ". واستدعت السلطات ملف انتمائه السياسي من الأرشيف وكيّفته كمانع له للترشح، على الرغم من حيازته، بحسب قوله، على تواقيع نصف عدد السكان في البلدية، وتمتعه بحسن السيرة ونيله إشادات رسمية عدة وتقدير لإدارته الجيدة للبلدية، في مقابل انتماء سياسي سابق مضى عليه أكثر من ربع قرن. وسيد قويدر ليس وحده في هذا الوضع، ففي ولاية الشلف، أقصت السلطات عدداً من المرشحين بسبب نفس التهمة؛ الانتماء سابقاً إلى "جبهة الإنقاذ" المحظورة. وبعد 25 سنة من قرار محكمة عسكرية في الجزائر حل الجبهة الإسلامية للإنقاذ، لم تتجاوز السلطات بعد عقدة الحزب المحظور وشبهة الخطر على الأمن العام التي ظلّت تلازم كوادر "جبهة الإنقاذ"، والذين ظلوا يلتزمون الحياة المدنية ولم ينخرطوا في العمل المسلح. وما زالت السلطات الجزائرية تستدعي الملف الأمني والسياسي لكوادر "الإنقاذ"، لقطع الطريق على أية محاولة من هؤلاء للانخراط مجدداً في المشهد السياسي، ضمن أحزاب سياسية معتمدة ومتعددة الأوجه والتوجهات، بما فيها أحزاب موالية للسلطة ومتماهية مع سياسات الحكومة وخيارات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.

وبعد 18 سنة من صدور قانون الوئام المدني الذي أتاح عودة الآلاف من المسلحين إلى منازلهم مقابل تسليم أسلحتهم ووقف العمل المسلح، بعد اتفاق الهدنة بين "الجيش الإسلامي للإنقاذ" والجيش الجزائري، وبعد 12 سنة من صدور قانون المصالحة الوطنية في عام 2005، والذي تضمّن صياغات قانونية لمعالجة جملة من مخلفات الأزمة الأمنية، بينها تمتع المسلحين التائبين بالعفو ومسح كل الملاحقات القضائية المتعلقة بهم والمترتبة عن نشاطهم المسلح، ما زال هؤلاء التائبون خارج دائرة النشاط السياسي، وتحت طائلة منع قانوني تضمنه قانون المصالحة الوطنية، والذي أقر بمنع كل من تورط في المأساة الوطنية من العمل السياسي. واللافت أن الجزء الغالب من العائدين من الجبال أو الخارجين من السجون، لا يبدون قلقاً من حرمانهم من النشاط السياسي، على اعتبار أن عودتهم إلى الحياة الطبيعية مع عائلاتهم أهم بكثير من الرغبة في العودة إلى النشاط السياسي.
لكن ذلك لم يمنع جزءاً من كوادر "جبهة الإنقاذ" و"جيش الإنقاذ" من الاستمرار في المطالبة بتحسين شروط المشاركة السياسية، على أساس أن اتفاقيات الهدنة مع الجيش، في عام 1999، كانت تشير إلى فترة امتناع عن النشاط السياسي إلى حين التئام الجراح، ثم النظر لاحقاً في إمكانية فتح الفضاء السياسي لكوادر "الإنقاذ" من جهة، ومن جهة ثانية لكون منطق المصالحة يفترض تجاوز كل العقبات السياسية والعودة إلى مربع المنافسة الديمقراطية، وأن استمرار إبعاد كوادر "جبهة الإنقاذ" من المشاركة السياسية نوع من الإقصاء السياسي الذي يتنافى مع روح المصالحة. ويقول عبد الله بن نعوم، وهو واحد من كوادر الجهاز السياسي المنحل لـ"جبهة الإنقاذ"، تعليقاً على استمرار منع كوادر "الجبهة" من النشاط السياسي، "أعتبر ذلك باختصار أسلوباً من أساليب المقاومة لصيرورة التاريخ الذي سيحكم لصالح الجبهة الإسلامية للإنقاذ من طرف النظام، وحجة الإقصاء مع مرور الوقت ستتلاشى". ويعتبر أن منجز المصالحة الذي تم كان ناقصاً من حيث إنه لم يتطرق إلى مسألة الحق السياسي لكوادر "جبهة الإنقاذ". ويعتبر بعض الكوادر أن المصالحة الحقيقية تتم عندما تقتنع كل الأطراف بإعادة الحق السياسي إلى "جبهة الإنقاذ"، على اعتبار أن قرار حلها في عام 1992، وما ترتب عليه من ملاحقات أمنية وسياسية وقضائية، كان غاشماً.

ولا تملك كوادر "جبهة الإنقاذ" المحظورة حق الترشح إلى الانتخابات، في أي من مستوياتها الثلاثة، البرلمان ومجالس الولايات والبلديات، لكنهم يملكون في المقابل حق الانتخاب، مع أن القانون والدستور الجزائري لا يجزئان الحقوق السياسية والمدنية، والتي لا تُمنع عن مواطن إلا بحكم قضائي صريح، يلغي حق الترشح في حالة الإدانة القضائية، والانتخاب أيضاً في حالة سجنه، وهو وضع لا ينطبق على كل كوادر "جبهة الإنقاذ". ويعتبر الناشط الحقوقي، عبد الغني، أن التمييز القانوني يكشف هشاشة المصالحة التي أنجزها النظام، موضحاً أن "المصالحة التي لا تعيد الحقوق السياسية والمدنية، وتبقي على عملية الإقصاء بسبب الانتماء السياسي، هي مصالحة عرجاء تؤسس لضغائن من نوع آخر. إذ يمكننا أن نتساءل عن شعور وموقف عائلة ترى أن أحد أفرادها، والذي لم يتورط في أي مشكلة أمنية سابقاً، يمنع من الترشح وممارسة حقه المدني والسياسي، لمجرد أنه كان ينتمي سابقاً إلى حزب سياسي". وكانت السلطات الجزائرية قد رفضت في عام 2000 الترخيص لحزب "الوفاء"، بقيادة وزير الخارجية الجزائري الأسبق، أحمد طالب الإبراهيمي، بحجة أن عدداً من مؤسسيه وكوادره كانوا ينتمون إلى "جبهة الإنقاذ" سابقاً. وتعتقد السلطة أن الوقت لم يحن بعد لتجاوز عقدة "جبهة الإنقاذ" والسماح لكوادرها بالاندماج مجدداً في المشهد السياسي عبر النشاط الحزبي والترشح إلى المجالس المنتخبة. وقد يحتاج الأمر إلى سنوات بحسب قراءات السلطة.

المساهمون