يتناول الجزء الخامس من سلسلة تحقيق "كرة الكرامة" قضية نظام الاحتراف الذي لم يُطبق في لبنان حتى الآن، واللاعبين الذين يلعبون مع أنديتهم بتوقيع أبدي.
"70 سنة من ممارسة كرة القدم في لبنان ومشكلة العقود الأبدية لم تنتهِ بعد ومستمرة في عام 2016"، بهذه الكلمات يصف الصحافي الرياضي يوسف برجاوي قضية عقود الاحتراف في لبنان. معظم اللاعبين اللبنانيين يوقعون ببصمة إبهام على ورقة بيضاء في الاتحاد اللبناني لكرة القدم، ثم تبدأ رحلة كرة القدم بدون عقد وبدون ضمانة قانونية لهذا اللاعب، الأمر الذي يجعل اللاعب تحت رحمة النادي ومرتبطا بعقد أبدي أقرب إلى العبودية.
"70 سنة من ممارسة كرة القدم في لبنان ومشكلة العقود الأبدية لم تنتهِ بعد ومستمرة في عام 2016"، بهذه الكلمات يصف الصحافي الرياضي يوسف برجاوي قضية عقود الاحتراف في لبنان. معظم اللاعبين اللبنانيين يوقعون ببصمة إبهام على ورقة بيضاء في الاتحاد اللبناني لكرة القدم، ثم تبدأ رحلة كرة القدم بدون عقد وبدون ضمانة قانونية لهذا اللاعب، الأمر الذي يجعل اللاعب تحت رحمة النادي ومرتبطا بعقد أبدي أقرب إلى العبودية.
نظام الاحتراف يساعد في التطوير
يشير لاعب نادي التضامن صور، حسن ملاح، إلى أنه "عندما تمنح اللاعب عقداً محترفاً يحصل على حقوقه ويقوم بواجبه كاملاً لأنه لا يعيش حياة بائسة بل حياة كريمة، لأن النادي يُصبح ملزماً بدفع كامل مستحقاتك بموجب هذا العقد وإلا يمكن لهذا اللاعب أن يلجأ للمحاكم. وبعض الأندية في لبنان تدفع رواتبها على عشرة أشهر، فماذا يفعل اللاعب اللبناني في الشهرين الأخيرين من السنة؟".
ويتابع ملاح: "لم أحصل من أي ناد على حذاء رياضي أصلي، فكل الأحذية تقليد ولا يمكنك لبسها لأكثر من ثلاث أو أربع مباريات. اللاعب اللبناني يشتري الحذاء الذي يلعب به من أجل قميص النادي من جيبه الخاص أحياناً. الآن، ومنذ انتقالي إلى فريق التضامن صور، لأول مرة أحصل على حذاءين على مستوى عال، هذا لأن النجم رضا عنتر عاد إلى الفريق ويُساهم في مساعدة اللاعبين، ولولا ذلك لكان الأمر في غاية الصعوبة".
ومن هناك يتحدث اللاعب حسين الدُر، الذي حُرم من تجربة احتراف مع بنفيكا بسبب نظام العقود في لبنان، ويقول: "اللاعب اللبناني مرتبط بتوقيع أبدي وعندما يقرر المغادرة يجد نفسه داخل قفص أو ما يُشبه السجن. عندما يطالب اللاعب بمغادرة النادي، يضع الأخير سعراً يفوق التصور قد يصل إلى 100 ألف دولار، لكن لو تم احتساب راتب هذا اللاعب شهرياً فلن يتخطى الـ24 ألف دولار سنوياً، فكيف يتم تقييم سعر اللاعب بدون مقارنته بالمستحقات التي يحصل عليها من النادي؟".
ويُشير الدُر هنا إلى التناقض الكبير عندما تتضارب مصلحة النادي مع اللاعب، إذ عندما يريد الأخير المغادرة يتحول إلى ما يُشبه رونالدينيو لناحية السعر الخيالي الذي يضعه النادي لتسريحه وبيعه، لكن عندما يقرر مناقشة المستحقات المالية مع الفريق نفسه يصبح لاعباً أقل من هاو ولا قيمة له.
