لا يزال النقاش محتدماً في تركيا، حول وضع القوات الخاصة التركية، التي تتولى حماية الأراضي، حيث قبر سليمان شاه في سورية، والتي تُعتبر جزءاً من الأراضي التركية الواقعة خارج حدود الجمهورّية التركيّة.
ويُدرج موضوع القبر على أجندة الحكومة التركية منذ مارس/آذار الماضي، عندما أعلن وزير الخارجية حينها، رئيس الوزراء الحالي، أحمد داوود أوغلو أن حكومته ستتخذ كافة الإجراءات والتدابير اللازمة للحفاظ على أمن الضريح، وذلك في ظلّ الحرب المتصاعدة ضمن الأراضي السورية.
واتخذت الحكومة بالفعل بعض الإجراءات. في 14 مارس/آذار، استبدلت جميع الجنود، قليلي الخبرة، الذين كانوا متواجدين لحماية الضريح، واستقدمت ستين عنصراً من القوات الخاصة التابعة للجيش التركي، ذات الخبرة العالية في مكافحة الإرهاب، ليطمئن بعدها داوود أوغلو الشعب التركي بأن الضريح آمن. وقال إنّه "في الوقت الراهن، ليس هناك أي مخاوف من اعتداء ضد قواتنا المتواجدة في الضريح، الذي يُعتبر جزءاً من الأراضي التركية، وفي حال بروز أي تهديد سنتخذ الإجراءات اللازمة".
لكنّ المخاوف على حياة الكتيبة، التي تحرس الضريح، عادت مرة أخرى إلى الأضواء، في الفترة الأخيرة، فالوضع تغير بشكل جذري، على الأقل في الأيام العشر الماضية، مع تحرير الرهائن الأتراك الذين احتجزهم تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، إثر اقتحامه القنصلية التركية في الموصل في شهر يونيو/حزيران الماضي، واندلاع المعارك بين قوات "الحماية الشعبية" التابعة لحزب "الاتحاد الديمقراطي" والتنظيم في محيط الضريح وفي مدينة عين العرب، وبعد أن قررت أنقرة الدخول في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية ضد "داعش" بشكل فاعل. بل أن تركيا أعلنت الحرب على "داعش" بشكل صريح، على لسان وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، الذي أكد في حديثه للدبلوماسيين الأتراك المحررين من أيدي "داعش"، بأن خاطفيهم سيدفعون ثمن ما فعلوه، وأن بلاده لن تتيح الفرصة للأيادي "الخائنة والقذرة" التي تمتد إليها.
وخاطب رئيس هيئة الأركان التركية الجنرال نجدت أوزال، الجنود الأتراك الذين يحمون ضريح سليمان شاه في سورية، قائلاً: "لستم وحدكم هناك، كونوا على ثقة أنّه عند وصول خبر واحد منكم، ستجدون القوات المسلّحة التركية إلى جانبكم فوراً".
تصريحات أوزال جاءت في رسالة وجّهها إلى الجنود الأتراك الذين يحمون الضريح، بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك، اعتبر فيها أنّ الجنود الأتراك يقومون بالمهمة المناطة بهم بجدارة، في ظلّ ظروف صعبة للغاية، مبدياً ثقته التامة بأنهم سيقومون من الآن فصاعداً بمهمتهم بنجاح، وبشكل يليق بتاريخ الأجداد، وأنهم سيمثلون بنجاح الأمة التركية، والقوات المسلّحة التركية. وأضاف: "الأمة التركية العظيمة خلفكم، ولا تنسوا أنه يوجد خلفكم أيضاً 76 مليون مواطن، عيوننا وآذاننا وقلوبنا دائماً معكم".
وتأتي هذه التصريحات بعد أن أشارت الكثير من الصحف التركية، معتمدة على تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، إلى أن قوات "داعش" تحاصر الضريح، بل وقامت بأخذ رهائن من عناصر القوات التي تتولى حمايته، لتؤكد صحيفة "يني شفق" التركية، المقرّبة من الحكومة، في الثلاثين من سبتمبر/أيلول الماضي في تقرير على صفحتها الأولى، بأنّ قوات "داعش" تحاصر الضريح بأكثر من ألف مقاتل وتمنع أي إمكانيّة لإخلائه، الأمر الذي نفاه قائد الأركان العامة التركية في وقت لاحق.
وعلمت "العربي الجديد"، من مسؤول في حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، رفض ذكر اسمه، أنّ القوات التركية المرابطة في الضريح، فقدت الصلة مع المليشيات المحليّة، التي كانت تزوّدها بالمعلومات الاستخباراتيّة واللوجستيّة منذ يوليو/تموز الماضي.
ويؤكد المصدر أنّ قيادات الجيش التركي، طلبت عدة مرات من الحكومة التركية في الأشهر الأربعة الأخيرة، الإذن بإخلاء الضريح وسحب الجنود الأتراك، لكنّ المسؤولين الحكوميين رفضوا الأمر لما قد يثيره ذلك من اتهامات بالتخلي عن أراضٍ تابعة للجمهورية التركية، حتى أنه لم يشمل وضع هؤلاء الجنود الأتراك بصفقة تحرير الرهائن الأتراك، التي جرت مع التنظيم في وقت سابق، الأمر الذي أثار شائعات أفادت برفض "داعش" ذلك، للاحتفاظ بورقة ضغط على الحكومة التركية.
بطبيعة الحال، فإنّ إعلان تركيا الحرب على "داعش" لن يمرّ مرور الكرام، وإن كان صمت التنظيم عن ذلك حتى الآن أمراً مريباً، ربّما حتى إتمام سيطرته على عين العرب، لكن مع مرور الوقت تزداد خطورة الوضع، ليبقى أمام تركيا ثلاثة خيارات للتعامل مع الضريح، أولها الاستمرار في الوضع الحالي وتجنّب أو تأجيل الاصطدام مع "داعش"، وثانيها إخلاء مؤقت للقوات المتواجدة هناك، وثالثها تعزيز القوات الموجودة بعناصر إضافية، الأمر الذي لا يبدو منطقياً في الجزيرة الصغيرة المحاطة بالتنظيم من كل الجهات. ولن تستطيع هذه القوات، مهما كانت قدراتها، الصمود في وجه الآلاف من قوات التنظيم، المتواجدين في المنطقة في ظل اشتداد الاشتباكات حول مدينة عين العرب.
ويبدو الخيار الأول الأقرب إلى الواقع، خصوصاً في ظلّ إقرار البرلمان التركي مذكرة التفويض، التي قدّمتها الحكومة للسماح للجيش التركي بإجراء عمليات في كل من سورية والعراق. وبذلك، يبقى أمن هذه الكتيبة الحجّة الأمثل لبدء التدخل التركي وحشد الدعم الكافي له، عبر الحديث عن الخطر الذي تتعرض له القوات التركية الموجودة لحماية الضريح.
يُذكر أنّ "اتفاقية أنقرة"، التي أُبرمت بين مجلس الأمة التركي (البرلمان)، والحكومة الفرنسيّة، المنتدبة على سورية في 20 أكتوبر/تشرين الأول 1921، والتي أنهت الحرب بين الجانبين، نصّت على أنّ منطقة ضريح سليمان شاه، الذي كان في قلعة جعبر قبل أن تغمرها مياه بحيرة الثورة نتيجة إقامة سد الفرات عام 1973، هي أراضٍ تركيّة.