فضائح "اليمين الفرنسي": استقالة الرئيس وتشكيل قيادة جماعية مؤقتة

28 مايو 2014
كوبي المستقيل أثناء دعاية للانتخابات الأوروبية (باتريك كوفريك/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

 

دماء كثيرة في "البيت اليميني الفرنسي"، وكل الضربات صالحة ومشروعة في هذا الصراع القاتل بين الأشقّاء. وهذا يكشف عن أن "المؤسسات السياسية الفرنسية مريضة"، خصوصاً بعد انهيار الحزب "الاشتراكي"، الذي تتفاعل هزيمته داخلياً من خلال استعداد "المتمردين" فيه لتقديم خطة اقتصادية بديلة، وانفجار "الاتحاد من أجل حركة شعبية" وصعود "الجبهة الوطنية" الصاروخي.

وقد تمخض اللقاء العاصف لـ"التجمع"، اليوم الثلاثاء، عن استقالة الرئيس، جان فرانسوا كوبي، وإنشاء قيادة جماعية للحزب في انتظار مؤتمر عام في الخريف المقبل، مباشرة بعد انتخابات مجلس الشيوخ.

وقد انعقد اللقاء "وسط اعترافات واتهامات وغسيل قذر"، منح المساعد الأيمن لكوبي، جيروم لافريو، مصداقية كبرى باعترافه بالمسؤولية عن "فواتير وحسابات مغلوطة"، أصبحت الآن في عُهدة القضاء، الذي باشر عمله، اليوم الثلاثاء. وبرّأ لافيو ساحَةَ كوبي، وساركوزي، لكن إلى متى؟ وهو قد أكد أنه لم يكن وحيداً في المَرْكب.

والسؤال الحقيقي، الذي يشغل الغيورين على الحزب، هو هل سيُصدّق المواطنون أو مناضلو الحزب فرضية ألاّ يكون ساركوزي، وكوبي، على عِلْم؟

يجري كل هذا أمام أنظار حزب "الجبهة الوطني"، العنصري، الذي يجد سهولة كبيرة في تسويق نظريته القائلة بأن "كل الأحزاب السياسية التقليدية في فرنسا فاسدة"، وهو ما يَعِدُ حزب مارين لوبين، بانتصارات انتخابية كبيرة مقبلة.

لم ينتظر "التجمع"، أكبر حزب سياسي فرنسي، كما يحلو له أن يقدم نفسه (على الرغم من أن ربع الأعضاء فقط جددوا بطاقاتهم السنوية)، مرور الوقت لاستخلاص الدروس والعِبَر من هزيمته السياسية على يد الحزب اليميني المتطرف (الجبهة الوطنية)، حتى انفجرت الصراعات بين أقطابه وظهرت الفضائح المالية التي تطال قادة كباراً ومؤسسين للحزب. وتحمل هذه الفضيحة الكبرى اسم "شركة بيغماليون"، التي ضخّمت من الفواتير والحسابات المالية مقابل الخدمات التي كانت تقدمها لحزب ساركوزي. وقد انفجرت اتهامات محامي الشركة، التي تطالها الشبهات وأيضاً اعترافات أحد أقرب المقربين من كوبي، والمدير المساعد السابق لحملة ساركوزي الانتخابية. وهذا ما جعل لقاء الثلاثاء، فرصة لمعظم المتدخلين للمطالبة برأس رئيس الحزب والمقربين منه. 

وبالفعل وأمام حجم الاتهامات، التي طالَت المقرّبين من كوبي، وتدخُّل القضاء لحسم المسألة، وعلى الرغم من إلحاح كوبي، على براءته وعلى "جهله" الأمر، وعلى الرغم من تبرئة المسؤول الرئيسي عن الفضيحة لساحة كوبي، وساركوزي، فإنّ هذا الجوّ الموبوء الذي زادته الهزيمة الانتخابية سوءاً، وتصميم الخصوم على تصفية الحسابات القديمة، بالتهديد بالانسحاب من القيادة، وحتى من الحزب، قرَر كوبي، الذي لا يزال يقول إنه "خُدِع"  وإنه  "سيلجأ إلى القضاء"، التخلي عن رئاسة الحزب في 15 يونيو/حزيران المقبل، مُفسحاً المجال لقيادة جماعية من قبل ثلاث رؤساء حكومة سابقين (آلان جوبيه وجان بيار رافاران وفرانسوا فيون)، في انتظار مؤتمر الحزب في الخريف المقبل، بعد انتخابات أيلول/سبتمبر 2014 لتجديد مجلس الشيوخ .

