(كتاب ساكي 10) ميلان على قمة العالم

31 ديسمبر 2016
أريغو ساكي ورحلة الوصول للقمة (Getty/العربي الجديد)
+ الخط -

ينشر موقع "العربي الجديد" حلقات مترجمة من كتاب "أريغو ساكي.. كالتشيو توتالي"، تتناول حياة أسطورة التدريب، والذي لم يلعب الكرة بشكل احترافي خلال مسيرته، ونجح في قيادة العديد من الفرق إلى القمة في فترة الثمانينيات، في ما يلي الحلقة العاشرة:

كان موسم 1989-1990 مليئاً بالمواعيد الكبرى: الدوري وكأس إيطاليا وكأس أوروبا وكأس الإنتركوننتننتال وكأس السوبر الأوروبية. كان الأمر مسلياً بالنسبة لي، ولكن الضغط الإعلامي كان يتزايد كل يوم. كنت أحاول خفض التوتر وما يصاحبه من التهاب في المعدة بالذهاب لرفع الأثقال أو قيادة الدرجات. يمكنني القول، إن الرياضة أنقذتني في تلك الفترة.

بعيداً عن مشاكلي الشخصية، حاولت مع النادي بناء فريق مكون من 24 لاعباً على الأقل بوجود لاعبين في كل مركز لتطبيق سياسة التناوب وتعويض الموقوفين والمصابين وخلق فريق يكون البطل الحقيقي فيه هو اللعب. كانت فكرتي هو الحفاظ على نفس الميلان الذي بات يعرفه الجميع: هجوم وعدائية وضغط وتناسق وقوة وهيمنة وجمال.

كانت كأس السوبر الأوروبي أول تحدٍ ينتظرنا في بداية الموسم لمواجهة برشلونة بطل كأس الكؤوس الأوروبية. كانت استمراراً للتحدي أمام كرة القدم الإسبانية، فبعد مواجهة ريال مدريد أحد ملوك الكرة العالمية كان الدور على برشلونة يوهان كرويف؛ أحد أساتذة الاستحواذ ولكن كان يجب ألا يتملكنا الخوف.

كانت مباراة الذهاب في ملعب كامب نو. أثناء الرحلة كادت الطائرة أن تسقط. كانت لحظات من الرعب الصافي. حينما لمست الطيارة الأرض كنا في قمة السعادة لأننا ما زلنا على قيد الحياة.

بدأت المباراة بكل قوة، حيث أهدر فرانك ريكارد بعد 40 ثانية فرصة التسجيل. قبل نهاية الشوط الأول احتسبت ركلة جزاء لماسارو بعد تمريرة مليمترية من دونادوني تقدم فان باستن ليضعها بسهولة، ولكن برشلونة في الشوط الثاني بعد تمريرة خاطئة من ستيفانو سالفاتوري تمكن من التعادل عبر أمور.

في مباراة العودة، دفعت بتشكيل مكون من جالي وكاروبي ومالديني وفوسير وتاسوتي وكوستاكورتا ودونادوني وريكارد وفان باستن وإيفاني وماسارو. كان يغيب عنا أنشيلوتي وباريزي وخوليت. لعبنا في ميلان كما لم نلعب من قبل بكل قوة وهيمنة وسجل إيفاني بيسراه بكل قوة ودقة في الشوط الثاني.

بعدها عاند الحظ فان باستن، ولم يسجل، ربما ما كان سيصبح واحداً من أفضل الأهداف في التاريخ، عرضية من ريكارد سددها الأول من مرة واحدة بكل أناقة وقوة، ولكن زوبيزاريتا تصدى لها ببراعة. انتهت المباراة بهدف نظيف. خلال الدقائق الأخيرة، كان بإمكاننا تسجيل المزيد، ولكن هذا لم يحدث. أصبحنا مجدداً الفريق البطل، ولكن لم يكن هناك وقت للراحة.

