غوانتانامو مصر: حكايات التعذيب من سجن العزولي


04 فبراير 2015
يُعتبر "العزولي" أسوأ السجون المصرية (الأناضول)
+ الخط -
يعاني المعتقلون السياسيون في مصر، منذ إطاحة الرئيس المعزول محمد مرسي، من شتى ألوان التعذيب والقهر والظلم، ويضرب النظام الحالي والجهات الأمنية بكل القوانين ومواثيق حقوق الإنسان الدولية، في التعامل مع المعتقلين، عرض الحائط. 

ووسط هذه الضوضاء، فإن للمكوث ولو ليوم واحد داخل سجن "العزولي" العسكري، حكاية أخرى، لكونه مخصص للعسكريين الذين يرتكبون مخالفات داخل الجيش، لا للمدنيين. وبخلاف التعذيب، يعتبر البقاء في سجن "العزولي" مخالفاً للقوانين كافة، نظراً لأن بقاء أي معتقل فيه، لا يكون مسجلاً على أنه محتجز أو سجين، ولا يتم عرضه على أي نيابة، سواء المدنية أو العسكرية.

ماذا يحصل في سجن "العزولي"؟ وفقاً لشهادة ثلاثة معتقلين سابقين، رفضوا الكشف عن أسمائهم، كي لا يعودوا مجدداً إلى السجن، تُظهر بعض المخالفات والانتهاكات التي تحدث داخل السجن، بعيداً عن أعين القانون، لكونه منشأة عسكرية تخضع لقانون المؤسسة العسكرية، لوقوعه داخل معسكر "الجلاء العسكري" في محافظة الاسماعيلية. ويقبع في السجن معتقلون، تعتبرهم السلطات الحالية تهديداً كبيراً على النظام الحالي أو الأمن العام، ومعظمهم متهمون بـ"أعمال عنف ضد الجيش" أو "الانتماء لتنظيمات جهادية مسلحة".

تبدأ الانتهاكات منذ تسليم سيارة الترحيلات التابعة لوزارة الداخلية، المعتقلين إلى بوابة معسكر "الجلاء العسكري"، حيث مقرّ سجن "العزولي"، الخاصة بالجيش الثاني الميداني، وبدورها تتسلّم إدارة المعسكر المعتقلين، فتضربهم بكل السبل الممكنة، أثناء عملية النقل.

وتضع إدارة المعسكر المعتقلين في زنزانة في جوار البوابة الرئيسية، تمهيداً لنقلهم إلى مقر السجن العسكري، وخلال فترة الإقامة داخل تلك الزنزانة، يقوم أفراد الشرطة العسكرية بضرب وركل كل المعتقلين. ويتم نقلهم وهم معصوبو الأعين إلى مقر السجن، في سيارات جيب صغيرة.

وبمجرد وصول المعتقلين، يقوم أفراد الشرطة العسكرية بعمل ما يُسمّى بـ"تشريفة"، وتتلخّص في الاعتداء بالضرب على المعتقلين بالأيدي والعصي الخشبية والأحزمة، وغالباً ما تكون العصي قوية وخاصة بالشرطة العسكرية، كما يتم الركل بالأحذية، المترافق بشتائم واهانات.

ولفت أحد المعتقلين الثلاثة، إلى أن "بعض المعتقلين كانوا يأتون إلى سجن العزولي عبر طائرات، وكانت تُفرض حولهم حراسة مشددة للغاية، ولا أحد يعرف عنهم شيئاً، أو عن هوياتهم أو التهم الموجهة إليهم". وأشار إلى أنه "استنتج من حديث أفراد الشرطة العسكرية، أن من يأتي بالطائرات هم معتقلون من سيناء، شديدو الخطورة ومتهمون بأعمال عنف ضد الجيش والشرطة، وينتمون لجماعات مسلحة". ويسلّم المعتقلون الجدد كافة متعلقاتهم إلى إدارة المعسكر في مبني إداري، قبل الوصول إلى مقر السجن.

