قد يتصالح "الإخوان"

10 مارس 2015
+ الخط -

لم تخطئ قراءة العنوان، فبالفعل قد تكون المصالحة وشيكة بين جماعة الإخوان والنظام، وربما تدور العجلة، الآن، نحو تلك المصالحة، عقب المؤتمر الاقتصادي المصري الدولي، المزمع عقده الشهر الجاري. وقبل أن تتعجل بالتحامل عليّ أو الاندفاع في الهجوم الاستباقي، لمجرد أنك ترفض مجرد تناول الفكرة أو الالتفات إليها لاستهجانك الشديد لها، أطلب منك أن ترجئ هذا الأمر وأن تتحملني، بعض الوقت، حتى أشرح وجهة نظري، فقد يتغيّر رأيك بعدها.
مبدئياً لم تعد تخفى العروض المتكررة وغير المعلنة، من ناحية النظام، على بعض القيادات المعتقلة في السجون، والتي أفصحت عنها قيادات كثيرة لها وشخصيات مقربة للجماعة، الفترة الماضية، للتصالح المشروط مع الجماعة، والتي قوبلت بالرفض، وليس آخرها ما أفصح عنه الدكتور سعد الكتاتني، وتتمحور في مجملها حول الإفراج عن أفراد وقيادات الإخوان المحبوسين، مع عفو رئاسي عن الأحكام الصادرة بحق أفراد الجماعة، بالإضافة إلى إتاحة عودة الجماعة إلى الاندماج غير الكامل مرة أخرى داخل العملية السياسية، بصيغة معينة، لا تسمح بالعودة إلى ما قبل 30 يونيو، في مقابل أن يتوقف الحراك الداخلي الطلابي والشارعي، وأن يتنازل الإخوان عن مطلبهم بعودة الرئيس محمد مرسي إلى الحكم، مع الاعتراف بالنظام السياسي الحالي والتعامل معه باعتباره واقعاً يبنى عليه، والكف عن توصيف ما حدث عشية 30 يونيو بـ "الانقلاب"، والتوقف عن المحاولات الخارجية المستمرة لإحراج النظام في الدوائر الدولية.
المؤكد أن تلك المحاولات من النظام تأتي في سياق إدراكه أن هذا، وإن حدث، سيسهم مباشرة في العودة بالمسرح السياسي إلى ما قبل 25 يناير والانقلاب على الثورة (والذي يعتبره من أهم مكتسباته)، والدخول إلى المرحلة الجديدة، وهي استعادة نظام المخلوع حسني مبارك، أو على الأدق مفرداته المكونة من نظام عسكري شمولي ومعارضة مستأنسة يكون سقف طموحها البرلمان، مصحوبة بسياسات تكميم الأفواه، خصوصاً أنه (النظام) يعي أن "الإخوان" هم العنصر الفاعل، إن لم يكن الوحيد في الحراك أو المعارضة الحالية له، بعد أن تم ترويض أطياف المعارضة، أو شركاء الثورة، والتي اختفت، تماماً، من الساحة السياسية. أما من ناحية جماعة الإخوان، فإنها تعي جيداً أن هذه نقطة قوتها على هذا النظام، وأنها تعطيها تفوقاً نسبياً، يمنعها من التخلي عنها، وتحجبها عن قبول محاولات الصلح وتسمح لها بزيادة الضغط في الاتجاه المقابل واعتبار المصالحة نوعاً من التنازلات وضرباً من الخيانة لدماء الشهداء الذين سقطوا في رابعة وغيرها.
لكن، يبدو أن العد التنازلي بدأ، وبدأت معه بوادر سيناريو بديل، هدفه إرغام الجماعة أو الدفع بها نحو القبول بما تعتبره تنازلاً أو خيانة. ليس هذا فقط، لكنه، أيضاً، يأتي في سياق المحاولة الحثيثة لعودة نظام مبارك، وهو المستهدف الأساس. وعلى الرغم من أن هذا السيناريو غير معلن، لكنه يفصح عن نفسه بوضوح، في المشهد الحالي، بين الإجراءات الأخيرة التي اتخذها النظام وتشكل في ما بينها تناغماً صامتاً، وأعني التغيير الوزاري، أخيراً، والذي جاء متزامناً مع التصديق على حكم إعدام محمود رمضان (المتهم بأحداث بين السرايات). وقد تتساءل ما هي العلاقة أو التناغم بين تلك الإجراءات التي تبدو متباعدة الصلة، ولا رابط بينها، اللهم إن كان مصدرها واحداً وما علاقتها بقبول الإخوان مبدأ التصالح مع النظام، والإجابة واضحة.