الإنتركوننتننتال
بعد عشرة أيام من الفوز على برشلونة، كانت بطولة كأس الإنتركوننتننتال أمام ميديين الكولومبي في انتظارنا. مباراة بين بطل أوروبا وبطل أميركا الجنوبية. طوال مسيرتي وثقت بمجموعة مختارة من الأشخاص؛ أحدهم هو صديق حياتي ناتالي بيانكيدي. كان المسؤول عن مراقبة خصومي. كنت أرسله لكل مكان في العالم لمشاهدة المباريات واللاعبين والتدريبات.

إنه واحد من الأشخاص القلائل الذين يفهمون كرة القدم فعلاً. كان معروفاً باسم "الجاسوس"، ولكن بفضل مجهوداته تمكنت من التجهيز لمباريات لا تعد وشراء لاعبين بكل اطمئنان، ومنهم ريكارد على سبيل المثال. كان يرسل لي تقارير شاملة يتحدث فيها عن المنافسين وحدة تدريباتهم وإذا ما كانوا يمارسون الضغط أم الرقابة المزدوجة أم يتبعون مدرسة الاستحواذ. كان يخبرني ما أنا بحاجة لمعرفته من وجهة النظر التكتيكية لأن هذا كان يساعدني في معرفة كيفية مواجهة المنافسين والتغلب عليهم.

أتذكر كثيراً من القصص الطريفة عنه. كنت أرسلته لمراقبة ريال مدريد قبل مواجهته في كأس أوروبا، في نشرة الثامنة الإذاعية استمعت لهذا الخبر "توقعات بنشوب أزمة دبلوماسية بين ريال مدريد وميلان بعد رصد أحد كشافي الـ(روسونيري) في مران مغلق للفريق الملكي".

المهم أنه قبل مواجهة ميديين طلبت من بيانكيدي السفر لمشاهدة، كيف يلعب الفريق الكولومبي على الطبيعة، ولكنه هذه المرة رفض فسألته لماذا فيجيبني "والدتي لا ترغب في ذهابي!". الحقيقة أن سبب رفضه هو خوفه من تجار المخدرات لأن مدينة ميديين الكولومبية لم تكن آمنة. كانت حقبة بابلو إسكوبار الذي كان يتحكم في 80% من تجارة الكوكايين الدولية بخلاف وجود علاقات قوية له مع بعض فرق كرة القدم. لم يكن بيانكيدي يرغب في الذهاب بسبب أنباء القتل والاغتيالات التي كانت تظهر كل يوم في الصحف حول الأمر.

بعد محاولات كثيرة أقنعته بالذهاب، ولكن لدى وصوله لميديين وقعت مأساة. تعرض حكم كولومبي للقتل رمياً بالرصاص على يد شخصين وقرر الاتحاد إيقاف البطولة لمدة شهر قضاه بيانكيدي يتنقل من مغامرة غرامية لأخرى.

على أي حال كانت مواجهة ميديين متزنة وبطيئة ومتوترة دون أي فنيات جمالية. كانت كل الترشيحات تصب في صالحنا وهو الأمر الذي سبب ضغطاً كبيراً. مع نهاية الوقت الأصلي كان التعادل السلبي هو سيد الموقف.

سيطرنا وهيمنا وسددنا، ولكن الكرة لم تدخل المرمى. خلال الوقت الإضافي توقع الجميع أن المباراة ستذهب لركلات الجزاء، ولكن إيفاني سدد (ق177) تسديدة قوية سكنت شباك ميديين. كان هدف الفوز. شاهدت غالياني يركض كالمجنون نحو منتصف الملعب وخلفه نصف الجالسين على مقاعد البدلاء. كان أمراً عظيماً، ولكن مرة أخرى لم يكن هناك وقت للاحتفال.

كأس أوروبا والدوري
بفضل فوزنا بكأس أوروبا كان بإمكاننا خوض هذه البطولة مجدداً في الموسم الجديد. كنا أهم المرشحين للتتويج باللقب. كان النظام كما قلنا سابقاً، يقوم منذ البداية على مباريات الذهاب والإياب ولهذا السبب هربت منا مجدداً بعض النقاط في الدوري.

