يستكمل "العربي الجديد" تقديم سلسلة مقالات (عصير الكرة) عن أفضل وأبرز ما كتب حول أسرار عالم الرياضة ونجومه، وندخل معاً إلى الكتاب الخاص بنجم التنس الإسباني رافائيل نادال.
كان توني (نادال) يحلم بأن يكون بطلاً للتنس. برع في هذه الرياضة منذ صغره، وأصبح أحد أفضل لاعبي التنس في مايوركا، وكذلك خلال فترة كان أفضل لاعب تنس طاولة في الجزيرة. كان يتمتع بلياقة بدنية وعقلية جيدة، ولكن عندما غادر الجزيرة ليصبح محترفاً اكتشف أنه يفتقد للدفعة التي تمكنه من مقارعة الكبار، ليكرس جهوده للتدريب.
في الوقت الذي يبرز فيه المدربون أهمية التحكم في الكرة، كان توني يشدد على أهمية القوة الهجومية للضربات الساحقة، وكانت هذه النصيحة الأولى التي أعطاها لابن أخيه في بداية مشواره مع اللعبة عندما كان في الرابعة من عمره.
الإعداد النفسي
بعد ذلك كرس جهوده لمهمة أصعب، إعداد منافس محصن ذهنياً، وقد بدأ في معاملة ابن أخيه بصورة غير عادلة مقارنة بزملائه، ولكن دون أن يسمح له بالشكوى. كان زملاء نادال يتذكرون أن توني كان يأمر نادال صارخاً عندما كان يتلكأ، كي يجمع الكرات أو يمسح الأرض، والفتى يحني رأسه ويطيع.
وعندما كانا يتدربان بمفردهما كان يطلب من رافا اللعب في نصف الملعب المواجه للشمس، وبعدما يبدآن اللعب بكرات جيدة، في منتصف التمرين يجعله يلعب بكرة قديمة، وعندما كان نادال يشكو فإن توني كان يقول له "قد تكون الكرات من الدرجة الثالثة ولكنك من الدرجة الرابعة".
وفقاً لتوني، فإن قسوته كانت في مصلحة نادال، فهذه اللطمات التي وجهها لمعنوياته، والانضباط التام الذي كان يُطلب من نادال كان له هدف استراتيجي: تدريبه على الصمود، والذي افتقر إليه عمه وحرمه من التخرج من المدرسة الداخلية حيث ترجّى والديه لإخراجه منها، وكذلك من استكمال دراساته الجامعية في مجال الحقوق والتاريخ.
التواضع سر النجاح
ويقول توني "المشكلة الحالية هي أن الأبناء أصبحوا في بؤرة الاهتمام. يستثمر الآباء جهداً كبيراً في تعزيز تقديرهم لأنفسهم لدرجة يشعرون معها أنهم متفردون بطبيعتهم، من دون أن يفعلوا شيئاً. يعيشون مرتبكين لا يفهمون أن الناس ليسوا متفردين بطبيعتهم، وإنما بما يفعلونه".
ويضيف "لا بد من التحلي بالتواضع، وانتهى الأمر. التحلي به ليس محل ثناء. لا أستخدم كلمة متواضع لوصف رافائيل. هو يعرف مكانه في العالم، والجميع ينبغي عليهم معرفة أماكنهم في العالم.. الناس يبالغون أحياناً في موضوع التواضع. إنها ببساطة مسألة معرفة أين نحن، وأن العالم سيظل كما هو ولن يتغيّر من دوننا".
ويوضح "رافائيل كان مطيعاً دائماً، وهذه علامة على الذكاء في الطفل، إذ ينم عن إدراكه أن الكبار يعرفون أكثر منه، وأنه يحترم خبرتهم الأكبر في العالم. أعتقد أن المادة الخام التي كنا نتعامل معها في هذه الحالة كانت على أعلى مستوى، ولكن مهمتي لم تكن تعزيز هذا التوجه. عندما رأيت إمكاناته الكبيرة تساءلت أي نوع من الأشخاص أحب أن أراه عليه في الملعب إلى جانب قدراته كلاعب".
ويتابع "قلت في نفسي إنني أود أن أرى فتى ذا شخصية، ولكن من دون أن يكون متباهياً. لا أحب المتعجرفين وعالم التنس مليء بهم، لذا منعته من إلقاء المضرب على الأرض، وتمسكت دائماً بأن يكون وجهه هادئاً وجاداً أثناء اللعب، من دون غضب، لذا كان من المهم أن يكون دائماً طيباً ومتحلياً بأخلاق الفرسان مع المنافس في حالة الفوز أو الخسارة".
ولكن توني يعترف أنه أحياناً ربما "تمادى في الاتجاه الآخر" في تعامله مع ابن أخيه وفي العمل على التقليل من الإنجازات التي يحققها، فإذا كانت الضربة الأمامية (فورهاند) جيدة خلال المباراة فإن هناك الكثير من العمل الذي ينبغي القيام به لتحسين الضربة الخلفية (باكهاند)، وإذا فاز بمباراة أو بطولة على مستوى الناشئين يقول له "لم تحقق شيئاً نحتاج إلى مزيد من العمل".