قوة فلسفة النفط

قوة فلسفة النفط

20 يوليو 2015
كان النفط نعمة على شعوب ونقمة على شعوب أخرى(Getty)
+ الخط -
بحث العالم على مر العصور عن القوة. تعددت مفاهيمها واتجاهات إدراكها واستخداماتها وفق التحولات العالمية. اليوم تتم مناقشة مفهوم قوة النفط والإدراك من قبل العقل الشرقي. فما زالت الأدبيات الفكرية تركز على قوة النفط بالمدرك المادي فقط، إذ يعتمد الوزن الاستراتيجي للدولة بصورة كبيرة على مؤشرات القوة ومنها قوة الموارد الطبيعية وفي طليعتها النفط.

مرت قوة النفط بتحولات كبيرة وعظيمة تارة، وإسقاطات سلبية تارة أخرى. ونجد أن التاريخ حافل بالعديد من الشواهد الإيجابية والسلبية للنفط. فقد كان النفط نعمة على شعوب ونقمة على شعوب أخرى. ويبدو أن الأحجية في الاستخدام الرشيد للمورد النفطي، وعلاقة العائدات بمصير الدولة تحدّد مصادر القوة.

اقرأ أيضا: نهاية عصر الشركات الوطنية

وقد أشرنا ونحن نتكلّم عن هذا الموضوع الجدلي إلى العقل الشرقي وإدراكه للقوة، وخصوصاً قوة النفط، فما زال الإدراك لمفهوم قوة النفط بعقلية المورد وليس التنمية. وهذه إحدى الإشكاليات الأساسية للاقتصاديات الريعية، ما جعل العديد من الدول النفطية تتجه إلى التنمية العمودية القائمة على البنى التحتية وتشجيع النزعة الاستهلاكية. في العراق وليبيا واليمن وأغلب دول الخليج وإيران، ما زالت فوائض النفط تُصرف على الإنفاق العسكري، وهذا أكبر تحدٍ يواجه موازنات الدول المالية في ظل انخفاض أسعار النفط ونشوء ظاهرة الإرهاب في منطقة المشرق العربي.

في حين نجد أن بعض الدول بدأت تفكر بالتنمية المتوازية، كالتركيز على البنى التحتية والمشاريع الاستراتيجية القائمة على عائدات النفط لتشجيع قطاعات الاقتصاد الحقيقي، كالزراعة والتجارة والصناعة والنقل، وهنا تكمن أحجية النفط كقوة استراتيجية شاملة وداعمة للإنسان والمجتمع والدولة. ولا شك أن هذا النموذج يعدّ الأفضل للدول النفطية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فعائدات النفط تستمدّ قوتها من حجم الخدمات والمشاريع التنموية المقدمة إلى المواطن والمجتمع والدولة، وليس من خلال ارتفاع مؤشرات الإنفاق العسكري والاستهلاك والتضخم والدَين العام.

اقرأ أيضا: النهج الاستباقي في أوبك

بحسب بيانات العقود الآجلة لبورصة البترول الدولية من قبل قواعد بيانات البنك الدولي، يظهر أن سعر النفط للتسليم في أغسطس/ آب 2015 يبلغ نحو 56 دولاراً للبرميل. وفي ضوء تراجع أسعار النفط الذي يبدو وكأنه باق ولن يزول، يتيح أحدث إصدار من النشرة الاقتصادية الفصلية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابعة للبنك الدولي تحليلاً للآثار والتداعيات المحتملة على المنطقة جراء انخفاض الأسعار.

شكّلت إيرادات النفط والغاز أكثر من نصف إجمالي الناتج المحلي لدول الخليج و75% من إجمالي عائدات صادراتها، وتشير التقديرات إلى أنه في حالة استمرار أسعار النفط المتدنية لفترة طويلة، فإن حكومات بلدان المنطقة ستشهد خسارة تزيد على 215 مليار دولار من العائدات النفطية، أي أكثر من 14% من إجمالي ناتجها المحلي مجتمعة.

أما إيران، والتي تلعب سياسياً، فإنه من المتوقع أن تنتعش صادراتها النفطية إلى مستوياتها السابقة للعقوبات بحلول عام 2017.

في حين نجد أن العراق زادت صادراته النفطية بالرغم من الاضطرابات التي يشهدها حالياً، لتصل في المتوسط إلى 2.9 مليون برميل يومياً في ديسمبر/ كانون الأول 2014، وهو أعلى مستوى له منذ عام 1980، إلا أن إيراداته النفطية انخفضت في الفترة بين مايو/ أيار وديسمبر 2014، إذ هوت قيمة صادرات النفط الشهرية من 8 مليارات دولار إلى 5.4 مليارات. ويأتي ذلك في وقت يزيد فيه الإنفاق عن المستويات المعتادة، حيث تقاتل الحكومة لاستعادة ما خسرت جراء حربها مع داعش.

نجد أن ليبيا أيضاً ستتكبّد ثمناً باهظاً في صورة عائدات نفطية ضائعة، إذا لم تتوصل الفصائل السياسية المتناحرة إلى اتفاق، ويبلغ إنتاج النفط حالياً خمس ما كان عليه قبل الأزمة، وهو 1.6 مليون برميل يومياً.

اقرأ أيضا: العودة إلى عقود الامتياز

وأخيراً اليمن، حيث يهيمن النفط على موازنته الحكومية، فقد أدى انخفاض أسعار النفط العالمية، مقترناً بانعدام الاستقرار السياسي واستمرار التخريب لخطوط أنابيب النفط، إلى تراجع العائدات النفطية بمقدار النصف، وبلغ إجمالي العائدات النفطية 1.4 مليار دولار في الفترة من مايو إلى سبتمبر/ أيلول 2014، مقارنة بمبلغ 2.4 مليار دولار للفترة نفسها من عام 2013.
(خبير نفطي عراقي)

المساهمون