وقال معتقل آخر، إن "أفراد الشرطة العسكرية يجرّدون المعتقلين من ملابسهم تماماً، لتسجيل حالة استلام كل معتقل، واحتمال وجود أمراض جلدية معدية أو إصابتهم بطلق ناري أو بكدمات أو تعرّضهم للضرب". وأضاف: "خلال عملية تسجيل حالة كل معتقل والجميع معصوب العينين ومقيد اليدين، تدخل مجموعة أخرى من أفراد الشرطة العسكرية بخلاف مجموعة التشريفة، لتبدأ وصلة ضرب مبرح بأسلاك كهربائية وأحزمة وتسديد لكمات وركلات عدة في مناطق حساسة".

وتابع: "إن أفراد الشرطة العسكرية، كانوا يصابون بحالة هستيرية وجنونية من الاعتداء على المعتقلين، فالجميع يضرب بضراوة شديدة وعشوائياً". وأكد أن "بعض المعتقلين أُصيبوا إصابات شديدة في مناطق حساسة، وهو ما علمنا به عقب الانتقال إلى مقر السجن في وقت لاحق". وأشار إلى أن "وصلة الضرب التي تلقيناها تزيد عن النصف ساعة متواصلة، وربما تصل إلى ساعة في حالات أخرى، حسب أهواء أفراد الشرطة العسكرية".

ويضيف: "لم يقتصر الاعتداء البدني على التشريفة وتسجيل كل معتقل، ولكنه امتد طوال فترة بقائنا في المبنى الإداري، عندما يمر أحد علينا، يقول: أنت مستجد تعالى أسلّم عليك". واستطرد: "تبدأ عملية نقل المعتقلين في سيارات الجيب الصغيرة، ويتم وضع أعداد كبيرة منهم داخل السيارة وكأنهم يُلقون في القمامة، نظراً لأن كل المعتقلين يكونون معصوبي العينين ومقيّدين، وبالتالي لا يعرفون أين يضعون أقدامهم".

وتابع: "أُصيب بعض المعتقلين بكسور بسيطة، جرّاء إلقائهم داخل سيارات الجيب، كما يتم وضع المعتقلين داخل السيارة فوق بعضهم البعض، وعندما نصل إلى مقر السجن داخل المعسكر، يُلقي الجنود بنا إلى خارج السيارة ونقف طابوراً واحداً".

وتابع: "يتكوّن السجن من ثلاثة طوابق، في كل طابق 12 زنزانة. وكان مقرّنا نحن المعتقلين المدنيين، في الطابق الثالث، وكانت تقسيمة الدور 4 زنازين إلى اليمن ومثلهم إلى اليسار و4 في الوسط". وتابع: "كل جناح من الثلاثة، له مسمى يستخدم داخل السجن سواء من الشرطة العسكرية أو المعتقلين، اليمين اسمه أوتوبيس، لأن شكله مستطيل، والوسط مربّع، والطرف اليسار، المخصص للمعتقلين من محافظة شمال سيناء، ومن حُكم عليه بأحكام عسكرية أو تحت التحقيق".

وأشار إلى أن "الجناح الوسطي يتميّز بوجود النور فيه، وهناك منفذ تهوية وحيد في السجن، يصل من الطابق الأول حتى الثالث". ولفت إلى أن "كل هذه الانتهاكات والتعذيب والإهانات تحصل، من دون أن يعلم أحد عن المعتقلين شيئاً، فليس لهم وجود رسمي داخل السجون"، معتبراً أن "الاحتجاز داخل سجن العزولي اختطاف قسري، نظراً لأنه سجن خاص بالعسكريين فقط". ويتذكر نقطة خاصة متعلقة بالمعتقلين الذين يأتون من شمال سيناء أو بورسعيد أو الإسماعيلية، إذ تتم العملية بمعرفة الجيش وسياراته، لا بمعرفة وزارة الداخلية.

