عن انبهار بالمشروع الإيراني

عن انبهار بالمشروع الإيراني

20 ابريل 2015
+ الخط -
فرضت إيران نفسها اليوم كأحد أبرز الفاعلين إقليميا ودوليا، عبر ملفات عديدة، وتدخلاتها المستمرة في مجموعة من القضايا الحارقة في المنطقة العربية، وأيضا من خلال طموحها الدائم التوسع، واقتحام ما يمكن أن نسميها "القلعة السنية"، بنهجها سياسة تشييع العالم السني، والتي رصدت لها ميزانية ضخمة لتدريب وتكوين كوادر للقيام بهذه المهمة في دول العالم الإسلامي.

هذا الحضور القوي لإيران على الساحة الدولية جعل تنظيمات ورموزاً وكتاب رأي يعبرون عن إعجابهم بالمشروع الإيراني، وهناك من وصل إلى درجة طرح أحقيته في قيادة الأمة الإسلامية، ويعتمدون على انبهارهم في المواجهة الإعلامية المفتوحة مع أميركا والكيان الصهيوني.

وجاء الاتفاق النووي بين إيران والغرب، وبالموازاة معه "عاصفة الحزم"، ليتعزز هذا "الانبهار"، بغض النظر عن شرعية هذه الضربة من عدمها، وإن كانت بعض مبرراتها "مقبولة ومغرية". لكن، هل يستحق المشروع الإيراني كل هذا الانبهار؟ وهل هو النموذج المرتجى؟ وهل فعلا لإيران مقومات قيادة العالم الإسلامي؟

من بين أبرز مقومات الدولة القائدة أن تكون ديمقراطية، وإذا تأملنا في الوثيقة الدستورية لدولة إيران، فهي غاية في الاستبداد، فوفقا للدستور الإيراني، فإن المرشد الأعلى للدولة هو الحاكم الحقيقي والمقرر الأساسي، فالمرشد "المعين" يضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات، ويعين ويعزل قادة الجيش وقادة الحرس الثوري، وهو الذي يضع خطوط السياسة الخارجية والدفاع. تقول المادة الخامسة من الدستور "ولاية الأمة في ظل استتار الإمام تؤول إلى أعدل وأعلم وأتقى رجل في الأمة، ليدير شؤون البلاد".

ويكفي أن نشير إلى أن المؤسسات الكبرى في البلد تابعة مباشرة لتوجيهات المرشد، وليس إلى الرئيس، وفي مقدمتها "الحرس الثوري" والأجهزة الأمنية بمختلف تلاوينها، والإعلام المرئي منه خصوصاً، والجيش، وهي مؤسسات تجعل من المرشد زعيماً يتربع على عرش الدولة الإيرانية، من دون أن يمر عبر الاستحقاق الشعبي.

ماذا تعني هذه الاختصاصات الواسعة؟ تعني أن الرئيس الذي ينتخبه الشعب وبالاقتراع المباشر، وتصرف لأجله كل تلك المبالغ المالية، ويسخر له كل ذلك التسويق الإعلامي، هو مجرد رئيس للموظفين لدى المرشد، ودور الرئيس المنتخب تنزيل وتنفيذ سياسة المرشد الذي يبقى في منصبه طوال حياته، ليبقى الإشكال الحقيقي، هو لماذا الانتخابات إذا كان المرشد الأعلى هو الحاكم الفعلي، الجواب واضح، وضع واجهة ديمقراطية فارغة، لا قرار لها لإخفاء استبداد النظام القائم بإيران الشيعية، فكيف لدولة تطمح للقيادة والتوسع، وهي غارقة في الديكتاتورية ومركزة القرار؟

إذا اقتربنا من الجانب الحقوقي، الطامة والمصيبة أعظم، فتقارير المنظمات الحقوقية الدولية المشهود لها تتوالى، مؤكدة السواد على هذا المستوى، فسجون دولة الشيعة تعج بالمعتقلين السياسيين، وما زالت شخصيات عديدة ممنوعة من المشاركة في الانتخابات، معظمها تنتمي لأحزاب معارضة محظورة ونقابات واتحادات طلابية، كما أن القضاء مستمر في استهداف النقابات المستقلة غير المسجلة والتنظيمات المعارضة، والتضييق على المعارضين على أشده بحسب منظمة هيومان رايتس في أحدث تقرير لها.

