فرنسا على مشارف تغيير استراتيجيتها في سورية؟

فرنسا على مشارف تغيير استراتيجيتها في سورية؟

29 يناير 2015
سبقت واشنطن باريس في الإشارات (ياسر الزيات/فرانس برس)
+ الخط -
هل بدأت الدول الغربية، وعلى رأسها فرنسا، تغيير استراتيجيتها نحو دمشق؟ وما هي الأسباب الحقيقية، التي تقف وراء الإشارات التي أطلقتها باريس في هذا الاتجاه، منذ أيام قليلة؟ فقد فرضت تصريحات وزير الخارجية لوران فابيوس، حول "احتمال التحاور مع كوادر النظام في سورية"، نفسها بالتزامن مع إشارات مماثلة أُطلقت من واشنطن، وعدد من العواصم الغربية.

ولا يخفي مسؤول فرنسي رفيع المستوى، رفض الكشف عن هويته، في حديث إلى "العربي الجديد"، أن "الأزمة المدمرة في سورية، والتي دخلت عامها الخامس، والقتل المتزايد الذي تجاوز مائتي ألف شخص، وأيضاً وجود الملايين من النازحين، فإن الكوارث مستمرة، وعلى حالها، والنظام لا يزال قائماً"، مشيراً إلى أنه "لا بد من الوقوف عند هذه الوقائع والتطلع إليها". ويضيف بأنه "لا يمكن للغرب أن يواصل السياسة التي انتهجها، من قبل، لأنها أثبتت فشلها، ويجب التحرك قبل فوات الأوان، وقبل القضاء على سورية بشكل نهائي".

وكان فابيوس، قد دعا منذ أيام قليلة، إلى "ضرورة إيجاد حلّ سياسي يشمل جميع الأطراف، من معارضة معتدلة، وأشخاص من النظام". وقال إن "هناك عدداً من الدول التي تسعى للوصول إلى حل سياسي، كمصر، والأمم المتحدة، وروسيا (حتى لو أن المعارضة غير ممثلة في اجتماعات موسكو)". ويُظهر هذا التحرك السياسي، أن على العالم اعتماد سياسة أخرى تجاه سورية، بعد أن تبين فشل الاستراتيجية الغربية السابقة، بنظر المسؤولين الفرنسيين.

كما يؤكد المسؤول، أن "فكرة انهيار النظام التي نسمعها منذ سنوات لم تعد قائمة اليوم، ولا شك في أن هناك عناصر للفشل الكبير ومنها المعارضة، عبر خلافاتها من جهة، وعدم فرض نفسها وأدائها، إلى جانب عناصر أخرى دفعت إلى تغيير فرنسا لسياستها".

كما أن باريس لا تتوقع صدور نتائج جيدة من لقاءات موسكو، على الرغم من ثقلها ونفوذها في الملف السوري، بسبب عدم تمثيل عدد من الأطراف في موسكو. وتفيد الدوائر الدبلوماسية، التي تلقت المبادرة الروسية بحذر، إلى أن هناك إجماعاً بأن الحرب في سورية زعزعت المنطقة برمتها، وكل الشرق الأوسط، والجميع فشل في معالجة هذه الأزمة منذ البداية وفي مؤتمري جنيف 2012 و2014.

وكان الرئيس الأميركي باراك أوباما، قد تطرق في 26 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، في قمة "مجموعة 20" في أستراليا، إلى استبعاد الرئيس السوري بشار الأسد من التحالفات، وقال "لا وجود لأي نوع من التحالف مع رجل خسر كل أشكال الشرعية تجاه شعبه". أما في خطاب "حال الاتحاد" في 20 يناير/كانون الثاني الحالي، اكتفى أوباما بذكر "تقديم المساعدة للمعارضة المعتدلة ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)".

أما العلاقة بين باريس وواشنطن في الملف السوري فتتباين، إذ لا تنسى الدبلوماسية الفرنسية صيف 2013، الذي دار فيه الحديث عن تدخل عسكريّ في سورية بسبب استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية، وكيف عدل الرئيس الأميركي عن هذا الموقف في اللحظة الأخيرة.

حالة الارتباك التي سادت في قصر الإليزيه، يومها، لا تزال حاضرة، اليوم، فبعد انشغال الدبلوماسيين بموضوع الاعتداءات الأخيرة في فرنسا، والانتخابات التشريعية اليونانية، وعمليات التحالف الدولي في العراق وسورية، وجدت الدبلوماسية الفرنسية نفسها محرجة بالنسبة للموضوع السوري على ضوء المأزق الحالي".

وينصب اهتمام المسؤولين على دراسة السبل وكيفية تطور الموقف الفرنسي. لأن المشكلة في نظرهم، تكمُنُ في كيفية إطلاق حوار مع كوادر النظام، في إطار دول التحالف، "من دون إعطاء الرئيس السوري شرعية أكثر".

كما أن باريس تدرك جيداً أن مصالح الولايات المتحدة في هذه المرحلة منصبة على معالجة الملف النووي الإيراني، وإمكانية حدوث اتفاق، وأن هناك صعوبة في التوفيق بين خطابٍ يرفُضُ التحدث مع الأسد، في وقت تشنّ فيه القوات الأميركية ضرباتٍ على مواقع تنظيم "داعش"، والتنسيق مع دمشق. وبالتالي، ومهما يكن من أمر، فان أولويات دول التحالف واهتماماتها تختلف. لكن مسألة "محاربة الإرهاب ضد داعش" تخفف من وطأة أفق الحل السياسي وتعزز سلطة النظام.

وقد نشرت وسائل الإعلام الفرنسية تحليلات لبعض الخبراء، الذين لفتوا إلى أن موضوع فتح حوار مع كوادر النظام في سورية في إطار عملية سياسية، يثير ضجة إعلامية في هذا الوقت بالذات". وبانتظار اتضاح الصورة، على الرغم تعقيدات المشهد، ومع استمرار حرب التحالف ضد الإرهاب من جهة، ومفاوضات النووي من جهة أخرى، تبقى الإشارات التي أطلقتها فرنسا في الصدارة والتساؤلات عديدة حول ما إذا كانت موجهة للروس والإيرانيين، كونهما الحليفين الأساسيين لسورية، خصوصاً أن لإيران نفوذٌ أكبر في سورية من روسيا، وأن إيران تملك نفوذاً أكبر في العراق من الأميركيين. كما أنه لا يمكن إغفال اعتراض عدد من دول المنطقة، من بينها تركيا والمملكة العربية السعودية، على فتح مثل هذا الحوار في المرحلة الراهنة.

المساهمون