فشل الثورة يقود المصريين إلى "العباسية"

13 فبراير 2014
+ الخط -

 القاهرة :الجديد

 

"إن الحالة النفسية للمواطن المصري الآن بعد 25 يناير/كانون الثاني تكاد تكون خالية تماماً من أى أمراض نفسية"، "الثورة الحالية هدفها تحقيق العدالة والكرامة والعزة، ولذلك نسي المصريون أمراضهم... وتولد لديهم أمل أعاد الأخلاق لهم، ورفع حالتهم المزاجية بشكل كبير". كانت هذه تصريحات د. أحمد عكاشة رئيس الجمعية المصرية للطب النفسي عن الحالة النفسية للمصريين في أعقاب ثورة يناير/ كانون الثاني 2011.

غير أن دوام الحال من المحال، فالثورة التي جاءت بالأمل للمصريين آلت في أيامها الحالية إلى إعادة إنتاج ما ثار المصريون عليه بصورة أشد قسوة وأكثر سوءاً مما كانت عليه الأوضاع قبلها، وبعد نحو 3 أعوام من اشتعال الثورة المصرية، وفي ظل تدهور الأوضاع وحالة الصراع والانقسام التي شهدها المجتمع المصري وصولاً إلى استيلاء الجيش على السلطة في البلاد، توارت البسمة عن وجوه المصريين وأصبح الحزن والاكتئاب والخوف من المجهول هي السمات المشتركة بين أغلب المصريين، وتفشت العديد من الأمراض النفسية والاجتماعية.

كان العديد من الدراسات قد أشار إلى زيادة مضطردة في نسب إصابة المصريين بالأمراض النفسية، بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد، وكشف تقرير للأمانة العامة للصحة النفسية التابعة لوزارة الصحة المصرية زيادة المترددين على مستشفيات الأمانة خلال السنوات الثلاث الأخيرة بنسب تتجاوز 15 % سنوياً، فعدد المرضى الذين تم تسجيلهم في مستشفيات الأمانة خلال عام 2012 سجل زيادة عن عددهم في عام 2010 قدرها 42,596 مريض.

 وأوضحت دراسة جامعية أن 61% من المصريين يعانون اضطرابات نفسية من أحداث العنف التالية للثورة، وأن 59.7% مصابون بما يسمى "كرب ما بعد الصدمة".

"المجتمع المصري يمر بحالة نفسية عصبية غير عادية" هكذا لخص الدكتور أحمد فخري - استشاري علم النفس في جامعة عين شمس - الحالة العصبية والنفسية التى يعيشها الشعب المصري منذ 3 سنوات وحتى الآن.

وقال إن هناك حالة عامة من الكدر أو الحزن أو الهم أصابت المجتمع بسبب الظروف السياسية التىى يمر بها البلد وحالة الغموض والمجهولية التى بدأت من 3 سنوات، ويقول إن هذه الحالة تجعل الإنسان يشعر بالقلق والخوف والنظرة التشاؤمية ويصبح أداؤه منخفضاً على المستوى الذهنى أو أداء الأعمال.

السيكوسوماتيك
 والاضطرابات التى اكتشف عالم النفس انتشارها بعد "ثورة يناير" هي الاضطربات النفس جسمانية "سيكوسوماتيك" وهي عبارة عن صراخ الجسد، أي أن الإنسان عندما لا يستطيع التعبير عن آلامه وأحزانه الداخلية يصبح جسده هو المعبّر عن تلك الآلام، فنجد على سبيل المثال أعراضاً مثل سرعة نبضات القلب وارتفاع ضغط الدم واضطراب الجهاز الهضمى والشكاوى الجلدية، فنجد الكثيرين يترددون على عيادات الأطباء ويحتار الأطباء فى علاج مثل هذه الحالات لأن أغلبها يكون ناشئاً عن الحالة النفسية التى يمر بها الفرد بسبب الخبرة الانفعالية أو الوجدانية السلبية للحالة، ونجد الشريحة الاكثر تعرضاً: المرأة وفئة الأطفال.

