قصة حرب لم تنته!

05 يناير 2015
+ الخط -

لم يكن من السهل فراق المكان، أو الخروج من الزمان، أو حتى الانتظار، كان كل شيء قابلا للحدوث. وتلك السيدة المريضة "ضيفتنا" القادمة من مخيمات الموت في سورية تنظر إلينا، ولربما تعود بها الذاكرة القريبة للمخيم المدمر وللجثث الملقاة في الطرقات، وكأن كل الأماكن فتحت على الموت مرة واحدة.
أما تلك الأسرة التي استأجرت الطابق الأول من منزلنا، حزمت أمرها مبكراً، وخرجت تحمل ما خف وزنه، وأسرعت للنجاة من هجمة الموت المحقق.
بيتنا المحاط بحديقة جميلة فيها كل أنواع الزهور والفواكه، فجأةً، وجدناها تحترق. بينما التصقنا جميعا في غرفة واحدة "مهجورة" في الطابق الأرضي في انتظار المجهول، ورائحة الموت تقترب، والانفجارات تعلو فوق كل صوت.
بنبرات متقطعة وبانفعال ملحوظ ومفرط قلت للجميع: "علينا أن نخرج الآن قبل فوات الأوان". على عجلة، جهزنا الكرسي المتحرك لضيفتنا، إذ كان لا بد من الخروج مشياً على الأقدام حتى بلوغ الجهة الأخرى. لدى خروجنا، اكتشفنا أننا متأخرون، حيث أن الأغلبية من الجيران والأهالي خرجوا قبلنا.
كان الوقت عصراً، الدخان يغطي المكان، والقنابل تتناثر حولنا، الصمت والخوف والبكاء، والصراخ أحياناً، لغة مشتركة بيننا جميعا، مشينا تحت القصف والموت مدة لا تقل عن ساعتين، حتى وجدنا أنفسنا بجانب أنقاض بناية مدمرة، ولاحظنا أن شجرات الياسمين التي تتدلى لتغطي أسوار الطريق قطعت وحرقت، وذلك السور العالي لم يعد موجودا، وإنما تناثرت حجارته لتغلق الطريق الرئيسي.
بكت السيدة العجوز، وكأنها تشفق علينا، ونحن نتبادل قيادة كرسيها المتحرك، مدندنة بأغنيات حزينة "تفطر القلب"، وواصلنا المسير تحت وقع حياتنا المهددة. كنا قد شكلنا مع بعض العائلات مجموعة من خمسين شخصاً، بيننا أطفال ونساء ورجال طاعنون في السن.
وصلنا، في نهاية المطاف، إلى إحدى المدارس، وكان الوضع كارثياً، وهناك افترقنا، إذ تم توزيع السيدات في مكان، والرجال في الساحات، وبدأت عملية توزيع المشروبات والأطعمة والأغطية وبعض الملابس، ونقل بعضهم إلى المستشفيات القريبة، واستمر ذلك أسابيع.
حين عدنا إلى بيوتنا، بعد انتهاء الهجمات المدمرة، كانت الكروم وأشجار الحمضيات والمشمش والبيوت قد دمرت كليا، وبدأ تيهنا مرة أخرى، لنتساءل أين سنذهب، وكيف نكمل الحياة.

avata
avata
مازن صافي (سورية)
مازن صافي (سورية)