كان الدوري ملعوناً. تصدرناه، منذ البداية حتى النهاية، حينما حرمونا من ذلك اللقب بسبب تلك العملية الشهيرة التي ألقيت على رأس أليماو والتي تسببت في احتساب تلك المباراة لصالح نابولي بهدفين نظيفين. كان أمراً ظالماً، ولكن على أي حال في وسط عملية ضياع الدوري وصلنا للتتويج مجدداً بكأس أوروبا.

واجهنا في الدور الأول هلسنكي وتمكنا من عبوره بكل أريحية ثم جاء الدور في ثمن النهائي على ريال مدريد. أسوأ منافس يمكن تخيله في تلك الفترة لأنه كان يسعى للانتقام مما فعلناه في الموسم الماضي. أتحدث عن إذلال الخماسية النظيفة. لم تكن تلك الجولة الاقصائية سهلة وكلفتنا خسارة مباراتين أمام كريمونيسي وأسكولي.

كانت مباراة الذهاب في سان سيرو. التوتر كان يخيم على الأجواء وملموساً في كل أركان الملعب. عقب بداية متزنة بين الفريقين جاءت عرضية فان باستن من الناحية اليمنى التي تلتها رأسية ريكارد والهدف الأول. كانت ثماني دقائق فقط كافية لتؤكد لريال مدريد أن ميلان يهيمن على الملعب.

بفضل الضغط الذي مارسناه تشتت انتباه مارتين فاسكيز ليقطع ريكارد الكرة ويمررها لفان باستن الذي واجه الحارس وسقط ليحتسب الحكم صراحة ركلة جزاء لم تكن موجودة، ولكن الهولندي تقدم وسجلها. على أي حال كانت أرقام الفرص المهدرة في نهاية المباراة تبرز تفوقنا.

بعدها بـ15 يوماً كنا على موعد مع مباراة الإياب في البرنابيو. شهدت هذه المواجهة فرصاً لكلا الفريقين وهذا كان يظهر أننا لم نلعب أبداً على الدفاع. تلقى مرمانا هدفاً من بوتراغينيو قبل نهاية الشوط الأول بوقت قليل. كان ينتظرنا شوط ثانٍ صعب للغاية. كان فان باستن يتعرض للضرب كلما لمس الكرة، لهذا انتهى الأمر بطرد اثنين من لاعبي ريال مدريد. خسرنا بهدف نظيف، ولكن في النهاية تأهلنا. يكفي القول إنه بسبب طريقة لعبنا الجماعية سقط ريال مدريد في مصيدة التسلل 26 مرة.

كان ميخيلين البلجيكي ينتظرنا في ربع النهائي. تعادلنا سلبياً في مباراة الذهاب وفي الإياب ظل التوفيق يعاندنا ولم نتمكن من التسجيل لتذهب المباراة للوقت الإضافي الذي تعرض فيه كليسترز للطرد. كان مدافعاً صخرياً وصلباً. تعرض دونادوني أيضاً للطرد بسبب تصرف غبي بعدما تجاوب مع استفزازات الخصم، ولكن فان باستن تمكن من تسجيل الهدف الأول قبل أن يضيف سيموني الثاني لنصعد لنصف النهائي.

مرة أخرى تمكننا من إسكات كل الأفواه عبر طريقة لعبنا ومجهودنا الكبير في الملعب. أتذكر أن باريزي قال مرة "كل واحدة من هذه المباريات تكلفنا خمسة أعوام من عمرنا الافتراضي". ربما كان في الأمر مبالغة بعض الشيء، ولكن كلماته تعكس مدى التوتر والحدة التي كنا نلعب بها.

للعبور للنهائي كان يجب علينا أن نمر من بوابة بايرن ميونخ، أحد أكبر المرشحين للقب. لم نخن طريقة لعبنا أبداً وقررنا الهجوم ثم الهجوم. لم ير الحكم ركلتي جزاء صحيحتين لصالح سيموني وماسارو. قررت في نصف الشوط الثاني إخراج سيموني وإدخال بورغونوفو الذي تعرض بعدها بدقائق لعرقلة داخل المنطقة ليحتسب الحكم ركلة جزاء سجلها فان باستن. انفجر ملعب سان سيرو بالصراخ والهتاف من فرط السعادة.

