قمّة العشرين: الهجوم الأميركي لا يزعج بوتين

قمّة العشرين: الهجوم الأميركي لا يزعج بوتين

18 نوفمبر 2014
بوتين حضر بقوة في قمة العشرين (Getty)
+ الخط -

لم يكن لروسيا أن تطمع بأكثر مما جنت في قمة العشرين، بعد الحديث عن محاولة سحب الدعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وعن لهجة قاسية تنتظره هناك بخصوص أوكرانيا. حضر بوتين بقوة، ولم تكن لقاءاته الثنائيّة أقلّ من عادية، فتحوّلت قمة بريسبان إلى منتدى غير رسمي لمجموعة بريكس، كما أوصل سيد الكرملين رسالة رمزيّة عبر امتناعه عن الفطور الجماعي وتلميحه بخيار القوة عبر مساحات بلاده الشاسعة.

لا مكان للتثاؤب

كان جدول أعمال بوتين في قمة العشرين في بريسبان غنياً ومزدحماً بلقاءات العمل. شارك في أنشطة رسميّة وغير رسميّة. ولعلّ أهم ما قام به، مشاركته الفاعلة في الاجتماع غير الرسمي لزعماء مجموعة بريكس، التي أكدت حضورها الخاص، بعد احتجاج أُدرج في بيان القمة الختامي، على السياسة الأميركية التي تتهرّب من إصلاحات صندوق النقد الدولي المقررة منذ أربع سنوات. كما اتفق زعماء المجموعة على تشكيل مجلس إدارة لبنك التطوير الجديد الذي استُحدث في القمة الأخيرة، على أن يُسمّى مدير البنك قبل القمة المقبلة.

وتنقل وكالة "تاس" عن بوتين قوله، أثناء اجتماع زعماء بريكس، إنّه "يجري تنفيذ القرارات الخاصة بإنشاء مؤسّسات ماليّة خاصة ببريكس بنجاح، فيما يبلغ إنشاء بنك التطوير واحتياطي العملات الصعبة الذي أُقرّ في قمة فورتاليزا إلى مراحله النهائية"، مذكّراً بأن رأس المال الإجمالي لهذا البنك يبلغ 200 مليار دولار. ويضيف هذا الرقم وزناً لسياسات هذه المجموعة، ويمكن أن يساهم فعلياً في حماية اقتصاداتها من الخضّات المالية أثناء الأزمات. وفي هذا الشأن، يضيف بوتين: "تظهر لدينا آليات مشتركة قادرة على ضمان استقرار الأسواق الماليّة الوطنيّة في حالات الأزمات في الاقتصاد العالمي".

وكان زعماء مجموعة بريكس قد دعوا قمّة العشرين إلى التخطيط لمناقشة إصلاحات صندوق النقد الدولي، إذا لم تصادق الولايات المتحدة الأميركية حتى نهاية هذا العام على الإصلاحات المقرّة عام 2010.

وفي سياق متّصل، تنقل وكالة "ريا نوفوستي"، خيبة أمل زعماء البريكس واحتجاجهم، وتعبيرهم عن قلقهم الشديد إزاء فشل إصلاح صندوق النقد الدولي، المقرر منذ عام 2010، وانعكاس هذا العامل على شرعيّة الصندوق ومصداقيته.

ولم تفت بوتين الإشارة لوكالة "تاس"، عشية سفره إلى أستراليا، قائلاً إنّ "الولايات المتحدة لا تنفّذ القرارات التي يتّخذها المشاركون في قمة العشرين، إذا كانت لا تلبّي مصالحها الخاصة". ويدور الحديث، وفقاً للرئيس الروسي، عن القرار المتخذ في قمة سان بطرسبورغ للعشرين حول تعزيز دور الاقتصادات النامية في عمل صندوق النقد الدولي، وإعادة توزيع الحصص.

ولم يخرج مضمون البيان الصادر عن قمة بريسبان، حول ضرورة إصلاح صندوق النقد الدولي من وجهة نظر بريكس، عما سبق وأعلنه بوتين، إذ يرد فيه "نؤكد التزامنا بمساندة صندوق نقد دولي قوي، قائم على الحصص ويمتلك موارد كافية. ونؤكد التزامنا بما تم التوصّل إليه في قمة سان بطرسبورغ، وانطلاقاً من ذلك، نعبّر عن خيبة أملنا الشديدة من التأخير المستمر في تنفيذ الإصلاحات المتعلقة بالحصص ونظام الإدارة، المقررة سنة 2010".

