عين إيران على سنجار العراقية: اعتبارات استراتيجية

30 يناير 2015
يُخشى من سيطرة إيرانية على سنجار (عمرا يورولماز/الأناضول)
+ الخط -
علمت "العربي الجديد"، من مصادر كردية عراقية، أن "إيران ومن خلال جماعات مسلحة تركية وسورية وعراقية مرتبطة بها، تعمل منذ أشهر لبسط نفوذها على بلدة سنجار الحدودية مع سورية، مستفيدة من تداعيات تعرّض السكان هناك لحملات إبادة على يد مسلّحي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)".

وأفاد مسؤول عسكري في قوات "البشمركة" الكردية، رفض الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، بأن "البلدة المذكورة، وبسبب موقعها الاستراتيجي وجبالها العالية، ستوفّر قاعدة توجيه صواريخ مهمة، لاستهداف مواقع عدة، حتى في إسرائيل، التي سبق أن قصفها الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، في 1991 من الموقع نفسه".

وفي السياق، نظّم حزب "العمال" الكردستاني التركي، في 14 يناير/كانون الثاني الحالي، وبمساعدة حزب "الاتحاد الوطني" الكردستاني، بزعامة الرئيس العراقي السابق جلال طالباني، وحزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي السوري، المرتبط بـ"العمال"، اجتماعاً في جبل سنجار، غرب مدينة الموصل، ضمّ حوالي 200 شخصية، بهدف اختيار "مجلس شعبي لإدارة مدينة سنجار، كمنطقة حكم ذاتي مستقلّ إداريّاً عن حكومة بغداد وإقليم كردستان". وتمّ اختيار 27 شخصاً لعضوية المجلس، وفقاً لما أورده حزب "العمال".

ولقيت تحركات الأحزاب المعروفة بولائها لإيران، ردود فعل غاضبة ورافضة من برلمان وحكومة إقليم كردستان العراق، ومن جانب أحزاب كردية، ومجلس محافظة نينوى التي تتبعها مدينة سنجار. ورأت في ذلك "محاولة لتمزيق المناطق الكردية، ووحدة الشعب الكردي، من خلال فصل سكان سنجار، وهم من الأكراد الأيزيديين".

وقال رئيس كتلة "الحزب الديمقراطي الكردستاني" في برلمان إقليم كردستان العراق، أوميد خوشناو، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنهم "يريدون فرض هيمنتهم على إرادة السكان في سنجار، من خلال فكرة منطقة حكم ذاتي، لكنهم سيفشلون، إذ لا تتوفر قاعدة شعبية تدعمهم في تنفيذ الفكرة، ولا أساس دستوري وقانوني يدعم الموضوع".

وأضاف "للأسف في الأمر مؤامرة كبيرة، يقودها حزب العمال، علماً أن المشروع أكبر من حزب بعينه، بل يتمثل في أجندة إقليمية بغرض ضرب إقليم كردستان والشعب الكردي، الذي يخوض حرباً عالمية ضد الإرهاب".

من جهته، أفاد مصدر كردي مطلع، لـ"العربي الجديد"، بأن "بلدة سنجار، التي تفصلها جبال شاهقة عن الأراضي السورية، كانت هادئة ولم يتعرض لها تنظيم داعش، حتى بعد سيطرة مقاتليه على مدينة الموصل، ومناطق قريبة منها في 9 يونيو/حزيران الماضي. ثم فجأة وفي 3 أغسطس/آب هاجم داعش سنجار واحتلها، وقتل وأسر الآلاف من سكانها من الرجال والنساء والأطفال. إن الأمر مريب".

وأضاف أنه "فور دخول داعش إلى مدينة سنجار والمناطق المحيطة بها، ظهر فيها فجأة مسلّحون يرتدون الزي الكردي تابعون لثلاثة أحزاب، العمال، والاتحاد الديمقراطي السوري، والاتحاد الوطني الكردستاني العراقي، وجّهتهم إيران من دون شك إلى هناك، وربما دبّروا مع داعش دخولهم مجتمعين إلى سنجار".

وختم "إن الأحزاب الثلاثة تعمل منذ أغسطس، وسط سكان سنجار، وتوظف مأساة نزوحهم وأوضاعهم الصعبة، عقب هجوم داعش، لتنفيذ مشروع يهدف للسيطرة على المنطقة، وتسلّم زمام الأمور فيها كمرحلة أولى، يعقبها تسليم الأمور فيها لإيران بعد ذلك".

