يحاول عراقيون التصدي للأخبار الزائفة التي باتت وباء يجتاح العالم أخيراً، مدركين تأثيراتها السلبية على صحتهم النفسية وعلى سلامة وأمن مجتمعاتهم، وبينهم الصحافي ماجد الكعبي الذي ينشط في هذا المجال، بالتعاون مع جهات رقابية متخصصة بالإعلام الرقمي في وزارة الداخلية العراقية، وفق ما بيّن لـ "العربي الجديد". وقال الكعبي إن "أخباراً زائفة عدة تلقى رواجاً واسعاً في البلاد، وتتسبب في رفع مستوى الحقد على الآخر أو تؤجج العنف والتطرف".
كان مدير قسم مكافحة الشائعات في دائرة العلاقات والإعلام في وزارة الداخلية العراقية، العقيد زياد القيسي، أكد في فبراير/شباط الماضي أن الوزارة أغلقت أكثر من 800 موقع إلكتروني مخصص لنشر الشائعات والأخبار الكاذبة التي تثير الذعر لدى المواطنين.
وأمام سيل الأخبار الزائفة، برز حساب "التقنية من أجل السلام" على موقع "فيسبوك" للتصدي للإشاعات، ويتابعه نحو مليون شخص، كاسباً ثقة العراقيين بالأدلة والتوضيحات التي يقدمها في مهمته. وأوضح المتحدث باسم الحساب، بحر جاسم، في حديثه لـ "العربي الجديد"، أنه وأصدقاءه كانوا يتصدون للأكاذيب والإشاعات التي تتناقلها مواقع التواصل الاجتماعي عبر حساباتهم الشخصية، ثم قرروا توحيد الجهود لتوسيع نطاق العمل، ليتأسس حساب "التقنية من أجل السلام" قبل أربع سنوات. وأوضح جاسم أن سير العمل لم يكن ميسراً في البداية، إذ واجهوا اتهامات من بعض المتابعين وتشكيكاً بنواياهم، قبل أن ينالوا ثقتهم ويصبح الحساب مرجعاً للتأكيد من الأنباء المتداولة.
وقال إن الصفحة تصل لها حالياً ألفا رسالة على الأقل أسبوعياً، يطلب أصحابها التأكد من خبر معين، "فنوضح لهم حقيقة الخبر ونزودهم بالمصادر". وأفاد بأنه وباقي أعضاء الفريق يستخدمون أدوات ومواقع مختلفة للتحقق من الوقائع والصور ومقاطع الفيديو وكشف احتمال التلاعب بها. واعتبر أن "الإشاعات تفتك بالمجتمع، لذلك أخذ الفريق على عاتقه التصدي لها، لنزع فتيل الفتنة والطائفية"، موضحاً أن "الأشخاص اليوم يكتبون لنا، ويقولون إن حساب (التقنية من أجل السلام) كان له دور كبير في تخفيف تأثير الاحتقان داخل المجتمع".
من خلال تحقيق حول صورة، تمكن جاسم وفريقه من إنقاذ شخص اعتقل بتهمة الإرهاب في الموصل (شمال). وأوضح جاسم أن صورة رجل من سكان الموصل انتشرت على مواقع التوصل تفيد بأنه إرهابي من تنظيم "داعش" واعتقل، "لكن بعد أن تحققنا من الصورة اكتشفنا أن صاحبها ليس الشخص المطلوب، وأكدنا هذا بالأدلة التي أدت إلى تبرئة المتهم". وأضاف "حين أفرج عنه جاء يشكرنا... أصبح من أهم مسؤولياتنا أن نحافظ على حياة المواطنين أيضاً، وليس فقط الاكتفاء بتكذيب الإشاعات المتداولة".
وأفاد جاسم بأن الفريق دأب عام 2016 على كشف حسابات تعود لتنظيم "داعش" الإرهابي وإبلاغ السلطات المعنية عنها، لافتاً إلى أن جهودهم كانت تثمر عن إغلاق ما لا يقل عن 70 حسابا يومياً للتنظيم على موقع "تويتر".
ومع انتشار فيروس كورونا الجديد، لفت بحر جاسم إلى أنهم يتحملون مسؤولية كبيرة لكشف الإشاعات التي تنتشر على مواقع التواصل بخصوص الوباء الذي أثار الذعر بين المواطنين، معتبراً أن "الإشاعات أخطر من الفيروس نفسه، وحين تنتشر معلومات خاطئة تزيد من خوف الأشخاص. نحن لا نقلل من خطورة كورونا، ولكن لا يجوز أن نتعامل مع هذا الوباء بمصادر كاذبة أو إشاعات مختلفة".
كانت "منظمة الصحة العالمية" قالت إن ظاهرة انتشار المعلومات الخاطئة المصاحبة لوباء فيروس كورونا الجديد، الناتجة من خلط الحقائق وترويج الشائعات والأخبار الزائفة، لا تقل خطورة عن الفيروس نفسه. وقد أطلقت منظمة الصحة عليها اسم "الجائحة المعلوماتية".
زهراء عبد الحميد، وهي موظفة في وزارة الصناعة، كشفت لـ "العربي الجديد" أنها رغم حصولها على شهادة جامعية، فإنها تخدع باستمرار بأخبار تكتشف لاحقاً أنها مزيفة. وقالت عبد الحميد: "أغضب أحياناً، وفي مرات عدة نشبت بيني وبين زملائي خلافات بسبب أخبار تتعلق بأمور مجتمعية حساسة منها عقائدية، اكتشف فيما بعد أنها لم تصدر من الجهة المعنية وأنها ملفقة". في حين رأى المواطن العراقي، قصي الشيخلي، أن شيوع وسائل التواصل الاجتماعي أكبر مصدر لنشر الشائعات بأسرع وقت، قائلاً لـ "العربي الجديد" إنه يتلقى في اليوم الواحد، عبر "واتساب" وتطبيق "ماسينجر" من "فيسبوك"، صورا ومقاطع فيديو وأخبارا عدة، "بعضها يغضبني كثيراً حين أكتشف زيفه. ما يؤسفني أن البعض يجعل من مواقع التواصل وسيلة لنشر الكراهية".