قمّة "حلف شمال الأطلسي" أمام احتمالين: إبراز الوحدة أو الفشل

بروكسل

لبيب فهمي

avata
لبيب فهمي
11 يوليو 2018
3E89C862-21F4-4E04-8FA8-6505E7EED813
+ الخط -
على مدى يومين، اليوم الأربعاء وغداً الخميس، سيجتمع قادة دول "حلف شمال الأطلسي" (الناتو) في بروكسل، في قمة يعتبرها الكثير من الدبلوماسيين فرصة فريدة لعرض وحدة الحلف... إذا سمح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بذلك. ففي الوقت الذي تمّ فيه الاتفاق على معظم قرارات القمة في الاجتماعات الوزارية الأخيرة، فإنّ المجهول في هذا اللقاء هو تعامل ترامب، خصوصاً أنّ رسائله القاسية إلى الدول الأعضاء وقراراته الأخيرة بشأن سحب اتفاق المناخ وشجب الاتفاق النووي الإيراني وفرض الضرائب الجمركية على الأوروبيين والكنديين، تنذر بنقاشات حادة.

وبالفعل واصل ترامب، أمس الثلاثاء، تصعيده ضد الحلف وجدد في تغريدة على حسابه على موقع "تويتر" مطالبته أعضاء الحلف الأوروبيين بزيادة إنفاقهم العسكري، قائلاً "دول الحلف يجب أن تنفق المزيد، والولايات المتحدة يجب أن تنفق أقلّ". كذلك وفي ما يؤشّر إلى نيته عدم التنازل عن مطالبه وتصعيده، اعتبر ترامب، الذي غادر صباح أمس الولايات المتحدة إلى بروكسل ضمن جولة أوروبية تستمر سبعة أيام وتختم بقمة بينه وبين نظيره الروسي فلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي في 16 يوليو/ تموز الجاري، أنّ اللقاء مع بوتين قد يكون أسهل من قمة الحلف الأطلسي، وحتى من زيارته لبريطانيا. وقال ترامب في سياق عرض برنامجه على الصحافيين في حدائق البيت الأبيض: "هناك الحلف الأطلسي والمملكة المتحدة (...) وهناك بوتين"، مضيفاً "بصراحة، قد يكون بوتين الأسهل بينهم جميعاً، من كان ليظن ذلك".

ودفع التخوّف من ترامب وتصريحاته رئيس الاتحاد الأوروبي، دونالد توسك، أمس، إلى توجيه رسالة حازمة للرئيس الأميركي دعاه فيها إلى "تقدير" حلفائه. وقال توسك خلال مؤتمر صحافي بعد توقيع اتفاقية تعاون جديدة بين الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي: "عزيزتي أميركا، قدّري حلفاءك، فليس لك الكثير منهم في نهاية المطاف"، وتابع "أودّ التوجّه مباشرة إلى الرئيس ترامب الذي ينتقد أوروبا بصورة شبه يومية منذ وقت طويل إلى الآن، بسبب مساهمات غير كافية بحسبه في القدرات الدفاعية"، مؤكداً أنه "ليس هناك ولن يكون لأميركا حليف أفضل من أوروبا التي تنفق اليوم على الدفاع أكثر بكثير من روسيا وبمقدار ما تنفق الصين". وأضاف "آمل ألا يكون لديك أدنى شكّ بأنه استثمار في أمننا، وهو ما لا يمكن قوله بالثقة ذاتها عن النفقات الروسية والصينية".

وسيتم تنظيم اجتماع حلف الأطلسي في أربع جلسات، واحدة مخصصة للشؤون الداخلية للتحالف، التي هي في الواقع أكثر الجلسات حدة، أما الجلسات الثلاث الأخرى فستخصص لعلاقات التعاون بين الاتحاد الأوروبي والحلف والجبهة الشرقية، أي روسيا، وأفغانستان ودول الجنوب.

