قطر وإثيوبيا ونظرية المؤامرة

قطر وإثيوبيا ونظرية المؤامرة

18 ابريل 2017
+ الخط -
باتت أفريقيا موضع اهتمام عالمي أخيراً، فقد قام الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بجولة فيها، قبل نحو عامين، استهلها من مسقط رأس والده في كينيا، قضى فيها أياما قبل أن يتجه إلى إثيوبيا.
كذلك، شهدت أفريقيا، والعاصمة الإثيوبية أديس أبابا خصوصا، زيارات متلاحقة، منها جولة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، منتصف العام الماضي، ثم زيارات مماثلة للعاهل المغربي محمد السادس، أثمرت عن عودة بلاده إلى الاتحاد الأفريقي، بعد غياب استمر ثلاثة عقود.
من هنا، جاءت جولة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أخيرا، التي شملت إثيوبيا وكينيا وجنوب إفريقيا، إلا أنّ محطته الأولى، أديس أبابا، استأثرت باهتمام الإعلام العربي والإقليمي، لما تمثله إثيوبيا من أهمية جيوسياسية، فهي الدولة الثانية أفريقياً، من حيث عدد السكان، بعد نيجيريا، والعاشرة من حيث المساحة. فضلاً عن احتضانها مقرّي رئاسة الاتحاد الإفريقي والإيقاد (منظمة تجمَع دول شرق أفريقيا)، إلى جانب منظمات إقليمية أخرى.
لفتت إثيوبيا أنظار العالم إليها، بعد نجاحها في تحقيق معدلات نمو عالية في فترة وجيزة، بعد أن كانت مُصنّفة ضمن أكثر دول العالم فقراً بسبب الحروب المستمرة التي عانت منها عقودا طويلة، ما أثر بشدّة على بنيتها التحتية، إلا إنّ وصول رئيس الوزراء الأسبق، ميلس زناوي، إلى الحكم في إثيوبيا عام 1995 شكَّل علامة فارقة في تاريخ البلد، إذ يعتبره أثيوبيون كثيرون مُنقذ الشعب من حكم الدكتاتور، منقستو هايلي مريام، ومفجَّر ثورة التغيير والتطوّر، على الرغم من معاناتهم من سياساته المتعلقة بحقوق الإنسان وحرية التعبير.
زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الهضبة الإثيوبية تابعتها القاهرة بقلق وهجوم إعلامي مكثّف، نظراً لأنّ مصر تتخوّف من تأثير سد النهضة على حصتها المائية، ويعتقد مقربون من النظام المصري أنّ زيارة الشيخ تميم أديس أبابا جاءت في إطار "التآمر" على بلادهم، خصوصاً بعد إعلان إثيوبيا إنجاز 57% من منشآت السد، والبداية في تخزين المياه.
ربط إعلام القاهرة بين زيارة أمير قطر إثيوبيا وزيارة الرئيس السوداني، عمر البشير، لها، حيث لم يكن الفارق الزمني بين الزيارتين سوى أيام قليلة. مصدر القلق المصري تمتُع السودان بعلاقات قوية مع جارته إثيوبيا، وكذا مع دولة قطر، مع ملاحظة دعم الرئيس السوداني البشير موقف حكومة أديس أبابا في سد النهضة.
غير أنّ المراقب المُنصف لأحداث المنطقة، يمكنه ملاحظة اتجاه دولة قطر، أخيرا، إلى تنويع مصادر دخلها واستثماراتها الأجنبية، في أنحاءٍ مختلفة من العالم، بهدف تقليل الاعتماد على النفط والغاز في ظل انخفاض أسعارهما، فبعد الصفقات الأخيرة في بريطانيا وقبلها روسيا، تنوي قطر تعزيز الشراكة الاقتصادية مع دول أفريقيا التي تتمتع بموارد ضخمة، إثيوبيا خصوصا.
تتجاوز زيارة الأمير السيناريوهات الساذجة التي رسمتها وسائل الإعلام المصرية، والتي تُفرط في الأخذ بنظرية المؤامرة، فالواضح أنّ قطر تنافس غيرها من الدول، لأجل زيادة استثماراتها في إثيوبيا، حيث بلغت الاستثمارات السعودية نحو 13 مليار دولار، كما أنّ ملف سد النهضة لم يكن موجوداً بالأساس على طاولة مناقشات أمير قطر وهايلي ديسالين. إذ تمّ التوقيع على اتفاقيةٍ لتبادل الإعفاء من تأشيرات الدخول لدبلوماسيي البلدين، بالإضافة إلى 11 اتفاقية تعاون في مجالات اقتصادية، إلى جانب تعهّد قطر بتقديم مساعدات إنسانية إلى ضحايا الجفاف في مختلف أنحاء إثيوبيا، ودعم جهود أديس أبابا الهادفة إلى تطوير التعليم والصحة والبنية التحتية والطاقة.
الوجود الخليجي العربي في إثيوبيا بكل أنواعه (سياحة، استثمار، تجارة)، يمكن أن يؤدي دوراً في كبح جماح إسرائيل ومحاولاتها التمدّد في شرق أفريقيا، إضافة إلى أنّ لإثيوبيا أهمية سياسية كبرى في محيطها الأفريقي، حيث تُشكّل دبلوماسيتها النشطة حضوراً دائماً في أزمات المنطقة، مثل المشكلة الصومالية وأزمة جنوب السودان، فضلاً عن رعاية أديس أبابا جولات التفاوض السودانية بين الحكومة والمعارضة، وفوق هذا وذاك تقترب إثيوبيا من نيل مقعد عضو غير دائم، في مجلس الأمن الدولي يستمر عامين.
71F29908-DD1C-4C71-A77C-041E103F4213
71F29908-DD1C-4C71-A77C-041E103F4213
محمد مصطفى جامع
كاتب سوداني.
محمد مصطفى جامع