وفي ظلام دامس طوال الأيام يعيش المعتقلون داخل الزنازين، التي لا توجد فيها كهرباء، ولا شباك للتهوية، فضلاً عن أن تصميم مبنى السجن لا يسمح بالتواصل بين المعتقلين في الزنازين الأخرى. وأكد أن "الزنازين ليس بها حمام وصنبور مياه، بل كان أفراد الشرطة العسكرية يضعون في كل زنزانة "جركن" مياه نظيفة وأخرى لقضاء الحاجة، ويستخدم "الجركن" في الاغتسال والشرب، وهذا بالطبع لا يكفي لنحو 23 أو 25 معتقلاً في زنزانة واحدة".

ولفت إلى أن "الزنازين كانت تفتح فقط مرتين في اليوم، الأولى في الثانية عقب الظهر، والأخرى في الثانية فجراً، لدقائق معدودة لدخول دورة المياه، ولم يكن الجميع يخرج، وفي الأغلب كان يخرج اثنان فقط لملء "الجركن" والحصول على الطعام ثم العودة مرة أخرى". وشدّد على أنه "في حالة خروج المعتقلين داخل الزنزانة، يقف الجميع صفاً، لأن في كل طابق من السجن توجد 4 دورات مياه فقط، و6 أحواض، وهي لا تكفي لـ25 فرداً خلال دقائق".

وذكر بعض المواقف التي كانت تحدث إذا تأخر أحد المعتقلين داخل دورة المياه، إذ يقوم أفراد الشرطة العسكرية بكسر الباب عليه واقتياده عنوة إلى الزنزانة. وأثناء الدخول والخروج من دورات المياه، يعتدي أفراد الشرطة العسكرية على المعتقلين بالضرب.

وعن مواعيد الطعام، قال سجين ثالث كان في "العزولي"، كان "الطعام يُسلّم مرة في الثانية ظهراً وهو الغذاء، ويأخذ الحرس واحداً أو اثنين من كل زنزانة، ليأتي بـ25 رغيفاً وعلبتين، الأولى بها معكرونة سيئة، وكمية قليلة من البامية".

وذكر أن "الكميات كانت قليلة للغاية ولا تكفي حتى الحاجة"، مشيراً إلى أنه "كان يتمّ تقديم الافطار والعشاء في وقت واحد عند الساعة الثانية فجراً، وهو عبارة عن 25 رغيفاً وعلبة مربى، ويقوم أفراد التعيين بتذويب المربى في مياه، حتى تكفي كل أفراد الزنزانة. وتُوزّع أيام الاثنين والخميس، قطع لحم صغيرة للغاية".

أما المرحلة الأصعب في حياة المعتقلين داخل السجن، فكانت التحقيقات التي كانت تتم معهم، بحسب السجناء الثلاثة، الذين غادروا السجن عقب بقائهم فيه مدداً متفاوتة. وقال أحد السجناء، إن "التحقيق معي تمّ في مبنى س 8، البعيد عن مقر السجن حوالي 10 دقائق".

وأضاف أنه "كانت تأتي ورقة بأسماء المعتقلين المطلوبين للتحقيق، فيقف أحد أفراد الشرطة العسكرية في الطابق الأول، ويقول: الدور الثالث اللي يسمع اسمه يقول زنزانته رقم كم وفي أي جناح". وتابع: "يقوم حراس كل طابق بالذهاب لكل معتقل أعلن عن رقم زنزانته، ويخرجه ويقول له انزل الدور الأول، وغمّي نفسك".

ولفت إلى أن "بعض المعتقلين حينما كانوا لا يجدون أي قطعة قماش لوضعها على عينيه، يأتي بملابس حرس السجن ويقطعها، نظراً لأن الحرس لو جاء ووجده غير معصوب العينين، فسيقوم بالاعتداء عليه بالضرب بشدة". وعند مدخل السجن يتسلم المعتقلين أفرادٌ من الشرطة العسكرية، ويضعون "كلابش" لكل معتقل من الخلف، تمهيداً لنقلهم لأحد المعتقلين.

