كنغر وكوالا

كنغر وكوالا

10 يناير 2020
أستراليا تحترق (تويتر)
+ الخط -

في زمن مضى، ربّما ينطبق الأمر نفسه على أطفال اليوم، الأصغر سنّاً على أقلّ تقدير، كان الكنغر من أكثر الكائنات التي أثارت عجبنا. يبدو الأمر منطقيّاً، لا سيّما أنّ "الكنغورو" يمتاز عن سواه من الحيوانات - بحسب ظنّنا حينها - بذلك الجيب الذي يحمل فيه ابنه وبتنقّله قفزاً على قائمتَين اثنتَين، يُضاف إلى ذلك أنّ موطنه الأساسيّ هو في أراضٍ بعيدة يُطلَق عليها أستراليا. في وقت لاحق، اكتشفنا أنّ الجيب هو جِراب وأنّ إناث الكنغر تمتلكه دون الذكور، فيما يعيش ذلك الحيوان الثدييّ من الجرابيّات أو الشقبانيّات في مناطق أخرى مثل جزيرة غينيا الجديدة - جارة أستراليا - وفي أميركا الجنوبيّة.

اليوم، أستراليا تحترق. قبل أشهر، سبقتها غابات الأمازون التي استنفرت العالم كلّه، فيما تبدو "الحماسة" الحاليّة متواضعة بعض الشيء، على الرغم من الكارثة البيئيّة التي لن تنتهي ذيولها مع إخماد النيران. لا شكّ في أنّ للسياسة أثرها الكبير في قضايا كوكبنا، باختلافها.

تستعر النار في أستراليا وتلاحق ألسنتها آلاف الكناغر والكوالا. تُطلق نداءات لإنقاذها، لا سيّما الكوالا المهدّدة بالانقراض في الأساس، بفعل التغيّر المناخيّ. والأخيرة التي تحمل إناثُها، بدورها، الصغارَ في جرابها لمدّة ستّة أشهر قبل أن تنتقل إلى ظهورها، لا موطن لها سوى أستراليا حيث تستقرّ في غابات الكينا الشهيرة. يُذكر أنّ تلك الكائنات المحبّبة تشرّدت كما الكنغر وحيوانات أخرى بفعل النيران، فانفرطت عقود مجموعاتها.

آلاف من الكوالا تحوّلت إلى جيف متفحّمة، شأنها شأن غيرها من الحيوانات، بريّة كانت أم أخرى تُربّى في مزارع تمثّل موضوعاً إشكالياً في البلاد لا مجال للخوض فيه هنا. وتنقل محطّات التلفزة الأجنبيّة كيف تُداوى حروق الكوالا في عيادات بيطريّة استُحدثت لهذا لغرض في مناطق مختلفة، فيما يُطالب خبراء وناشطون بيئيّون وغيرهم بتحرّك رسميّ عاجل. ويذكّر هؤلاء بأنّهم حذّروا مراراً وتكراراً من الكارثة التي تشهدها أستراليا اليوم، مشدّدين على ضرورة التعامل مع واقع التغيّر المناخيّ الذي لا يستهدف الحياة البريّة في القارة فحسب، إنّما هو تهديد شامل.




في مقارنة قد يراها بعضنا في غير محلّها، لا بل يستهجنها، تتشابه مشاهد تلك الكائنات التي تفرّ من ألسنة النار مع أخرى كثيرة لمجموعات من البشر الهاربين من هجوم مسلّح أو اقتتال أو كارثة طبيعيّة أو غيرها. تلك الكائنات، الكناغر والكوالا وسواها، تُهجَّر اليوم من موطنها الطبيعيّ/ الأصليّ، تماماً كما يُهجّر يومياً في بقاع مختلفة من العالم بشرٌ من بيوتهم وبيئاتهم الأصليّة وأوطانهم. في كلتا الحالتَين، الخسائر فادحة وتبعات الكارثة لا تنتهي بمجرّد انتفاء سببها. هل من يدرك حجم النكبة... حجم النكبات؟

المساهمون