فلسطينيو سورية... أين المفرّ؟

29 مايو 2014
+ الخط -
 
ماهر حسن شاويش (فلسطين)
انضمّ لبنان، رسمياً، إلى نادي التضييق على فلسطينيي سورية، وفرضِ حصار خانق عليهم، بقراره منع دخول اللاجئ الفلسطيني السوري الهارب من الموت في سورية إلى أراضيه، في قرار تعسفي أصدرته وزارة الداخلية اللبنانية، يقضي بمنع دخول اللاجئ الفلسطيني السوري إلى لبنان. وأوعزت الوزارة، أيضاً، إلى السلطات السورية المعنية بوقف إعطاء أصحاب الهوية الفلسطينية السورية تصاريح السفر إلى لبنان. وشددت على ضرورة طلب موافقة مسبقة من الأمن العام اللبناني، قبل منح التصريح لفلسطينيي سورية، وأوضحت أن دخول فلسطينيي سورية إلى لبنان محصور بأصحاب الحالات الخاصة، ويقرر الدخول موظفو الحدود عند منطقة المصنع الحدودية.
وذكرت "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية"، في تقرير لها، أنّ شعبة فلسطين للهجرة والجوازات التابعة لوزارة الداخلية السورية، في منطقة عين كرش بدمشق، أوقفت منح اللاجئين الفلسطينيين السوريين تصاريح سفر إلى لبنان، وطالبت بموافقة مسبقة من الأمن العام اللبناني، قبل منح التصاريح، وحصرت خروجهم إلى لبنان بمعبر المصنع الحدودي وبجواز سفر.
جاء القرار على خلفية إيقاف المديرية العامة للأمن العام اللبناني فجر الثالث من مايو/أيار الجاري، في مطار رفيق الحريري الدولي، 49 شخصاً من اللاجئين السوريين والفلسطينيين، في أثناء محاولتهم مغادرة لبنان، بموجب سمة سفر "مزورة" إلى إحدى الدول العربية، ما أثار لغطاً وجدلاً واسعاً بشأن الموضوع، ولا سيما بعد أن رحّلتهم المديرية إلى سورية، من دون عرضهم على القضاء اللبناني لمحاكمتهم، أو حتى مساءلتهم، وذلك في يوم عطلة أسبوعية رسمية.
بين قانونية الموضوع وأخلاقيته، جرت التضحية بمصير هؤلاء الأشخاص على عجل وبسرعة، شغلت الرأي العام، مستحضرة الجانبين، السياسي والإنساني، فضلاً عن الأخلاقي والقانوني في حالة من الدهشة والاستغراب.
وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش قد نددت، في وقت سابق، برفض السلطات اللبنانية السماح لمعظم الفلسطينيين الهاربين من سورية بدخول لبنان. وقالت إن "منع طالبي اللجوء من دخول البلاد انتهاك لالتزامات لبنان الدولية"، وإن "أُسراً بالكامل، أطفالاً ومسنين ومرضى" عالقون على الحدود.
وطالبت المنظمة الحكومة اللبنانية "بسرعة إلغاء قرارها بمنع دخول الفلسطينيين القادمين من سورية"، مضيفة أن "لبنان يرفض دخول هؤلاء، من دون مراعاة للمخاطر التي تتهددهم".
وذكّرت المنظمة بأنّ لبنان ملزم، بموجب القانون الدولي، باحترام مبدأ عدم ترحيل الأشخاص إلى بلدهم، إذا كانت حياتهم، أو حريتهم، مهددة فيه. وقد كفل لهم القانون الدولي الإنساني والإعلان العالمي لحقوق الإنسان حق العيش بأمان، حيث كانوا، والحصول على مورد رزق يكفل لهم العيش الكريم، في أية دولة يلجأون إليها، هرباً من ظروف الحروب والأزمات في المنطقة.
وفي إطلالة على فضائية الجزيرة، وتعقيباً على الموضوع، قال مدير المؤسسة اللبنانية للديموقراطية وحقوق الإنسان، المحامي اللبناني نبيل الحلبي، إنّ "الأمر كان مفاجأة، حيث جرى الترحيل بعد ساعات من إيقافهم، وبعد انتهاء الدوام الرسمي، وفي يوم عطلة رسمية، ولم يمثلوا أمام القضاء، أو حتى حُقِّق معهم". وأضاف "هناك إجراءات قانونية إلزامية يجب على الجانب اللبناني القيام بها، يحددها القضاء المختص، في حين أن ما حصل هو أن حافلة للأمن العام اللبناني أقلتهم إلى المنطقة المحايدة السورية اللبنانية، ولم يُسلَّموا إلى السلطات السورية، ولم يصدر أي قرار قضائي بشأنهم عن النيابة العامة التمييزية، أو القضاء، علماً بأنهم دخلوا لبنان بطريقة نظامية".
وأشار إلى أنه "حتى لو ثبت تزويرهم للسمات، فإن الحكم القضائي الذي يناسب حالة كهذه هو السجن لمدة شهرين أو ثلاثة على الأكثر، ثم إخلاء سبيلهم".
وأكد الحلبي أنّ "القوانين اللبنانية الداخلية لم تحترم الاتفاقية الدولية المناهضة للتعذيب التي لا تجيز الإبعاد، أو الترحيل، لمن يخشى عليهم، وهي أقوى من القوانين المحلية وأقوى من الاتفاقات الثنائية، لا بل هي تعطل هذه القوانين والاتفاقات".
بقي القول إنّ الطمأنات التي قدمتها الفصائل الفلسطينية، والتي تضمنت، صراحةً، ما مفاده أنّ استقرار هؤلاء اللاجئين سيكون لفترة محدودة ولن يطول، وأنهم بمجرد انتهاء الحرب الدائرة في سورية سيعودون إلى مخيماتهم هناك. وهي، في نهاية الأمر، مرحلة مؤقتة، مهما طال أمدها، وسيعودون بعدها إلى سورية أو فلسطين، حيث قراهم وبلداتهم الأصلية.
طبعاً، الأمر يتطلب حراكاً أوسع وأشمل من مجرد الطمأنات، لا سيما أن غبار الأزمة لم ينجلِ بعد، ويقتضي إجراءات عاجلة وملحّة، تقع على عاتق السفارة الفلسطينية في لبنان، وكذلك الفصائل الفلسطينية، لاستبيان حقيقة ما حصل بوضوح وشفافية، وعرضه على الرأي العام الفلسطيني، علماً بأنّ هناك ثلاثة شبان من الذين رُحِّلوا لا يزالون يقبعون على الحدود في المنطقة المحايدة، وأمامهم مصير مجهول!
ولا شك في أنّ الأمر يزداد سوءاً مع رفض معظم الدول العربية، سواء التي تتقاسم أو التي لا تتقاسم حدوداً برية مع سورية استقبالهم، ليبقى اللاجئون الفلسطينيون الضحية الأولى والأخيرة للقرار، ويبقى السؤال الماثل أمام عيونهم: أين المفرّ؟

 
ماهر حسن شاويش
ماهر حسن شاويش
ماهر حسن شاويش
كاتب صحفي مقيم في هولندا، يرى أن "الحرية حق والحقيقة أولاً".
ماهر حسن شاويش