بالنسبة إلى خبر التغيير الوزاري المحدود الذي تم، أخيراً، كان يمكن التعاطي معه بصورة اعتيادية باعتباره مجرد حلقة من سلسلة تخبط النظام السائد، أو أحد القرارات العشوائية لإيهام المواطن بأن هناك ما يجري لحل مشكلاته، لولا أن هذا التغيير جاء مشمولاً بإقالة وزير الداخلية، محمد إبراهيم الذي كان يعد حجراً أساسياً في تثبيت دعائم هذا النظام، ما يوحي بأن التغيير المحدود لم يكن إلا مجرد غطاء لهذه الإقالة فقط. ما يثير الدهشة والريبة معاً من جدوى اتخاذ مثل هذا القرار المفاجئ، وما هو الهدف منه، في هذا التوقيت بالذات، وقبل مؤتمر المانحين مباشرة، في حين أنه كان من الممكن والأفضل ربما تأجيل هذه الخطوة إلى ما بعد انتهاء المؤتمر. وهنا تبرز إجابتان، الأولى هي باعتبار أن هذا الرجل هو المسؤول المباشر عن الانتهاكات والقمع منذ 30 يونيو بحق الإخوان، مثل ضحايا فضّ الاعتصامات وقرارات الاعتقالات، ما ولد ثأراً من الصعب محوه، أو تناسيه، بينه وبين الإخوان. وبالتالي، ستساهم إزاحته عن المشهد السياسي الراهن، بشكل كبير، في تهيئة المناخ وتخطي مرحلة العنف المباشر وإزالة عقبة كبيرة نحو تحقيق مهمة التصالح. وبالتالي، باتت إقالته ضرورية لتيسير إتمامها. والإجابة الأخرى تكمن في ماهية الوزير الجديد اللواء مجدي عبد الغفار، والذي كان رئيساً لجهاز أمن الدولة، والثاني بعد حبيب العادلي الذي يتولى الوزارة من داخل هذا الجهاز. ما يعني أنه يمكنك أن تطلق عليه مجازاً خريج مدرسة حبيب العادلي، وهي مدرسة أمن الدولة، والتي كانت عنوان عصر المخلوع، وتتسم بمزيد من سياسات المواءمة والتفاهمات مع المعارضة، في مقابل المدرسة الأخرى التي يمثلها محمد إبراهيم، وعنوانها القمع المبالغ وفضّ التظاهرات، والتي اتسمت بها المرحلة المنصرمة، وهي فترة وزارته. وبالتالي، إن تعيين الوزير الجديد يصدح بصراحة عن رغبة شديدة لهذا النظام في استعادة مفردات نظام المخلوع، وهو ما لن يتم من دون التوصل إلى تفاهم مقبول مع "الإخوان" للتخفيف من حدة المشهد الحالي.
وبالتوازي مع خبر التصديق على حكم إعدام محمود رمضان الذي من الواضح أن النظام مصرّ وماضٍ في تنفيذه، ولن يستجيب للدعوات الحقوقية المطالبة بوقف تنفيذه، فيكتسب الخبر أهميته من أنه يعتبر هذا هو أول تنفيذ لحكم قضائي بإعدام معارض منذ بداية الانقلاب. مع ربطه بتلويحات إعلاميين محسوبين على النظام ومتصلين بالدوائر الأمنية، بأن إعدامات قيادات الإخوان ستبدأ بعد انتهاء المؤتمر الاقتصادي المقبل، فالمتوقع أن لا يكون هذا هو حكم الإعدام الأخير بحق المعارضين.
ويمكن قراءة تنفيذ هذا الحكم مصحوباً بتلك التلويحات على أنه رسالة شديدة اللهجة من النظام موجهة إلى الإخوان، تحمل تهديداً مباشراً، مفاده إما رضوخ الجماعة أو إعدام قياداتها في سلسلة تصاعدية من الإعدامات، قد تبدأ من القواعد حتى تصل إلى قيادات الجماعة، وقد تطال المرشد العام والرئيس المصري محمد مرسي.
وبما أن جميع قيادات الصف الأول والثاني يستحوذ عليها النظام في المعتقلات، وكل منهم حاصل على جملة من الأحكام بالإعدام، وتعي الجماعة جيداً من تجربتها مع هذا النظام أنه لن يتورع عن تنفيذ تهديده، هنا، يكون النظام قد حاصر "الإخوان" في خانة الـ "يك".
أمام الإخوان خياران، قبول المصالحة بشروط النظام، أو التضحية بالقيادات، وهو ما لن تقبل به الجماعة، حرصاً منها على بقاء التنظيم واستمراريته، ما سيرغمها، حتى إن حاولت الصمود في البداية، على قبول المصالحة في محاولة منها للحفاظ على الوضع الراهن ولمنع مزيد من الاندثار.
ومن المهم توطين أنفسنا والاستعداد لتلقي بعض الأمور، بعيداً عن الاستهجان.

 

avata
avata
بسام الفرماوي (مصر)
بسام الفرماوي (مصر)