غريب في كلية الحقوق

غريب في كلية الحقوق

21 فبراير 2014
+ الخط -

كانت كلية الحقوق في منطقة الصنائع حلماً في مرحلة ما. ولأن الانتساب إليها لا يحتاج إلى مباراة ورسم التسجيل يكاد يكون رمزياً، شكّلت احتمالاً لكل باحث عن شهادة مرتجاة.

سيطرت "حركة أمل"، ذات اللون الواحد، على هذه الكلية منذ الحرب الأهلية ولا تزال. استمدّ طلاب "أمل" هذه الرغبة العاتية في الحفاظ على الكلية من فكرة غريبة تقول بأن رئيس الحركة ورئيس المجلس النيابي نبيه بري كان طالباً في الكلية ورئيساً لـ"مجلس طلاب الفرع" فيها، لذلك يجب المحافظة على هذه الأمانة.

كان غريباً خلال محاضرة في القانون المدني يلقيها قاض كبير أن يعلو الصراخ ثم تنطلق الشتائم ليليها تضارب بين طلاب قانون، من أحزاب مختلفة، يوصلهم إلى المستشفى في كل مرّة. فيدبّ الهرج والمرج وترتعب الفتيات وقد يغمى على إحداهن ريثما تتدخل القوى الأمنية، التي لا تطأ الحرم إلا بعد موافقة مدير الكلية... حين تكون المعركة قد حسمت. كان غريباً أن يسيل الكثير من الدم في جامعة.

كان غريباً في حضن كلية الحقوق أن تجد شاباً يتسلل عند مغادرة الجميع، مثل خفّاش الليل، ليذم بشرف فتاة على جدار المدخل ويسجّل اسمها ورقم هاتفها الخلوي إمعاناً في تهشيم صورتها، فقط لأنها صدّته ولأنه يملك القدرة على فعل ذلك.

كان غريباً أن يقفل باب القاعة الكبرى أمام طلاب السنة الجامعية الأولى ريثما يدخل شاب من "مجلس طلاب الفرع" المحسوب على "أمل" بطبيعة الحال، ليحجز الصفوف الخمسة الأولى عبر وضع كتب ودفاتر عليها، تأكيداً على تخصيصها لأصدقاء "أمل" ومناصريها. ثم يفتح الباب ليدخل الجميع، فيجلس المحظيّون في الصفوف الأولى ويركض باقي الطلاب إلى المقاعد غير المحجوزة ركض الملهوف في يوم الجوع.

كان غريباً ألا يسمع الجالسون في الصفوف الخلفية صوت المحاضر من مكبّر الصوت لأن الكهرباء كانت تنقطع طوال الوقت.

كان غريباً أن ينجح طلاب في الامتحانات من دون عناء لأنهم مدعومون من "واسطة" ترفع علاماتهم أو لأنهم يغشّون ويحتالون عبر استخدام سمّاعات صغيرة قام رفاق لهم، من خارج الحرم، بتلقينهم الأجوبة عبرها. كان غريباً منطق العصابة هذا.

كان غريباً أن يحمل "المختلف" شعوراً دائماً بالخوف.

فكان طبيعياً، لكل ذلك، ألا يشعر الفتى الذي ظن ببلاهة أن العالم مثالي أنه لا يزال طالباً فيحمل شعوره بالغربة ويغادر الحقوق إلى غير رجعة بحثاً عن احتمال آخر في كلية أخرى. كلية الإعلام.

لكن الإعلام قصة أخرى.

المساهمون