غزة.. العزلة مضاعفة

غزة.. العزلة مضاعفة

06 اغسطس 2016
تصوير: أنيس غنيمة
+ الخط -

يكفي أنَّها في ذلك الطرف البعيد المفتوح على صحراء "التيه" لتكون في عزلة. يكفي أنَّها انقطعت عن محيطها المتمدين، والطبيعي، لكي تكون العزلة مضاعفة. ويكفي أنَّ النكبة حلَّت عليها نكبات، وجاءت "النكسة" لتضعها في مدار لا تمرُّ به طرق البريد: أتحدّث عن غزة وقطاعها. هذا الكوكب الفلسطيني المجهول، المنسي، والذي يدور في مجال لا تلتقطه رادارات الرأي العام.

إذا كانت فلسطين تعرضت للاقتطاع والعزل، جزءاً عن آخر، تدريجاً، فإن قطاع غزة انقذف في الاقتطاع والعزلة مذ حلت النكبة وصار خارج أيِّ تواصل مع أجزاء أخرى لم تسقط من فلسطين (الضفة الغربية).

حتى عندما صارت غزة من "حصة" مصر لم يفض هذا إلى فتحها على العالم الخارجي، فقد عُيِّن عليها حاكم عسكري حتى مجيء هزيمة حزيران/ يونيو 1967.

ربما كان نصيب الضفة الغربية أفضل، فقد صارت جزءاً من وحدة أردنية فلسطينية، في إطار المملكة الهاشمية، بصرف النظر عن كيف تمَّت هذه الوحدة، التي رآها قطاع من الرأي العام الفلسطيني إلحاقاً وضمَّاً.

لم يحدث هذا بين غزة ومصر لأنه كان صعباً حدوثه. هناك فراغ جغرافي هائل بين فلسطين ومصر يسمى صحراء سيناء، وليس الحال نفسه بين الضفة الغربية والأردن. ليس هذا موضوعنا على كل حال.

المهم غزة الآن التي ترزح وراء أشكال من الحصار والمنع لم تعرفها في تاريخها. حصار الأعداء وحصار الأشقاء، اضطراب الداخل وتجزيئه بين سلطة وسلطة. غزة التي يتم التنكيل بها كلّما عنَّ لإسرائيل التنفيس عن فائض قوتها، أو اختبار أنواع جديدة من أسلحتها.

لم يعد ممكناً (بل قل صعباً) على إسرائيل أن تشنّ حروباً على الضفة الغربية التي تحكمها سلطة لا سلطة لها على معبرٍ، أو طريق لعشرين ميلاً خالٍ من الحواحز الإسرائيلية. أما "المقاومة" و"الممانعة" العربيتان فهما منهمكتان في تدمير سورية وتغيير ديموغرافيتها.. باسم فلسطين! فطريق فلسطين صارت تمرُّ بإدلب والقصير وحلب والغوطة وداريا وغيرها..

تبقى غزة، وحدها، تحت العين الإسرائيلية الحمراء. حاولوا أن تعودوا إلى فيديوهات الحروب الإسرائيلية على غزة. من عمود الرصاص المصبوب، إلى الجرف الصامد. خصوصاً الأخيرة، وهي الأحدث وجرحها لا يزال مفتوحاً. لا وحشية تشبه هذه الوحشية في جعل العمران والبشر أثراً بعد عين. لم تكن غزة ترفع رأسها من الردم وأعمدة الغبار حتى يجيئها ردم وغبار جديدان.

يرفع الغزيون الأنقاض بأيديهم، وبالقليل مما توفره تكنولوجيا لم يبق منها سوى الطنابر، فتعود الأنقاض إلى سابق عهدها. شيء يشبه عقاب سيزيف الذي أنزله به كبير الآلهة الإغريق بحمل صخرة إلى قمة الجبل، ولكن ما يكاد يبلغ القمة حتى تتدحرج ثانية إلى الوادي. مع فارق أنَّ سيزيف، حسب الأسطورة اليونانية، كان ماكراً، استطاع تضليل ملاك الموت، فيما لم يجد ملاك الموت أرضاً خصبة مثل غزة. فهناك كان حصاده وفيراً.

والسؤال اليوم: كيف سيكون حال غزة بين الصراع المصري – التركي عليها؟ هل سيخجل الأشقاء ويفتحون المعبر الذي يؤدي إلى العالم العربي، أم يتركون إسرائيل "تُمنِّن" الأتراك بأنها سمحت لهم باستخدام معابرها لإدخال طعام وأدوية ومواد إنشائية.. بالقطارة، وتحت المجهر الإسرائيلي؟

ألم يحن الوقت لإنجاز مصالحة وطنية قد تكون مدخلاً لوضع فلسطيني يشكل رقماً صعباً في المعادلة، على حد تعبير الراحل ياسر عرفات؟

المساهمون

The website encountered an unexpected error. Please try again later.