جلسة كل الصعوبات

من المتوقّع أن تتبنّى أولى الجلسات الأربع مختلف القرارات التي وافق عليها بالفعل وزراء خارجية أو وزراء دفاع الحلف الأطلسي بشأن إصلاح هيكل القيادة والأمانة الدولية للحلف، إضافة إلى عملية إصلاح عمل مقر الأطلسي، الذي سيقدمه الأمين العام ينس ستولتنبرغ، بشكل تدريجي بحلول الذكرى السبعين لتأسيس المنظمة في عام 2019. كما ينتظر أن يرحّب رؤساء الدول والحكومات التسع والعشرين بمبادرة الاستجابة الجديدة التي أطلق عليها اسم "4x30"، والتي تحدد هدفاً بحلول عام 2020، بحيث يمكن للأطلسي حشد "30 كتيبة ميكانيكية، و30 سرباً من الطائرات الحربية و30 من السفن الحربية في غضون 30 يوماً"، للتعامل مع حالة الأزمات العاجلة وتبادل المساعدة.

وخلال القمة، يجب على حلف شمال الأطلسي أن يعبّر أيضاً "بوضوح وبشكل لا لبس فيه"، وفقاً لدبلوماسي غربي، عن "تصميم ودعم التحالف" لسياسته المزدوجة بشأن الردع النووي والتقليدي. فـ"فكرة القدرة النووية القوية والموثوقة التي تسهم في الردع العام وبالتالي تساعد على منع العدوان ضدّ الحلف، يجب أن تنعكس في الاستنتاجات النهائية للقمة"، بحسب الدبلوماسي.

وتعدّ القضية السياسية الرئيسية للقمة هي تقاسم الأعباء. وفي هذا الإطار، يقول الخبير في الشؤون الدفاعية أوليفيه جيهان، لـ"العربي الجديد"، إنه "إذا كان الأمين العام للأطلسي يسعى إلى تقديم خطاب إيجابي حول الجهود الدفاعية للحلفاء الأوروبيين خلال العامين الماضيين، فليس من المؤكّد أن هذا سيكون كافياً هذه المرة لإقناع الرئيس الأميركي الذي أرسل رسائل كتابية إلى مجموعة من الدول الأعضاء لحثها على بذل المزيد من الجهود". ويشير جيهان إلى أنّ الولايات المتحدة "تؤدي اليوم دوراً قيادياً في التحالف، سواء من حيث المساهمات المالية والعسكرية في المنظمة، كجزء من مبادرة الردع الأوروبية، أو داخل التحالف المناهض لتنظيم داعش. وفي الوقت نفسه، لا يمكننا أن ننكر أن الولايات المتحدة اتخذت في الآونة الأخيرة عدداً من القرارات المخيبة للآمال"، مضيفاً "التحديات في شرق وجنوب الحلف تتطلّب تعاوناً ممتازاً داخل الحلف. لذا فإن الطموح الذي يسعى إليه الحلفاء هو إرسال رسالة قوية تعبّر عن الوحدة، إذا سمح بذلك دونالد ترامب".

 

التعاون والمواجهة

وستركّز الجلسة المخصصة للعلاقات بين الاتحاد الأوروبي والحلف على تقييم تقدّم التعاون بينهما، ومسألة مكافحة الإرهاب، وأيضاً الجهود المتوقّعة من قبل الاتحاد الأوروبي لتسهيل تنقّل القوات العسكرية في القارة الأوروبية.

وسيكون على الحلفاء، في جلسة أخرى، التطرّق إلى العلاقات مع روسيا، التي ما زالت متوترة بسبب ملف أوكرانيا وبعد قضية تسميم العميل الروسي السابق سيرغي سكريبال في بريطانيا. ويقول جيهان، في هذا السياق، إنّ "العلاقة بين حلف شمال الأطلسي وروسيا لا تزال في مأزق. حتى في الأشهر الأخيرة، لم تبد روسيا استعدادها للمساهمة بشكل بنّاء في البحث عن حل سياسي للصراع في شرق أوكرانيا. كما استمرت روسيا في الضم غير الشرعي لشبه جزيرة القرم، وتواصل تعزيز قواتها على طول حدود دول الحلف في منطقة القطب الشمالي وفي مناطق بحر البلطيق والبحر الأسود، وهو ما ينذر بتصعيد المواجهة بين الغرب وروسيا". ويشير إلى أنّ الخطاب حول السلاح النووي، ونشر نظم صاروخية في كالينينغراد وعدم وجود شفافية في ما يخصّ التدريبات العسكرية، ومحاولات موسكو التدخّل في الأنشطة الداخلية للدول "لا يزال مقلقاً". لذلك، بحسب جيهان، "يبدو الحلفاء مترددين في تطبيع العلاقة مع روسيا. وبالتالي فيمكن أن يبقى التعاون العسكري والعملي معلقاً". لكن هذا لا يمنع العديد من الدول أيضاً من التأكيد على الحاجة إلى إجراء حوار سياسي منتظم وبناء مع روسيا لتجنّب الحوادث.