بالنسبة للصحافي الرياضي محمد كركي، فإن الأندية تمتلك لاعبيها لمدى الحياة. الأمر أصبح بمثابة عبودية بحق لاعب كرة القدم اللبناني. لكن ورغم كل هذا، هناك صمت رهيب في الوسط الرياضي الكروي اللبناني، وكأن المشكلة غير موجودة أبداً. ويسأل كركي: "كيف يوقع لاعب عمره 11 سنة على عقد عبودية مدى الحياة مع فريق كرة قدم؟ أين قوانين فيفا؟ أين الاتحاد في هذا الشأن؟".
في المقابل، يعتقد الصحافي الرياضي رواد مزهر، أن كرة القدم في لبنان بحاجة لقانون الاحتراف وإلا ستبقى اللعبة مجرد هواية. ويُشير إلى أن المسؤول عن إطلاق مشروع الاحتراف هو السلطة العُليا في كرة القدم اللبنانية، أي الاتحاد اللبناني لكرة القدم، وإن كان قادراً على فرض هذا النظام وتلتزم به الأندية فهذا أمر جيد.
لكن للأسف الاتحاد لا يملك الكلمة النهائية، فهناك الأندية التي تقف عائقاً أمام تطوير اللعبة وإصدار نظام الاحتراف، وهذه الأندية لا تُفكر أبداً باللاعب اللبناني ولا تريدُ تحريره من القيود التي تخنقه. ويمكن بسهولة دراسة نظام الاحتراف في الأردن أو مصر واختيار الأفضل وتطبيق هذا القانون من أجل تطوير اللعبة ونقلها إلى مكان أفضل.
ويحمل مزهر بعض المسؤولية للأندية اللبنانية التي تخاف من تطبيق نظام الاحتراف، لأن هذه الكلمة تعني التزام النادي مع اللاعب وتأمين حقوقه كاملةً. لكن الأندية تغفل أنه بمجرد سن عقد بين اللاعب والفريق، تصبح على اللاعب واجبات أيضاً تجاه النادي الذي يلعب معه، ولا يمكنه عدم احترام عقده، لأن الفريق في الوقت نفسه سيحترم كل مخصصاته ومتطلباته.
ويضيف مزهر أن الاحتراف يجبرُ اللاعب على المداومة ثماني ساعات في مقر النادي، وهناك مثال اللاعب الأوروبي الذي يحضر إلى الفريق صباحاً ويبقى حتى الرابعة ظهراً يتخلل الأمر وجبات الصباح والغداء والتدريبات الخاصة. عندما يُطبق الاحتراف يُصبح اللاعب مُجبراً على قضاء دوام رسمي في عمله الذي هو النادي، وبالتالي يمكن للفريق مراقبة حالته الفنية بكل تفاصيلها.
أندية تصرف في الهواء
ويكشف الصحافي الرياضي يوسف برجاوي عن أندية لبنانية تصرفُ حوالى مليون دولار على الفريق سنوياً، هذا المبلغ الضخم يمكن أن يُغيّر الكثير لو تم استثماره بشكل جيد، ولو تم تنظيم عقود احترافية مع اللاعبين ستنخفض التكاليف بشكل مؤكد، لأن وضع ميزانية واستراتيجية للمستقبل تصنع الفارق في إيرادات الأندية.
ويضيف برجاوي أن بعض رؤساء الأندية يشتكون من وضع لبنان الاقتصادي الصعب، لكنهم في الوقت نفسه يدفعون مبالغ مالية تراوح بين 400 ألف دولار ومليون و200 ألف دولار. ويشير إلى أن هذه المبالغ قادرة على التعاقد مع لاعبين أجانب محترفين يملكون موهبة كروية مُميزة، ومن شأنهم أن يرفعوا مستوى اللعبة ويستفيد من خبرتهم اللاعب اللبناني بشكل كبير، هذا ما يُسمى بالاستثمار الصحيح.
