في العلاقة الكردية العربية

10 يناير 2019
+ الخط -
ما بين النفي والتأكيد عن معركة في شرق الفرات يتأهب لها الجيش التركي والجيش السوري الحر، يأتي قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، المفاجئ في 21 ديسمبر/ كانون الأول، سحب القوات الأميركية من منطقة شرق الفرات، والذي أدى إلى منعطف جديد في السياسيات الخارجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط الجديد، خصوصاً بعد موجة الاستقالات لكبار مستشاري ترامب، وهي استقالات بدأت بوزير الدفاع الجنرال، جيمس ماتيس، والمبعوث الخاص للتحالف الدولي ضد داعش، بريت ماكغورك، رفضا لقرار الانسحاب، وتباينت المواقف الإقليمية والدولية بين مؤيد ومعارض للقرار، فالبيت الأبيض قال: "إن قرار الانسحاب جاء على خلفية اتصال هاتفي بين الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ما دفع أردوغان لتأجيل عملية شرق الفرات، فيما شككت أطراف عديدة، أن قرار الانسحاب الذي اتخذه الرئيس ترامب هو محض أسلوب سياسي جديد في التعامل مع الشرق السوري، وقد يكون إعادة تموضع جديد للقوات الأميركية عبر ذراعها "قوات سوريا الديمقراطية" التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردي الجزء الأكبر منها، حيث قالت في بيان إن القرار الأميركي يعد طعنة في الظهر، بينما أكد رئيس مجلس قوات سوريا الديمقراطية، رياض درار، في لقاء تلفزيوني، ردا على سؤال، أنه لن تقوم قوات سوريا الديمقراطية بتسليم مناطقها للنظام السوري.
كما أصدرت وحدات حماية الشعب الكردي بعد أيام بياناً، دعت فيه ما سمته الدولة السورية التي ينتمون إليها من أجل استلام النقاط وحماية منبج من التهديدات التركية. في حينها قام رياض درار بنشر هذا البيان عبر صفحته على فيسبوك، وهذا ما يناقض تصريحاته على تلفزيون سوريا ضمن برنامج الصالون السياسي قبل أيام.
يؤكد البيان الذي أصدرته وحدات حماية الشعب الكردي طبيعة وقوة العلاقة بينها والنظام السوري، فالأولى لم تقم بأية محاولة للاتصال مع المعارضة السورية وقوى الثورة من أجل إجراء مراجعة للعلاقة بين الطرفين، بينما فضلت التواصل مع النظام السوري.
زخم المعيطات الراهنة أعادت للأذهان الحديث عن العلاقة ما بين العرب والأكراد ضمن سورية، لا سيما أن بعض الجهات والأطراف تحاول تحريك المياه الراكدة لإشعال فتيل حرب كوردية عربية في منطقة مكتظة بمكونات سورية بين كورد وعرب وآشوريين وتركمانيين. وما يعزّز هذا الطرح تحرّك محور عربي لتبني دعم قوات قسد بعد تخلي ترامب عنهم، وهذه الأطراف تحاول توظيف الخلافات التركية الكردية لخلط الأوراق وبعثرة المنطقة واستهداف الأمن القومي التركي.
يبقى الأكراد جزءا أصيلا من شعب سورية الذي عانى ظلم النظام السوري خلال حكم حافظ الأسد وابنه الوريث. لقد عرفت الأخوة الكرد عن قرب من خلال وجودي ثلاث سنوات في محافظة الحسكة مدينة رأس العين والدرباسية، ولم أجد بينهم إلا الكلمة الطيبة والترحاب وكانوا أصدقاءً وأهلا، وإن وجد خلاف ذلك، فهذا موجود في كل زمان ومكان وفي كل المجتمعات.
إن الأخوة الأكراد هم أول من انتفض في وجه نظام حرمهم 60 عاماً من التجنيس ولم يعتبرهم سوريين؟! وفي عام 2004 اعتصموا أمام برلمان النظام للمطالبة بحقوقهم فلبّى صيحاتهم بالقسوة والعنف، في الوقت الذي وقف الكثيرون ضد مطالبهم، مصدقين ادّعاءات النظام أنهم يريدون الانفصال عن سورية.
وعندما انطلقت ثورة الكرامة في مارس/ آذار عام 2011، وقف الأخوة الأكراد شعبا واحدا إلى جانب إخوانهم من الشعب السوري، المنتفض لأجل حريته وكرامته، فكانت كلمات شهيد الثورة البار، مشعل تمو، وهو يتحدث عن سورية الحرة لكل السوريين شمعة تضيء لنا طريق الحرية، لهذا اغتالته يد الحقد والإجرام لتغيّب صوت الثورة الحر، كما اغتالت العقيد أبو فرات، واغتالت المقدم ياسر العبود، واغتالت العديد من السوريين الأحرار الذين يرون سورية لوحة فسيفساء يتغنّى بها جيلها الحاضر والمستقبل.
الغرابة أكثر أن نتحدث عن اجتماعات بين الأكراد والنظام! فقط نود التذكير باتفاق أستانا والهدن هنا وهناك وإيقاف المعارك فجأة، ألم يصل ثوارنا لمداخل ساحة العباسيين يوما؟ ألم تحاصر حلب الغربية من الثوار السوريين؟ ألم تكن 75% تحت سيطرة قوى الثورة والمعارضة السورية؟ ألم يحصل كل هذا التراجع أمام النظام السوري؛ نتيجة تخلّي ما يسمّى حلفاء وأصدقاء الشعب السوري، وقطع الدعم عن فصائل المعارضة السورية والهدن التي وقعتها المعارضة مع النظام؟
جميعا كنا محرقة ووقود سورية الدولة وسورية الشعب، بعيدا عن العصابة الأسدية البعثية التي تحتل الدولة وتقتل الشعب. كنا جميعاً محرقة ووقودا لمصالح إقليمية ودولية تضرب بنا.
ليتنا نعرف أن شرق الفرات البالغ مساحته 185 كم مربع هو جزء من سورية التي نتطلع إليها، بأن يرحل عنها نظام جلس على صدورنا عقوداً، وأن نشارك جميعاً في إصلاح وإعمار ما دمره هذا النظام، وأهمه العقد الاجتماعي بين إخوة الوطن الواحد.
هناك فرصة وأمل بأن تبقى السيوف في أغمادها، وأن يصيبها الصدأ، وأن ترتفع الكلمة فوق البارود والعقل والحكمة على صوت المدفع، وأن سورية أكبر من الجميع نظاماً ومعارضة وكرداً، وأن مؤتمراً وطنياً جامعاً، يمكن أن يلملم الشتات وينثر بدل البارود الحب والسلام، عنوانه سوريا لكل السوريين، وأن نضع نصب أعيننا، أنه وحده النظام السوري يتحمل مسؤولية ما جرى ويجري وسيجري.
97EBA731-F29F-42E8-A047-D8832E7FEB7E
97EBA731-F29F-42E8-A047-D8832E7FEB7E
عبد الكريم العمر (سورية)
عبد الكريم العمر (سورية)