موسكو بعيدة

ولم يغفل بوتين التعبير عن رضاه خلال مؤتمر صحافي، بقوله إنّه "راضٍ عن النتائج والأجواء" في قمّة العشرين، مضيفاً "نظرتُ إلى الصحافة المحليّة، وإلى الصحافة الأخرى التي جرى فيها تصعيد للموقف، وبين الواقع الفعلي وحياة الصحافة الافتراضيّة، فرق شاسع".

واستبقت وسائل الإعلام الغربيّة القمّة بالتسريب أنّ بوتين سينسحب من القمة تحت ضغط الانتقادات الغربيّة لموقف روسيا في أوكرانيا، إلا أنّ بوتين تمكّن من أن يقلب الصيغة بعبارتين في ما بعد، مؤكداً أن "شيئاً مما تحدثت عنه الصحافة لم يكن"، وأنّ "روسيا أبعد عن إرادتكم من المسافة التي تفصلكم عن بلدانكم". ولا يدور الحديث هنا عن نفي المتحدث الصحافي باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، بشدة لخبر انسحاب بوتين، حين قال "هذا هراء بالمطلق، المحاورون أثاروا هذا الموضوع (موضوع أوكرانيا)، ولكن في جو روتيني عادي"، إنما يشمل كلام بوتين في المؤتمر الصحافي، حين قارن المسافة بين أستراليا البعيدة وروسيا بالمسافة الفاصلة بين الشرق الأقصى الروسي وموسكو.

وفي سياق متّصل، تنقل وكالة "إنترفاكس"، عن بوتين قوله في بريسبان: "كي لا تبقى هناك تكهنات، أنا لم أذهب إلى الإفطار العام ولكن بقي وزير ماليتنا هناك. علينا الطيران من هنا إلى فلاديفوستوك تسع ساعات، وتسع ساعات أخرى إلى موسكو... وينبغي الوصول إلى البيت والذهاب إلى العمل يوم الإثنين، والنوم 4 ــ 5 ساعات".

ولا بدّ من التذكير، في هذا الإطار، بمفهوم العمق الاستراتيجي الذي يعتدّ به الروس، وتضمّنه روسيا من خلال اتساع أراضيها من دون حلفاء، فقد لعب ذلك دوراً بالغ الأهمية في هزيمة ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية، حين سحب الرئيس السوفييتي الراحل جوزيف ستالين المصانع الهامّة إلى عمق البلاد العصي على وصول الأعداء.

المسألة الأوكرانيّة

وعلى الرغم من الإعلان السابق بأنّ المسألة الأوكرانيّة غير مطروحة على جدول أعمال القمّة الرسمي، لكنّها شغلت حيزاً هاماً من النقاشات على هامشها، وهو ما أكّده بوتين بإشارته، في مؤتمر صحافي في بريسبان، إلى أنّه "لم يتمّ التطرّق إلى المسألة الأوكرانيّة، على المستوى الرسمي في إطار "العشرين"، إلا أن جميع اللقاءات الثنائية تناولت حصراً هذه المسألة". وأوضح أنّ "النقاشات كانت صريحة جداً، وغنية، ومن وجهة نظري مفيدة. وأعتقد أننا تمكنّا مع الزملاء من فهم بعضنا البعض بصورة أفضل، وفهم دوافع روسيا، وقد أوصلوا لي مخاوفهم، وهذا سيساعدنا".

وكان الرئيس الروسي قد التقى، في إطار ثنائي، نظيره الفرنسي فرنسوا هولاند، ورئيس الوزراء الإيطالي ماثيو رينزي، إضافة إلى لقاء ثنائي مغلق جمعه مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون. واختتم بوتين اليوم الأول من وجوده في بريسبان بلقاء جمعه بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس المفوضية الأوروبية الجديد جان كلود يونكر. وتأتي هذه اللقاءات، في وقت تدرك فيه موسكو استحالة تغيير موقف الأوروبيين ما لم تغيّر واشنطن سياساتها تجاه موسكو، وهذا ما لا يلوح في الأفق بعد، إضافة الى صيغة "لولا أميركا لعاشت روسيا مع أوروبا بوئام"، السائدة في الوعي العام الروسي، والتي كلما ضعفت يقويها الأداء السياسي الأميركي، وخصوصاً تصريحات الرئيس الأميركي باراك أوباما.

ولم ينتظر أوباما كثيراً قبل أن يهاجم في كلمته في قمة بريسبان روسيا، لا بل يقارن للمرة الثانية الخطر الروسي بخطر وباء إيبولا، بقوله أثناء محاضرة في جامعة كوينزلاند الأسترالية: "نتصدّر النضال لمكافحة حمى إيبولا في أفريقيا ومواجهة العدوان الروسي على أوكرانيا".

المساهمون