عمر سي... الشخصية المفضلة لدى الفرنسيين

عمر سي... الشخصية المفضلة لدى الفرنسيين

22 اغسطس 2016
لعمر سي تصريحات حادة في قضية آداما تراوري(فاليري ماكون)
+ الخط -
في مثل هذا الوقت من كل عام تنظم صحيفة "لوجورنال دي ديمانش" استفتاء عن الشخصيات المفضلة لدى الفرنسيين، والتي تنحدر من كل المجالات والاهتمامات.
هذه السنة تربَّع على القائمة، التي نشرت منتصف الشهر، الفنان الفكاهي والممثل الفرنسي عمر سي، وهو من أمّ موريتانية وأب سنغالي، بعد أن كان ترتيبه في السنة الماضية في المركز الثاني. واشتهر عمر سي، لدى أوساط الشباب والمراهقين بفضل مسرحياته الساخرة في القناة الرابعة (كنال بلاس)، قبل أن يحقق الشهرة في فيلم "المنبوذون"، الذي حقق واحدة من أهم إيرادات السينما الفرنسية في تاريخها. وخطف عمر سي، بفضل الدور الذي مثّله، جوائز عديدة، وفتحت له أبواب السينما الأميركية، فقرر أن يقيم، أخيرًا، في الولايات المتحدة الأميركية.
قبل الإعلان عن نتائج هذا الاستفتاء السنوي، كان ثمة بعض القلق من ترتيب عمر سي في قائمة الخمسين، التي تضم فنانين ولاعبين من مختلف الرياضات ورجال سياسة ونشطاء مجتمع مدني. وكان يُخشى أن يكون ترتيبُه أدنى مقارنة بالسنة الماضية، حيث كان الثاني بعد الملحن الموسيقي الفرنسي العالمي جان-جاك غولدمان.
ويعود سبب القلق هذا، إلى تصريحاته الحادة التي انتقدت موت الفرنسي-المالي أداما تراوري، في ظروف غامضة، أثناء اعتقاله من قبل رجال الشرطة. القضية أثارت جدلاً وأشعلت شعارات "حياة السود مهمة في فرنسا". كذلك موقف سي، فقد أثار ضجة على شبكات التواصل الاجتماعي ولا يزال بين مؤيد ومعارض. كما اشتد موقف المعارضين بعد ترتيبه في القائمة.
تجدر الإشارة إلى أن موقف الفنان بعيد عن الموارَبة والدبلوماسية التي تطبع مواقف الكثيرين. فقد اعتبر عمر سي الذي يُقدّم نفسَه باعتباره "فرنسيًا، نقطة على السطر. بغضّ النظر عن لون البشرة والدين"، أن "إحدى قِيم الجمهورية تمّ انتهاكُها، فطالبتُ بتطبيق العدالة في قضية تبدو لي ضبابية، بشكل غريب". وأضاف: "مرة أخرى، كانت الدولةُ في موقف مناقض للشعب. وهذا لم يعُد مقبولاً. وحتى نتأكد من وجودنا في دولة قانون، يجب اتخاذ القرارات الجيدة. وفي مناخ سياسي، مثل الذي نعيشه الآن، من المهمّ إظهار الحقيقة، كاملة، في حالة كهذه". واعتبر عمر سي أن "لا أحد، الآن، في المشهد السياسي الفرنسي يستحق أن ينال الثقة".
ويحظى عمر سي بشعبية جارفة بين أوساط الشباب ولدى النساء وفي الأوساط اليسارية أيضًا. فقد كان ترتيبه الأوّل لدى مصوّتي اليسار متفوقًا على منافسيْه الأقرَبَيْن: السياسية اليمينية سيمون فيل والملحن جان- جاك غولدمان. ولدى الرجال، جاء ثانيا بعد جان-جاك غولدمان. ولدى اليمين كان ترتيبه الثاني بعد غولدمان.
ومن "طرائف" قائمة الخمسين هذه، أنها تضمّ شخصيتَيْن من أصول عربية فقط، هما المذيع التلفزيوني من أصل مصري ناجي فام (المرتبة 12 وكان في المرتبة 22 في العام الماضي)، والفنان الفكاهي والممثل والمخرج الفرنسي المغربي جمال دبوز (37 بعد أن كان 41 في العام الماضي).
والطريف أيضًا أن برنار بيفو، صاحب البرامج الثقافية في فرنسا ("أبوستروف" وغيرها) وعضو لجنة تحكيم جائزة الغونكور حلّ في المرتبة 31 (كما كان العام الماضي). أما رجال السياسة الفرنسيون فكادوا يخرجون من القائمة، لولا أن الوزير الاشتراكي السابق روبرت بادنتر حلّ في الدرجة 47 يتبعه الرئيس الفرنسي السابق نيكولاً ساركوزي ثم رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق، ألان جوبيه، وأخيرًا اليساري/اليميني إيمانويل ماكرون.
وقبل سنوات طويلة، تربّع في المقام الأول، رجل الدين الراحل القسّ بْيير، بسبب إسهاماته الكبيرة في محاربة الفقر في فرنسا، منذ خمسينيات القرن الماضي، وتأسيسه جمعية لا تزال تعمل من بعد موته، تساعد مئات الآلاف على مقاومة الجوع والعري. وتشكّل عامل ضغط على مختلف الحكومات الفرنسية المتعاقبة. وتحرك الضمير الفرنسي ولا تزال. ولكن موقفا منه إلى جانب الفيلسوف المسلم رجاء غارودي، الذي كان مُحَارَبا من قبل وسائل الإعلام الصهيونية، لم يَغفرْ له كُلَّ عمله الإنساني، ودفع به إلى الانزواء قبل أن يموت في شبه صمت.
أعقب بْيير عبقري كرة القدم الفرنسي، زين الدين زيدان، الذي ساهم بشكل كبير في حصول فرنسا على كأس العام لكرة القدم لأول مرة. وظل زيدان خلال فترة طويلة يتربع على الدرجة الأولى، خصوصًا أنه لا يُعرَف عنه أي موقف سياسي واجتماعي، كما يفعل رياضيون وفنانون كثيرون آخرون، إضافة إلى أن "اندماج" الرياضي في المجتمع الفرنسي نموذجي. فهو متزوج من إسبانية وأبناؤه يحملون أسماء "فرنسية"، كما يروق للصحافي العنصري صاحب كتاب "الانتحار الفرنسي"، إيريك زمور، أن يقول، أي أسماء مسيحية.
ثم جاء دور لاعب التنس والمغني الفرنسي الكاميروني، يانيك نوّا، الفرنسي الوحيد الجائز على كأس ديفيس لكرة التنس، فتربَّع لسنوات على نفس المركز الأول. ولكنّ مواقف الرياضي والفنان غالبًا ما تزعج كثيرا من رجال السياسة ومنتخبيهم. فهو لا يُخفي ميوله الاشتراكية. وهدَّد أكثر من مرّة بمغادرة فرنسا في حال فوز نيكولا ساركوزي بالانتخابات الرئاسية. وبعدها ساند مُواطنَه الفرنسي الكاميروني، الفنان الفكاهي الساخر ديودونيه في مِحنه ومعاركه مع القضاء الفرنسي وضدّ اللوبي الصهيوني وضدّ كل الطبقة السياسية تقريبًا، من ساركوزي إلى رئيس الوزراء مانويل فالس إلى الرئيس الفرنسي الحالي فرانسوا هولاند.




دلالات

المساهمون