ليس هذا فحسب على المستوى الحقوقي، فالداهية تكتمل عندما نطلع على تقارير لأبرز المنظمات الحقوقية العالمية (منظمة العفو الدولية نموذجا)، ونجد إيران نفذت سنة 2013، مثلا، أزيد من 500 حالة إعدام منهم أطفال، ومنهم نشطاء من السنة، لتحتل بهذا الإنجاز العجيب المركز الثاني عالمياً بعد الصين، من حيث عدد الإعدامات، بالإضافة إلى هذا تقول منظمة "مراسلون بلا حدود" إن عشرات من الصحفيين والمدونين وراء قضبان السجون الإيرانية، ونستحضر هنا أساسا وفاة المدون ستار بهشتي في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2012 في أثناء احتجازه في مخفر للشرطة، وأن السلطات مستمرة في حجب المواقع الإلكترونية والتشويش على محطات البث الأجنبية، فهل بهذا السجل الأسود يمكن لإيران أن تقدم النموذج، وهي تنزل طموحها التوسعي؟

جانب آخر فضحه الحراك والثورات التي عرفتها المنطقة العربية، حيث وقفت إيران في وجه المطالب الشعبية، وهذا من غرائب هذا النظام، والأغرب أنها تقف إلى جانب نظام مستبد يقتل شعبه، وتبعث لهذا الغرض عناصر من الحرس الثوري لقمع المظاهرات السلمية في البداية، قبل أن تتحول إلى معارضة مسلحة، بفعل العنف الذي ووجهت به. ودعمت إيران، بقوة، انقلاب الحوثي باليمن على المكونات السنية الفائزة في انتخابات تلت الحراك الشبابي الذي أطاح علي عبد الله صالح، وشارك فيها تنظيم الحوثيين، وشهد العالم بنزاهتها، فكيف لدولة تريد أن تقود الأمة الإسلامية تقف إلى جانب أنظمة مستبدة، وتشجعها على قمع شعوبها الثائرة التواقة إلى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية؟

ملف آخر تعتبره الفئة المنبهرة بالمشروع الإيراني، هو المواجهة الإعلامية المستمرة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني، لتأتي أحداث عديدة، لتؤكد كذب هذه المواجهة، حتى إن هناك من يعتبر أن المواجهة إعلاميا، وعلى الأرض التنسيق والتفاهم هو سيد الميدان، بدءاً من الملفين، الأفغاني والعراقي، بعد اعتراف مسؤول إيراني كبير بأنه لولا إيران لما استطاعت الولايات المتحدة احتلال أفغانستان والعراق، وظهر ذلك جليا سنة 2003 عند احتلال العراق، ففي وقت الذي كان فيه المكون السني يواجه المحتل، كانت الفتاوى تخرج من النجف العراقية أو قم الإيرانية تحرم ذلك، حتى إن المكونات الشيعية الحاكمة في العراق لها علاقة بإيران، وكانت مختبئة في طهران، ودخلت إلى بغداد على ظهر دبابات أميركية. وتؤكد تقارير منظمات عديدة، أبرزها تقارير هيئة العلماء العراقية أن المليشيات التي لها علاقة بالحرس الثوري الإيراني كانت تعمل على تطهير المدن الكبرى من الوجود السني، وبكل الوسائل.

هل بهذه المواصفات تريد إيران أن تتولى ريادة العالم الإسلامي؟ فمن يريد القيادة عليه، أولاً، أن يثبت في بلده الديمقراطية والحرية والكرامة واحترام الآخر، وفتح الباب أمام الجميع، بما في ذلك المكون السني الذي يعاني في إيران، وإذا لم تحترم إيران هذا المكون بين ظهرانيها، فكيف ستحترمه في مناطق أخرى، ثم إن هناك دولاً إسلامية أخرى شقت طريقها بثباث نحو الديمقراطية والتوزيع العادل للثروة، وأصبحت نماذج يحتذى بها، وهي حتما لن تقبل بدولة مستبدة منغلقة أن تقود الأمة؟ في المحصلة، إيران خطر على الأمة، كما كانت تؤكد رموز إسلامية، وكنا نعيب عليها الأمر، إلى أن اتضحت الصورة أكثر وبوضوح، مع ربيع الأمة الذي انطلق سنة 2011.

B353BFBB-B4B3-4844-95C6-E9A6E882BB12
B353BFBB-B4B3-4844-95C6-E9A6E882BB12
عبد الله أفتات (المغرب)
عبد الله أفتات (المغرب)