 

العراق والأردن وتونس

على الحدود الجنوبية للتحالف، يواصل الحلف "مواجهة عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والتهديدات الإرهابية"، بحسب ما يؤكّد في بياناته. وهو يهدف إلى تعزيز وجوده، للردّ على "هذه التهديدات"، وأيضاً لإعادة التوازن إلى منطقة عازلة لمواجهة روسيا. "يمكن للقمة أن توافق على تقديم دعم لتونس في شكل حزمة بناء القدرات الدفاعية وأن تطلق رسمياً بعثة التدريب الجديدة في العراق"، يقول جيهان، موضحاً "في الواقع نقاش الحلفاء سيخصّص في هذه الجلسة لثلاثة ملفات؛ الأوّل يتعلّق بالإطار الجنوبي الذي يشمل أنشطة في سياق دفاع حلف شمال الأطلسي والردع، ويضم على سبيل المثال رسم خرائط طرق المهربين في البحر الأبيض المتوسط. والثاني يتعلّق بتعزيز الاستقرار وتحقيقه في البلدان الشريكة، وخصوصاً في الجناح الجنوبي، فضلاً عن الحوار السياسي مع هذه الدول. وثالثاً ما يتعلّق بمكافحة الإرهاب".

وينتظر أن تقدّم القمة تقريراً عن التقدّم المحرز في إطار خطة عمل مكافحة الإرهاب، التي اعتمدت في الاجتماع الخاص لحلف شمال الأطلسي في 25 مايو/ أيار 2017، والتي تهدف في المقام الأول إلى تبادل المهارات بين الحلفاء، وكذلك إلى تدريب وتقديم المشورة للبلدان الشريكة. وسيشارك، على هامش القمة، وزراء خارجية كل من العراق وتونس والأردن في عشاء مع وزراء خارجية دول الحلف، مخصّص لمجموعة من الملفات على رأسها مكافحة الإرهاب.

وستكون هذه القمة هي الثامنة والعشرين لحلف الأطلسي، وهي الأولى في المقر الرئيسي الجديد في بروكسل الذي افتتح في مايو من العام الماضي خلال اجتماع سريع لقادة الحلفاء من دون اتخاذ قرارات.

ذات صلة

الصورة
ماركو روبيو خلال تجمّع انتخابي في بنسلفانيا 4 نوفمبر 2024 (Getty)

سياسة

مع اختيار الرئيس الأميركى المنتخب دونالد ترامب، الأربعاء، ماركو روبيو لشغل منصب وزير الخارجية في إدارته المقبلة، تتوجه الأنظار إلى سياسة النائب المحافظ
الصورة
دونالد ترامب ومحمود عباس بالبيت الأبيض في واشنطن 3 مايو 2017 (Getty)

سياسة

أكد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب في اتصال هاتفي مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنه سيعمل على إنهاء الحرب وأبدى استعداده للعمل من أجل السلام
الصورة

سياسة

على الرغم من إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، إلا أنه ما زال يواجه تهماً عديدة في قضايا مختلفة، وذلك في سابقة من نوعها في البلاد.
الصورة
ترامب يلتقي زيلينسكي في نيويورك / 27 سبتمبر 2024 (Getty)

سياسة

تبدو أوروبا اليوم متعايشة مع احتمالية عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، لكنها تنظر للأمر من باب أنه "سيتعين" على القارة العجوز "أن تكون حقاً بمفردها".
المساهمون