فرض الإتاوات على التجار يتزايد في الأردن

فرض الإتاوات على التجار يتزايد في الأردن

23 أكتوبر 2015
عصابات الإتاوات تروع التجار (العربي الجديد)
+ الخط -
غير بعيد عن قلب السوق التجاري، في العاصمة الأردنية عمان، يقف تاكسي يقل ثلاثة شبان من أرباب السوابق بجوار سلسلة من المحال التجارية، وينزل أصغرهم لجمع الإتاوة اليومية، والتي تتراوح بين 15 و50 ديناراً أردنياً( الدينار يعادل 1.41 دولار أميركي)، يدفعها التاجر صاغرا لتجنب خيارات صعبة، إما الضرب، أو تكسير المحل، أو الابتزاز بالسجن.

فقبل عقود، لم يكن لفارضي"الإتاوات" نشاط يذكر في الأردن، باستثناء أسماء قليلة عرفت على نطاق ضيق في بعض المناطق، غير أن العقدين الأخيرين كشفا عن تحولها إلى ظاهرة باتت تؤرق الأردنيين، وتهدد أمنهم الاجتماعي والاقتصادي، دون أن تقوم أي من الجهات ذات العلاقة بدراسة أسباب هذه الظاهرة ووضع حد لها.

ويكشف العديد من التجار والمواطنين، على حد سواء، لـ"العربي الجديد"، عن تعرضهم اليومي لتهديدات من فارضي الإتاوات، بدفع مبلغ مالي يقدر حسب طبيعة النشاط التجاري، أو مواجهة عواقب وخيمة في حال الرفض أو تقديم شكوى للأجهزة الأمنية.

"العاقل من اتعظ بغيره"، يقول أحد تجار السجاد، ويدعى أبو محمود. إنه يتقي الشر بدفع إتاوة يومية لأحد المجرمين منذ سنوات دون تردد، لا سيما بعد أن شاهد بأم عينيه قدرة هؤلاء المجرمين على إلحاق الأذى المباشر بمن يرفض، أو بأحد أفراد أسرته، إما بالاعتداء الجسدي، أو بتوظيف النصوص القانونية، التي تعرف بالأردن بظاهرة الشكاوى الكيدية.

فمن صاحب حق، قد يتحول الشخص بفعل شكوى كيدية مدعمة بتقارير طبية رسمية إلى مُعتدٍ رغم أنه معتدى عليه، ويجد نفسه خلف القضبان موقوفا ينتظر عرضه على القضاء لمعاقبته.

ويقول أبو محمود، إن صاحب محل تجاري رفض دفع الإتاوة التي فرضها أحد أرباب السوابق، فما كان من الأخير إلا أن قام بجرح نفسه، وتقدم بشكوى اعتداء للأجهزة الأمنية بحق صاحب المحل، الذي وجد نفسه بعد ساعات من الحادثة موقوفا على ذمة قضية قد تذهب به وراء القضبان لأشهر عديدة.

وأضاف أن المشتكي الذي تبين أنه يحمل 20 قيدا جرميا، تقاضى ما لا يقل عن 10 آلاف دينار أردني من صاحب المحل لإسقاط شكواه.

اقرأ أيضاً:تجار "عفرين" الحلبية يشكون من زيادة الإتاوات

وفي أحد المحال التجارية في مدينة الزرقاء، 20 كيلومتراً شرقي العاصمة عمان، اضطر عدد من أصحاب المحال التجارية لإغلاق مصالحهم، أو نقلها إلى مواقع أخرى تجنبا لشر فارضي الإتاوات.

ويقول صاحب محل لبيع المثلجات، طلب عدم ذكر اسمه، إنه قرر إغلاق محله، ونقله إلى محافظة أخرى بعد أن ضاق ذرعا بأحد فارضي الإتاوات، الذي كان يفرض سطوته على زهاء 20 محلا تجاريا في المنطقة.

وأضاف أنه لم يتقدم بأية شكوى للأجهزة الأمنية الأردنية، لقناعته التامة بعدم جدواها من جهة، أو خشية رد فعل انتقامي من جانب فارض الإتاوات بعد أن هدده عدة مرات بأنه سيؤذيه بشكل مباشر، أو أنه سيرسل شركاءه للانتقام منه في حال سجنه، أو سجنه بشكوى كيدية.

مصدر أمني أقر، لـ"العربي الجديد"، باستفحال ظاهرة فارضي الإتاوات، مرجعا السبب إلى ضعف التشريعات القانونية من جهة، وتقييد العمل الشرطي من جهة أخرى، مبينا أن دائرة البحث الجنائي في إحدى المحافظات لم تجد وسيلة للحد من هذه الظاهرة بشكل قانوني تام، فلجأت إلى الاتفاق مع الحاكم الإداري لتلك المحافظة باستخدام قانون منع الجرائم.

غير أن هذا القانون يواجه انتقادات واسعة من نشطاء لأنه يعطي الحكام الإداريين صلاحيات فضفاضة، عدا عن تعارضه مع مواد ونصوص الدستور الأردني التي تحمي حريات الأفراد، وحرية منع توقيفهم إلا بموجب حكم قضائي صادر عن سلطة قضائية.

ويطالب المركز الوطني لحقوق الإنسان، في تقاريره السنوية، بضرورة إلغاء قانون منع الجرائم من باب تغوله على السلطة القضائية، ويعطي صلاحيات فضفاضة للحكام الإداريين، فيما اعتبرت منظمة "هيومان رايتس ووتش" في تقرير لها أصدرته في عام 2008 أن الحكام الإداريين يتعسفون في استخدام الصلاحيات المعطاة لهم.

ويؤكد الخبير القانوني، محمد ربيع القواسمة، ضرورة تعديل التشريعات القانونية بما يلائم التغيرات الاقتصادية، والاجتماعية الناشئة، وتغليظ العقوبات بحق أصحاب القيود والأسبقيات، والقضايا الجرمية، وفارضي الإتاوات.

كما اقترح تفعيل "السلطة التقديرية" لدى القضاة، وعدم الارتكان فقط للتقارير الطبية المقدمة في اتخاذ القرار، وتغليظ العقوبة على الشخص الذي يثبت تورطه بالتحايل على القضاء، بإحضار تقارير طبية غير صحية، وبالتالي فإن المشتكي بهذه الطريق يعد للمائة قبل الإقدام على تقديم شكوى بحق آخر.

وقال إن قضايا الإيذاء، وفي حال لم تتم المصالحة بينهم، يتم توقيف المشتكين لمدة 14 يوما على ذمة التحقيق ويجوز التمديد، مؤكدا أنه يجب إلغاء التوقيف في قضايا الإيذاء، حتى لا تكون مبررا للشخص المظلوم المبادرة لإسقاط حقه حتى لا يتعرض للتوقيف.

اقرأ أيضاً:"إتاوات" في مدارس مصرية

دلالات