كانت مباراة الإياب في ألمانيا بمثابة معركة أخرى. لم تكن لدينا مخاوف ولعبنا بأسلوبنا، فعقب نهاية الشوط الأولى على سبيل المثال كان لبايرن تسديدة واحدة على المرمى وميلان 11، ولكن توماس سترونز تمكن من التسجيل بسبب خطأ دفاعي وحيد. بعد انتهاء الوقت الأصلي كنا على موعد مع ذلك الإضافي، حيث سجل بورغونوفو هدفاً. احتفلت بجنون بالذهاب لمنتصف الملعب وأنا أضم قبضتي، ولكن بايرن سجل هدف الفوز بواسطة ماكينالي، ولكن بسبب القيمة المزدوجة للأهداف خارج أرضك تأهلنا مجدداً للنهائي. كنا على وشك الفوز باللقب لثاني مرة على التوالي.

كان بنفيكا البرتغالي تحت قيادة سفين جوران إريكسون ينتظرنا في نهائي فيينا. كنا وصلنا لهذه المرحلة دون خوليت، ولكن بعد عودته كانت هذه فرصة للعب بأفضل تشكيل للميلان عبر إشراكه أساسياً.

نصحني بيانكيدي "احذر. لقد ظهر في تدريباتهم أنهم درسوا جيداً كيف تطبق مصيدة التسلل". كانوا يلعبون على الاستحواذ ولكن مرجعيتهم الرئيسية لم تكن الكرة بل الخصم، بمعنى آخر كان لديهم عيب يتمثل في عدم معرفة إذا ما كان يجب مراقبة الخصم أم تغطية المساحات. هذه كانت طريقة تسجيلنا: أخذ فان باستن مدافعاً خلفه واستغل ريكارد المساحة الناجمة عن الأمر وسجل بتسديدة متقنة. مرة أخرى كنا أبطالاً لأوروبا. عوض ذلك اللقب مرارة ما حدث محلياً بضياع لقب الدوري والخسارة من الكأس في يوفنتوس.

أفكار الغرفة
بعد نهاية المباراة عدت لغرفتي وألقيت حقيبتي بعنف في الممر. كنت في قمة التوتر والإرهاق. كنت قلت قبلها لبرلسكوني وغالياني "يكفي هذا. لا يمكنني الاستمرار" ولكنهما قالا لي "اذهب لمنزلك ولتنعم ببعض الراحة. سنراك بعد 15 يوماً".

أن تترك شيئاً أحببته طوال حياتك والنادي الذي يقدرك ويحبك ليس بالأمر الهين. أن تترك فريقاً مليئاً بلاعبين ورجال عظماء وليس لهم مثيل وجمهور يحبك يعد أمراً معقداً، ولكن للأسف أن تكون مختلفاً وتقرر أن تحيي هذه الرياضة بشكل مختلف عن الآخرين وبعيداً عن العادات، خاصة إذا لم تكن لاعباً كبيراً، كلها أمور تجعل العالم صعباً جداً بالنسبة لك.

كنت فزت بكل التحديات الممكنة بين انتقادات وغيرة وانعدام للثقة. كنت أشعر بالإرهاق. كل هذا الضغط تسبب في زيادة التهاب المعدة وآلام في البطن وليال طويلة من الأرق. التحديات كانت منحتني الأدرينالين اللازم للمواصلة، ولكن التوتر أصبح بمثابة عدو لا يمكنني الفوز عليه. أقنعني برلسكوني بالاستمرار لعام إضافي. وقعت عقداً مدته ثلاث سنوات، كنت أعرف أنني لن أكملها. قبل بداية الموسم الجديد لجأت لعائلتي. كانوا ملاذي. كنت مرهقاً وأرغب في الراحة.

دلالات
المساهمون