بدوره، يشير الكاتب السياسي الكردي، ريبوار كريم، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى "وجود استراتيجية إيرانية في هذا الصدد". وأضاف في مقال له نشره باللغة الكردية في 19 يناير الحالي، لصحيفة "روداو"، الأسبوعية التي تصدر في أربيل، أنه "إذا ما نجح الأمر في سنجار، فسيتم تحويل مدن السليمانية وكركوك أيضاً إلى مناطق حكم ذاتي. وستكون دولة بارزاني (إقليم كردستان الحالي) موجودة على أجزاء من أربيل ودهوك، ولا يُعرف مستقبلها حتى، كما أنه ليس مستبعداً اتفاق حزب العمال مع الدولة التركية، بغية القضاء على ما تبقّى من الإقليم، وضمّه للأراضي التركية".

من جانبه، يلفت مسؤول "التوعية والإعلام" في وزارة "البشمركة"، العميد هلكورد حكمت، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى "الانتباه لخطورة سقوط سنجار بيد جماعة إرهابية مثل داعش". ويوضح أهمية جبال سنجار، مضيفاً أن "التواجد على جبل سنجار يعني أن الموقع الاستراتيجي الذي استخدمه صدام حسين لضرب إسرائيل بالصواريخ في عام 1991 قد سقط في يدهم، ومن هناك سيتمكنون من ضرب دول عديدة في المنطقة إذا ما توافرت لديهم الصواريخ". ويقع جبل سنجار على بعد نحو 133 كيلومتراً غرب الموصل، ويرتفع عن 1463 متراً عن سطح البحر.

وتشير تقارير إخبارية كردية متداولة في الإعلام المحلي بإقليم كردستان العراق، بشكل واضح إلى الجهود المشتركة لإيران، وسورية، والعراق، في تسخير الجهود الكردية لمواجهة "داعش". وتفيد التقارير بوجود خطة إيرانية تقضي بإشعال نوعين من الصراعات المسلّحة والمشاكل، بين الأكراد أنفسهم بواسطة الجماعات الموالية لها، وإشغال الأطراف الكردية التي ترفض الهيمنة الإيرانية، وإضعافها بحرب لا نهاية لها، مع الجماعات المتطرفة مثل "داعش". ويصل طول الجبهة التي يقاتل فيها الأكراد مسلّحي "داعش" في شمال العراق، إلى 1050 كيلومتراً، وتمتد من شرق العراق عند بلدة خانقين، وصولاً إلى غربه في سنجار.

وقد دارت معارك شرسة للغاية بين الطرفين، خسر فيها "البشمركة" الكثير من القتلى، فضلاً عن نزوح نحو مليوني عراقي من محافظات عدة إلى إقليم كردستان، يُضاف إليهم 250 ألف من اللاجئين السوريين، الذين وفدوا إلى الإقليم.

ويلمح سياسيون أكراد إلى أدلّة بدأت تتكشف، ومنها "وجود أفغان بين قتلى داعش الذين يهاجمون المناطق الكردية، إذ تبيّن بعد تدقيق قوات البشمركة في هوياتهم، بأنهم قدموا من إيران، وكانوا يحملون عملاتها. كما نظّمت طهران اجتماعات سرية للجماعات الكردية الموالية لها على أراضيها، من أجل ضرب فصائل كردية أخرى، ورتّبت تفاهمات على الأرض في بعض مناطق القتال، بين جماعات مسلحة كردية وغير كردية موالية لها، ونقلت مسلّحين أكراداً أتراكاً، من الجبال بين العراق وإيران إلى عمق الأراضي العراقية في كركوك، لإشراكهم في قتال داعش وغير ذلك".

ويحذّر رئيس "مركز الشرق الأوسط للدراسات"، ومقرّه أربيل، دلاور علاء الدين، في مقال نشره بالكردية في 19 يناير الحالي، من "وجود تهديد خطير داخلي كردي ضد إقليم كردستان العراق". وأبدى اعتقاده بأن "المكانة السياسية للإقليم ترسّخت إلى الحد الذي بات فيه من الصعوبة للغاية، النيل منه على يد الأعداء الخارجيين، فيما الخطر الوحيد الذي يُهدد بالكارثة في الإقليم هو الانقسام الداخلي".

 

المساهمون