وسائل الإعلام
أرجع الدكتور "فخري" ازدياد الحالة النفسية سوءاً أيضاً إلى انعكاس دخول وانتشار متابعة وسائل الإعلام خاصة برامج "التوك شو" والتى تبعث على الانشغال الدائم بفكرة الشدة أو الاضطراب أو المجهولية، وخاصة أن هذه البرامج حرصت فى الثلاث سنوات الأخيرة على تصوير الأمور دائماً على أنها غير مستقرة، وهذا كله ينعكس على الحالة النفسية للشخص.

أما الدكتورة سناء سليمان أستاذة علم النفس التربوي بجامعة عين شمس، فأوضحت لـ"الجديد": أن الظروف التي يمر بها البلد سياسية واقتصادية، وعدم الاستقرار وحالات البلطجة ومظاهر الإرهاب والترويع الغريبة على ثقافتنا كفيلة بإشاعة الخوف والقلق والتوتر".

وقالت إن الاكتئاب يعدّ من أكثر الأمراض النفسية المنتشرة في المجتمع المصري خاصة لدى الشباب، بسبب فقدان الكثير لأعمالهم نتيجة حالة عدم الاستقرار الاقتصادي وتعرض الكثير من المصانع والشركات للإفلاس، بسبب عدم استقرار الأوضاع السياسية"، وأشارت إلى انتشار حالات من الحزن والأسى لدى كثير من الأسر المصرية، خاصة المصابين أو الذين تعرضوا للإعاقة والأسر التى استشهد أبناؤها منذ بداية أحداث الثورة وحتى الآن، واعتبرت ذلك همّاً مضافاً على الشباب والأسر في ظل اكتواء الجميع بنار الأزمة الاقتصادية".

الحالة الاقتصادية
"قديما كنا نقول تكاليف الزواج ترهق الشباب، الآن الشباب مش لاقيين يتجوزوا" هكذا وصفت أستاذة علم النفس الاجتماعي مدى الفاقة التى تمس الشباب، وأشارت إلى أن هذا الأمر يُشعر الشباب بالضياع وعدم وجود سند، إضافة إلى ازدياد حالات الفقر وتدهور الحالة الاقتصادية.


وأرجعت الدكتورة سليمان انتشار أمثال هذه الأمراض النفسية أيضاً إلى تردّي الحالة الأمنية التي تمر بها البلاد، فانتشار حالات الخطف التي تطال الجميع من أطفال ورجال أعمال وحتى سيدات مسنّات، يُشعر الجميع بالخوف وعدم الأمان. وأشارت إلى أن زميلتها دكتورة تجاوزت السبعين من عمرها اخُتطفت مؤخراً لا لشيء سوى مركزها الاجتماعي، وتم دفع فدية لتحريرها، ومازالت السيدة تشعر بالرعب، وتغير طريق ذهابها للعمل كل يوم فلم تستطع تجاوز الأمر.

ونوّهت أستاذة علم النفس التربوي إلى انتشار ظاهرة البلطجة وقالت إنها "مرض نفسي ومجتمعي في الوقت نفسه، وهي من أكثر أسباب إصابة المجتمع بالخوف، فهي منتشرة على الطرقات وخاصة في المحافظات والأماكن التى لا تتواجد فيها الدولة بشكل قوي".

في النهاية قالت الدكتورة سليمان: "إنه بزوال أسباب المرض يزول العرَض، فالأمراض النفسية هي عرض لمشكلات اقتصادية واجتماعية حقيقية" وأضافت: "لو توفر لنا الأمن وفرص عمل جيدة للشباب ومرتبات معقولة، وتم تطبيق القانون بشكل جيد، وإقامة المحاكمات العادلة والقصاص، لزال كثير من أسباب الأمراض النفسية المنتشرة في المجتمع في السنوات الأخيرة".

من جانبه، أكد الدكتور الحسينى عبد المنعم أستاذ علم النفس في جامعة القاهرة لـ"الجديد" أن الأزمة السياسية التى تعيشها البلاد الآن أبرز أسباب الاضطرابات النفسية التى يعانيها المجتمع المصري.

 

 

المساهمون