ولكن هذا الاتفاق لا يحل المشكلة. إنه حل يهدئ الأمر في انتظار شحذ السيوف في استحقاق مقبل.  

ما الذي دفع الأمور إلى هذه الحالة المثيرة للرثاء؟

يُصرّ كوبي على تأكيد عدم معرفته بهذه الفضيحة، أي ما يتعلق بالأثمان الباهظة، التي كانت تطلبها "شركة بيغماليون" مقابل خدماتها للحزب، والتي كانت تُدار من قبل اثنين من مقرّبيه. ولم يجد ما يقوله سوى انه كان يثق بهؤلاء المساعدين، ولم يكن لديه أي ميل لمراقبتهم. وهو ما سيدفعه، على الأرجح، إلى تقديم شكوى قضائية ضد مجهول، لأنه خُدِعَ ولم تُحتَرم الثقة التي كان يضعها فيهم.    

ولكن الأمور ليست واضحة تماماً، فقد أكد محامي "شركة بيغماليون"، باتريك ميزونوف، بحزم، أنه تم تقديم "الفواتير المغلوطة" بناءً على طلب من الحزب، وذلك من أجل إخفاء حسابات حملة ساركوزي الانتخابية عام 2012، وأن "التجمع" هو الذي اتخذ قرار وضعِ فواتِيرَ ليست من صلاحياته.
ويذهب المحامي بعيداً، ويعترف أنه تم إخفاء المستفيد من هذا الأداء، وأن ما كان يُقدَّمُ على أنه معاهدات مع الحزب، كان في الحقيقة من مجريات الحملة الانتخابية. ويقول المحامي إنه "يتم الحديث عنها (قضية بيغماليون) وأنا أعتقد أنها قضيةُ الحسابات المالية لحملة المرشح نيكولا ساركوزي".
ويغرس المحامي الخنجر عميقاً، ويضيف أن "بيغماليون كانت ضحية لابتزاز اقتصادي من قبل حزب التجمع من أجل حركة شعبية، حتى تشارك في نظام الفواتير المغلوطة". 
هذه التصريحات لم تَرُقْ للمسؤول المالي السابق عن حملة ساركوزي، فيليب براد، فعبّر عن ذهوله من اتهامات المحامي، وأكّد أنه "لم يُطلبْ أبداً اقتطاع المصاريف من حساب الحزب".

وقد قامت الشرطة الفرنسية، الثلاثاء، بتحريات في مقر الحزب ومقرات شركة بيغماليون وفي مقرّات حزب كوبي الصغير (جيل فرنسا)، وعُيونُ الشرطة مركزة على "الجمعية الوطنية من أجل الديمقراطية المحلية"، وهو مركز تأهيل لنواب الحزب، تترأسه السيدة ميشيل تابارو، المقربة جداً من كوبي.   

وإذا كانت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية سبّاقة في فضح هذه "الفواتير المغلوطة"، والتي كان كوبي يعلق عليها بأنها "أكاذيب" تستهدف إضعافَ الحزب في الاستحقاق الانتخابي، فقد جاء الاعتراف، الذي لا يَقبل الشك، من قبل المسؤول المباشر عن العملية كلها، وهو لافريو، الذي يدير حالياً ديوان كوبي، الحالي، بأن تجمعات ساركوزي الانتخابية، كان يتحمل نفقاتِهَا الحزبُ من دون مسوّغ قانوني. ويمنح لافريو كل المصداقية لاتهامات الصحافة، التي كتبت أن "نفقات حملة ساركوزي، تجاوزت السقف الذي يسمح به القانون بـ 11 مليون يورو". وعبّر لافريو عن قراره تحمّل المسؤولية، ولكنه برّأ كلاً من كوبي، وساركوزي، زاعماً أنه لم يتطرق أمامهما، أبداً، إلى هذا الموضوع. وهذه المسؤولية أو غيابها هو ما سيُظهره القضاء الفرنسي، الذي استلم الأمر وباشَرَهُ دونما تأخير.