وأضاف أن "المعتقلين كانوا يقفون في طابور واحد حتى سيارة الجيش، وهنا تكمن المشكلة، كون السيارة المتوفرة واحدة فقط، لعشرة أفراد أقل شيء، إضافة إلى أفراد الشرطة العسكرية أنفسهم". وتابع: "كان أفراد الشرطة العسكرية يضعون كل المعتقلين فوق بعضهم، بطريقة غير عادية".

وفي بعض المرات خلال التوصيل إلى مقر مبنى التحقيقات، يطلب الجنود من المعتقلين غناء "تسلم الأيادي" بصوت عال، وإذا لم يقوموا بذلك أو وُجد من لا يحرّك شفتيه، يقومون بصعقه بعصي كهربائية. وقال أحد المعتقلين إنه "في كل مرة ندخل مبنى التحقيقات نسمع صراخاً شديداً من داخل المبنى، ويقطع هذه اللحظات طلب أفراد الشرطة العسكرية من المعتقلين النزول فوراً من السيارة عند العد من واحد إلى ثلاثة".

ويصف أحد المعتقلين السابقين مبنى التحقيقات، بأنه "مبنى واسع كبير، واتّضح لنا ذلك من كمية الهواء التي واجهتنا داخله، فضلاً عن صدى الصوت". وقال: "كان هناك مكتب على يسارنا، وبدا أنه مكتب أكبر ضابط والمسؤول عن التحقيقات، حيث إنه في كل مرة ندخل المبنى نسمع أصوات ناس داخلة وخارجة وبتقوله يا باشا". وأضاف: "عند الدخول من باب المبنى يقع أمامنا مباشرة سلّم خشبي، وعند صعود السلم الخشبي، نتجه بعدها إلى مكتب الانتظار".

وتابع: "يكون مكتب الانتظار تابعاً في الأساس لأفراد الشرطة العسكرية وبداخله مكتب، الذي يجلس فيه الجميع أرضاً". ولفت إلى أن "مدة الانتظار قد تطول أو تقصر، وخلال فترة الانتظار يدخل بعض الأفراد بعصي كهربائية، يقولون: أنا مسلّمتش عليك، ليتم صعق أحد المعتقلين كهربائياً، وهذا كان أضعف السلام". ويزيد: "بعض أفراد الشرطة العسكرية كان يسكب ماءً مغلياً على بعض المعتقلين، أو يقوم بإطفاء سيجارته في الوجه، أو يركل أحد المعتقلين".

وتمهيداً للتعذيب، بحسب أحد المعتقلين الثلاثة، كان أفراد الشرطة العسكرية يطلبون من جميع من بالمكتب الوقوف على أطراف أصابع القدم لمدة قد تصل إلى ساعة، ومن لا يتحمل ينهال عليه الجنود بالضرب المبرح والركل في كل مناطق الجسد.

ولفت إلى طريقة للراحة من التعذيب داخل مكتب الانتظار، بطلب الصلاة، وهي فرصة للالتقاط الأنفاس وراحة اليد من "الكلابش"، وتحريك الجسد من وضعية الجلوس على الأرض. وتابع: "خلال الانتظار في المكتب كان الجنود يمارسون تعذيباً نفسياً، ويقولون: انتوا عملتو إيه، الضابط اللي جوّه هيعذبكو اعترفوا بسرعة أحسن".

وأشار إلى أن "هناك غرفتين للتحقيق، الأولى لضابط يبدو أنه برتبة كبيرة، ويتعامل بشكل جيد، وعلمنا أنه مخصص للمستجدين في محاولة للحصول على اعترافات، أما إذا تم إنكار أي تهمة موجهة إلى المستجدين، يتم تحويلهم إلى غرفة تحقيق أخرى بها ضابط شديد للغاية في التعامل".

وشدد على أن "الغرفة الثانية يتم فيها التعذيب بأقصى صورة، منها تعليق المعتقل من أقدامه لعدة ساعات ويقوم الضابط ومعاونوه بالضرب والركل، فضلاً عن الضرب بأسلاك كهربائية قوية، والصعق بالكهرباء على مستويات عالية وبعصي كهربائية أيضاً".

دلالات
المساهمون