عن انقلاب في تركيا

11 ابريل 2015
+ الخط -
منذ وصول حزب والعدالة والتنمية التركي، بقيادة رجب طيب أردوغان، إلى سدة الحكم ومحاولات الانقلاب عليه مستمرة، سراً وعلناً، نظراً لخلفية الحزب الإسلامية، لاسيما بعد نجاحات مبهرة حققها الحزب سياسياً واقتصادياً، منذ العام 2002، وخرج الحزب وحكومته من كل محاولة انقلاب بنجاح فضح مخططات الانقلابيين، وهو ما تتعرض له تركيا هذه الأيام، خصوصاً قبيل الانتخابات البرلمانية (العامة) في يونيو/حزيران المقبل، وأي استحقاقٍ ديمقراطيٍ جديد، وتطلع الحزب، كما أكد أردوغان عزمه تحقيق أغلبية برلمانية، بالحصول على 400 مقعد، ومن ثم إجراء استفتاء على تعديلات دستورية رئاسية، وتنفيذ خطط تنموية طموحة.

ما يجري على الساحة التركية من محاولات حثيثة لزعزعة الاستقرار هي سلسلة انقلابية متصلة، لم تنقطع منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، ولعلنا نعرف عمليات التنصت والتجسس على مكتب أردوغان نفسه، فضلاً عن قيادات حزبية وحكومية أخرى، تم كشف الكثير منها، أما الفصل الانقلابي الذي نحن بصدده الآن فبدأ في 28 مايو/أيار 2013 في ما عُرف، وقتها، باحتجاجات متنزه جيزي، في ميدان تقسيم الشهير في مدينة اسطنبول، اعتراضاً على تحويله مركزا تجارياً، كما تداولت التقارير آنذاك، واحتدمت وتيرة الأحداث، وتعرض أكثر من متظاهر للقتل برصاص الأمن، وتم استغلال التظاهرات الاحتجاجية وتدويلها إعلامياً، وكان الإعلام الغربي طرفاً فيها، إلى مطالبات بضرورة استقالة أردوغان وتنحّيه، وتنحي حكومته، لفشله في حماية المتظاهرين، بينما كان الشعار الرئيسي للخصوم (لا لأسلمة تركيا الكمالية)، حيث صار أردوغان، بخلفيته الإسلامية، هدفاً ثميناً لأطرافٍ داخلية وخارجية.
وحتى ندرك طبيعة المؤامرة وخطورتها على تجربة العدالة والتنمية، تجدر الإشارة، هنا، إلى أن حكومة العدالة والتنمية كانت قد أقرت في يونيو/حزيران 2013 مشروعاً لبناء أكبر مطار في العالم في اسطنبول، ما أثار غضب ألمانيا تحديداً، كونه يؤثر سلباً على مطاراتها، خصوصاً مطار فرانكفورت العالمي، وحاولت، بكل ما تملك من قوة ونفوذ، ثني الأتراك عن ذلك المشروع العملاق، حتى وصل الأمر إلى تلاسن إعلامي، ولأن سياسة الحزب، منذ البداية، قائمة على استقلال القرار الوطني، والانعتاق من التبعية للغرب، فقد أصرت الحكومة على تنفيذ المشروع، على الرغم من الضغوط والتهديدات، ما حدا بألمانيا على الدخول على خط الاحتجاجات ودعم المتظاهرين.
ولأن الشعب التركي تعلّم من دروس انقلابات الماضي البغيض (أعوام 1960ـ 1970، 1980،1997) ما أكسبه مناعة ضد محاولات التشويه والابتزاز الرخيص، تحت دعاوى وهمية، فأعطى ثقته لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية مارس/آذار 2014 بنتيجة غير مسبوقة، ما شكّل صفعة قوية لدعاة الفوضى والانقلاب، فأكمل مسيرة الاستقرار والرفاهية واستقلال الإرادة الوطنية التي نعم بها، طوال السنوات الماضية، وكانت بمثابة مؤشر حقيقي على شعبية أردوغان وحزبه، بعد احتجاجات متنزه جيزي، وقبيل الانتخابات الرئاسية التي جرت بعدها بأشهر في أغسطس/آب من العام نفسه، وفاز فيها أردوغان، فكانت الصفعة الثانية من الشعب التركي لدعاة الفتنة والتخريب، واستفتاءً آخر على شعبية حكومة العدالة والتنمية.

5F03EF1D-A432-414E-B3C9-10864571035D
5F03EF1D-A432-414E-B3C9-10864571035D
رضا حمودة (مصر)
رضا حمودة (مصر)