ويختم برجاوي حديثه عن نظام الاحتراف والمشكلة العالقة منذ سنوات بالقول: "العقل الاحترافي لا يبدأ بين ليلة وضحاها، يجب العمل عليه بشكل تدريجي، وذلك لتحقيق مبادئ الاحتراف التي تنص عليها قوانين الاتحاد الدولي لكرة القدم. ويتم تعيين فريق عمل من خبراء في هذا المجال لإعداد خطة تطوير لسنوات، وفي النهاية تُطبق جميع الشروط على كل الأندية اللبنانية، وبالتالي تشهد كرة القدم نهضة كبيرة".
وفي هذا الإطار، يؤكد الصحافي الرياضي إبراهيم دسوقي أنه عندما يُطبق نظام الاحتراف في لبنان، لن نرى لاعبين يشربون النرجيلة، ستنتهي السهرات المتأخرة في ساعات الليل، سينزل اللاعب إلى التدريب متحمساً ولديه الحافز لتقديم الأفضل، وبالتالي يُصبح ملتزماً مع النادي ومسؤولاً عن تصرفاته.
ويُشير دسوقي إلى الواقع الصعب للاعب اللبناني: "الأندية اللبنانية تتمسك باللاعبين بنوع من (العبودية)، وهذا أمر لا يمكن القبول فيه، إنسانياً قبل أن يكون الأمر كروياً، وهناك ثلاثة أطراف مسؤولة عن عدم إقرار نظام الاحتراف، الطرف الأول هو اتحاد كرة القدم، الطرف الثاني هو النادي الذي يخاف من تحرير اللاعب وكتابة عقود".
وهنا يجب الإشارة إلى أن الأندية اللبنانية تتمسك بمفهوم خاطئ، إذ تعتقد أنها تخسر عندما تسنُ عقدا مع لاعب، لكن على العكس كل ناد يدفع للاعب سنوياً مبلغا ماليا، فلو تم جمع هذه المبالغ وتنظيمها سيصبح الأمر أسهل، لأن النادي في كل الأحوال سيدفع هذه المبالغ في النهاية.
ويؤكد الصحافي الرياضي شربل كريم أن مسؤولية عدم وضع نظام احتراف مشتركة بين الاتحاد والأندية، لكن يجب الإشارة هنا إلى أن الاتحاد اللبناني لكرة القدم لا يملك سلطة على الأندية لكي يفرض عليها قانون الاحتراف، وبالتالي فإن الأندية هي من تتحكم بهذا القرار، وبذلك تصعب مهمة إطلاق هذا القانون في أقرب وقت ممكن.
ويشير كريم إلى أن لوزارة الشباب والرياضة دوراً أيضاً، لأنها لا تهتم بالرياضة وبشكل خاص بكرة القدم، ويعود سبب تراخي وزارة الرياضة في لبنان إلى عدم وجود الثقافة الرياضية، وبالتالي ليس هناك أي اهتمام لتطوير كرة القدم بشكل خاص والرياضة بشكل عام.
وأخيراً بالنسبة لحسين ياسين، الصحافي الرياضي في قناة "بي إن سبورت"، فهو يختصر القضية بكلمة واحدة هي "العبودية"، لأنه يعتبر أن نظام العقود الحالي في لبنان انتهى العمل به منذ نصف قرن تقريباً في العالم، وعار على كرة القدم اللبنانية أن يكون هناك نظام توقيع أبدي.
ويعتقد ياسين أن اللاعب اللبناني بحاجة لقانون الاحتراف، وأن يحصل على حقوقه كاملةً بغية التطور والوصول إلى مستوى كروي احترافي عال يمكنه من خلاله منافسة أقرانه في القارة الآسيوية على أقل تقدير. ويختم قائلاً: "لا منطق ولا دين ولا قانون يقبل بوجود هكذا نظام عقود، هذا عار على كرة القدم في لبنان".