كليب "ما تيجي هنا"... فهم خاطئ ومهين للأنوثة

19 ابريل 2014
نانسي عجرم في كليب أغنية "ماتيجي هنا"
+ الخط -

كانت انطلاقة نانسي منذ عقد ونصف عقد صاروخية. عبر أغنية "أخاصمك آه" وكليبها المتميّز بإدارة المخرجة نادين لبكي، قطعت أميالاً ضوئية نحو الانتشار والشهرة.
لم تتعثّر النجمة الشابة بعدها كثيراً، ربما أبطأت في غمار انشغالها بأمومتها، فحاولت استثمار تلك الأمومة والغناء للأطفال ولبنتيها، تقمّصت الأمّ والمعلّمة وحادقة الأطفال. ثم في خطوة منفعلة، انقلبت على نفسها، وثارت على تلك الصورة التي رأت فيها ربما ضعفاً وبراءة "لا تُطعمان خبزاً"، لذا، في كليبها الأحدث "ما تيجي هنا"، خرجت إلى "سوق الخضار" بثوب أحمر ضيق (ادّعت فيه التحرّر) وشعر مشاكس ونظرات فظّة، خبطت الأرض برجلها كي ينتبه الجميع إلى رقصها وعرض مفاتنها. كانت كاميرا المخرج، جو بوعيد، تلحّ على تكرار "مفاتن" الشابة الثلاثينية، تحاصره من الزوايا الحساسة، بتسلّط ذكوري نهم، جسّدها توحّش ونهش الشاشة وعيون المتفرجين ... والمنطق.

لماذا بإمكان أي امرأة أن تصرّ على القول: "أنا جسدي فقط"؟

أدار بوعيد "ملكة البطيخ" وجعلها تغوي الرجال كي يشتروا بضاعتها وتحشو جيبها بالنقود! ترقص وتتلوّى وتتنمّر لأجل أن تحافظ على مكانتها على عرش "البطيخ"، الذي تبيعه هي والمنتجون للناس.

لعلّها فكرة نمطية مستنسخة بتشوّه خلقي واضح. ذلك النموذج الذي روّج له الكليب موجود بالفعل حولنا وليس دخيلاً على مجتمعاتنا، ولكنّ تمجيده بهذه الطريقة ليس خطراً على شريحة واسعة من المراهقات يعتبرن نانسي مثالاً أعلى فقط، بل هو خطر على فكرة الأنوثة بحدّ ذاتها، التي يبدو أنها تتدهور إلى قاع سحيق من الجهل والاغتراب.

لا أهمية لتحديد المسؤول عن هذا "الخطأ في التقدير"، أو بالأحرى التخلّف الذي قدّمه الكليب، هل هو المخرج أم المنتج أم المغنّية، جميعهم شركاء في الامعان في تكريس المرأة السلعة، المرأة التي يمكنها أن تبيع كلّ شيء، فقط لأنّ جسدها يثير الزبائن ويجذبهم.

ليس مطلوباً من عجرم أو أي مغنية أخرى أن تقود مسيرة تحرّر المرأة، هذا ليس دورهن ولن يُجدن فعله، ولكن على الأقلّ يمكنهن الانتصار لبنات جنسهن اللواتي يحترمن عقولهن، ويكدحن في المجتمع باجتهادهن لأجل تخطّي عقبات الحياة وتحصيل القوت وتحقيق الذات.

قد يرى البعض مبالغة في قوّة تأثير فيديو كليب ما على الرأي العام. حسناً، إنّه حجر في البناء، ولكنّه حجر أساسي ذو اتجاهين، يسمح للبناء بالارتفاع والرسوخ. من يعرف أنّ ملايين المراهقين العرب متعطّشون لامتصاص هذه الأفكار التي تفيض من وسائل الاعلام، لن يشكّ في جدّية الخطر. لن يتجاهل التيار الذي يسحبنا نحو قاع خطير يهدّد عقول الشباب، وتحديداً الفتيات، واحترامهن لأنفسهن وعقولهن وأجسادهن وأيضاً لقيم الحبّ.

هذا الكليب لا يخدش الحياء، ولست مع هذه التهمة بالعموم، لكنّه يخدش كرامة المرأة ويكرّس سياسة تسليعها. في هذا العمل، المعادلة بسيطة: بائعة البطيخ تستعرض جسدها ومفاتنها لأجل الاسترزاق، والنجمة تستعرض مفاتنها لأجل إرضاء المنتج والمموّل وليرتزق الجميع بمن فيهم هي.

تقديم الأنثى بهذا الشكل الخبيث والرخيص، يكاد يكون ثورة مضادة، انقلاباً على ما تحاوله المرأة العربية لإثبات أنها عقل أولاً ثم جسد، وأنّ العقل يتحكّم بالجسد. تحرير العقل من قيود العبودية الموروثة منذ بدء التاريخ يجب أن يؤدّي إلى أن تفكّر المرأة في جسدها عبر عقلها، وليس العكس، لأنّ النتيجة ستكون ضدّها، وبطيختها "حتطلع قرعة".

دلالات
المساهمون