عندما تُغيَّب السياسة بالدين: تبريرات الراعي مثالاً

عندما تُغيَّب السياسة بالدين: تبريرات الراعي مثالاً

30 مايو 2014
+ الخط -
ترتبط مواقف المؤسّسات والمرجعيات الدينية في المنطقة العربية ارتباطاً وثيقاً بأنظمة حكم، يدّعي بعضها العلمانية، وهي التي تبني مواقفها من قضايا المنطقة، بناءً على الموقف السياسي للنظام الرسمي. فإن احتلت أميركا بلداً عربياً كالعراق في العام 2003 مثلاً، تتباين مواقف المرجعيات الدينية، بل تتضارب وتتناقض، بحسب موقف النظام الحاكم في بلادها. كما حصل عندما حثّ مفتي سورية (السابق)، أحمد كفتارو، المسلمين في العالم كلّه على فعل ما في وسعهم من العمليات الاستشهادية لهزيمة العدوان الأميركي البريطاني الصهيوني على العراق. فيما أقال شيخ الأزهر (السابق) محمد سيد طنطاوي رئيس لجنة الفتوى في الأزهر، الشيخ علي أبو الحسن، والذي أفتى بوجوب قتال القوات الأميركية إذا دخلت العراق، و"إن دماء الجنود الأميركيين والبريطانيين تعد في هذه الحالة حلالاً، كما أن قتلى المسلمين يُعدون شهداء".
ويطرح هذا الأمر سؤالاً ملحّاً بشأن الموقف الديني السليم من هذه المسألة أو تلك، غير أن المسألة لا تنحصر في المؤسّسات الدينية الإسلامية، فللمرجعيات الدينية المسيحية مواقف أكثر جدلاً. لا تعبر كلها، بالضرورة، عن موقف النظام الرسمي، كما حدث مثلاً مع بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقصية الراحل، البابا شنودة، والذي رفض التطبيع مع إسرائيل، واتّفاقية كامب ديفيد التي وقّعها أنور السادات مع الكيان الصهيوني 1978، وتعرّض لتضييق كثير، بسبب هذا الموقف. بقي البابا شنودة ثابتاً ومصرّاً على موقفه الذي عبّر عنه في أكثر من مناسبة، كما في محاضرته في الإسكندرية في 23 يونيو/حزيران2001 إذ قال "التطبيع مرفوض، وزيارة القدس لا تكون إلا بعد تحريرها، ولن ندخلها إلا مع العرب والمسلمين جميعاً".
في المُقابل، وفي ظل ما تشهده سورية من عمليات قتل وتدمير ممنهج، أثار موقف البطريرك الماروني، بشارة بطرس الراعي، زوبعة من المواقف المستنكرة في فريق "14 آذار" اللبناني، والمؤيّدة في الفريق المقابل "8 آذار"، عندما دافع في سبتمبر/أيلول 2011، أثناء زيارته فرنسا عن النظام السوري، باعتباره حامياً للأقليات، وتبريره لسلاح حزب الله، عندما قال: "طالما هناك أراض لبنانية محتلة، فحزب الله سيستمر في القول إنّه يريد أن يحمل السلاح دفاعاً عن أرضه، فماذا نقول له حينذاك؟ ليس معك حق؟".
كانت هذه نقلة نوعية للبطريركية المارونية في بكركي، كمرجعية دينية مهمّة في المنطقة، خصوصاً إذا ما قورنت هذه المواقف بمواقف سلفه، مار نصر الله بطرس صفير، والذي كان قد أرسل في فبراير/شباط من العام 2000 ممثلاً عنه للتعزية بمقتل العميل عقل هاشم الذي طالته يد المقاومة آنذاك.
وفي سابقة لم تحدث منذ تأسيس الكيان الصهيوني، أعلن البطريرك، بشارة الراعي، نيته مرافقة البابا فرنسيس إلى الأراضي المقدّسة، يومي 24 و25 مايو/أيار 2014، ما أثار موجة عارمة من السخط والاستنكار في صفوف الفريق الذي دافع عنه الراعي في السابق من باريس، فها هي صحيفة "الأخبار" اللبنانية المقرّبة من حزب الله تكتب، تعليقاً على مقابلته في "فرنسا 24" قبلها بيوم: "قرّر الذهاب إلى فلسطين، وهي تحت الاحتلال. لا يكترث لكل ما ستخلّفه هذه الزيارة. أنا البطريرك. قالها أمس قبل أن يستقبله المجرمون على أبواب الأرض المحتلة". وذهب موقع "اسرائيل بالعربية" إلى أبعد من ذلك، عندما تساءل معلّقاً على انسحاب البطريرك من حواره مع ميشال الكيك: "هل على البطريرك الماروني الطلب من المسلمين الرخصة في زيارة أبناء طائفته في إسرائيل؟ هل ظل المسيحيون في الدول العربية أهل ذمّة حتى اليوم؟ لماذا التدخّل في شؤون الكنيسة المارونية الداخلية؟".
يُشار هنا، إلى أن البطريرك السابق، نصر الله صفير، والذي عزّى بمقتل العميل عقل هاشم، رفض زيارة سورية حين زارها البابا يوحنا بولس الثاني في العام 2001، مع أنّها أول زيارة لبابا إلى سورية. برّر ذلك فيما بعد في حلقة في برنامج "زيارة خاصّة" على "الجزيرة"، نشر في موقع القناة في 27/1/2009 بالتالي: "ليست مشكلتي وحدي هي مشكلة لبنان وسورية، نحن نقول إن لبنان وسورية جاران طبيعيان، ويجب أن يكون هناك تفاهم بين الجارين وتعاون، وهذا مرّت فترات في التاريخ، ولم يكن قائماً، ولذلك نحن نود أن يكون قائماً، وأن يحترم الجار جاره".
الموقف سياسي بامتياز، وهو يعني أن ذرائع الراعي الدينية لا قيمة لها، لا الآن، ولا قبلها، عندما دافع عن النظام السوري "كحامٍ للأقليات".

 
CF815EC1-F6DA-4B2D-B743-09400D243E46
CF815EC1-F6DA-4B2D-B743-09400D243E46
فيكتوريوس بيان شمس (سورية)
فيكتوريوس بيان شمس (سورية)