عامان على رئاسة السيسي... حريّة الإعلام في خبر كان

عامان على رئاسة السيسي... حريّة الإعلام في خبر كان

08 يونيو 2016
"الخط الأحمر" يُكمّم أفواه الصحافيين (Getty)
+ الخط -
البداية كانت في نهايات 2013، بحديثٍ منسوب لوزير الدفاع المصري آنذاك، والرئيس حالياً، عبد الفتاح السيسي، عن "أذرع إعلامية ممتدة في وسائل الإعلام للسيطرة على محتواه، تجبرها على السير على السطور التي وضعها من أجل إتمام خارطة الطريق"... والنهاية كانت بحوار السيسي منذ أيام مع الإعلامي المصري، أسامة كمال، حيث قال صراحة "إن الإعلام يحتاج لضبط إيقاع".

يُلخّص حديث السيسي عن الإعلام في الفترة ما بين 2014 وحتى 2016، كثيرًا ممّا آل إليه وضع الإعلام المصري من "سيطرة وتحكم وضبط إيقاع"، وهو الذي أكمل سنتين من فترته الرئاسيّة بأزمات عدة مع الصحافة والإعلام... لا بل بقمع صُنّف في التقارير الحقوقيّة على أنّه "غير مسبوق بتاريخ مصر".

مصادرة الضحك
البداية كانت مع الإعلامي الساخر باسم يوسف، الذي أوقفت السلطات المصرية برنامجه "البرنامج" تمامًا بعد حلقات معدودة من إذاعة موسمه الجديد على قناة "إم بي سي مصر"، في يونيو/حزيران 2014.

وفي يومي 21 و22 فبراير/شباط 2016، حجبت صحيفة "الأهرام" القومية المصرية، كاريكاتيرًا للفنان أنس الديب، وهي الواقعة التي تكررت بعد ذلك معه كثيرا، إلى أن تم منعه نهائياً من النشر في "الأهرام".

كما ألقت قوات الأمن المصرية، القبض على الفنان الشاب، إسلام جاويش، صاحب فكرة "الورقة"، بتهم "إهانة رئيس الجمهورية، وإدارة موقع بدون ترخيص، وبث بيانات على شبكة الإنترنت على غير الحقيقة، وبدون الحصول على إذن من وزارة الاتصالات، وحيازة برامج مقلدة ومنسوخة"، في 31 يناير/كانون الثاني الماضي، قبل أن يُخلى سبيله.

أزمات إعلاميي السلطة
في حلقة 16 يوليو/تموز، من برنامج "صباح أون"، انتقدت أماني الخياط دورَ المغرب في القضية الفلسطينية، ووصفت اقتصاد المملكة بأنه قائم على "الدعارة"، وأن ترتيب المغرب متقدم بين الدول المصابة بالإيدز، الأمر الذي أحدث أزمة دبلوماسية بين مصر والمغرب آنذاك.
أزمة أخرى قادها عدد من الإعلاميين مع الأراضي المحتلة في فلسطين، حيث تهكم عدد من الإعلاميين المصريين ومقدمي البرامج، على ثورة السكاكين باعتبار أن "سكاكين المطبخ لن تحرر فلسطين"، كما قال الإعلامي والكاتب، إبراهيم عيسى، على سبيل المثال لا الحصر.

وانحرفت العديد من وسائل الإعلام المصرية في وصف ما يدور في الأراضي المحتلة. فوضعت قناة "الفراعين" الفضائية الخاصة، في شريطها الإخباري نبأ "استشهاد مستوطنين إسرائيليين وإصابة اثنين آخرين طعنا في القدس". بينما نشرت قناة فضائية خاصة أخرى، تقريرًا بعنوان "موجة الإرهاب الفلسطيني تجتاح إسرائيل".
أما الإعلامية المصرية دينا رامز، فاختارت من قاموس مصطلحاتها: "أقول للصراصير من حركة حماس، فكروا كدا بس اتمشوا ناحية الحدود المصرية، فسيكون الرد موجعا وفي أماكن حساسة.. الصراصير عندنا يا بتترش.. يا بتضرب بشبشب.. زنوبة، وبوردة" في واحدة من حلقاتها، لتعمق الأزمة مع فلسطين وحماس من جديد.

وأغلقت الإعلامية رانيا البدوي، الهاتف في وجه السفير الإثيوبي بالقاهرة، الذي كان يجري مكالمة هاتفية معها، ما أحدث حالة من الاستياء خاصة في ظل توتر العلاقات بين مصر وإثيوبيا على خلفية النزاع حول إنشاء سد النهضة.

وعن سورية، وجّه المذيع المصري المرافق للسيسي، في أغلب جولاته، يوسف الحسيني، رسالةً للاجئين السوريين في مصر بعدم التدخل في الشأن المصري قائلاً "تتدخل في شأن مصر، هتاكل ثلاثين جزمة في وسط الشارع، ومش بالقانون ولا حاجة، المصريين هيعملوا معاك أحلى واجب ويلبسوك الطرحة بتاعت مرشدكم". واستفاض الحسيني عندما قال: "لو إنت دكر، تاخد بعضك وترجع على سورية، إنما جاي لا مؤاخزة زي النتاية هربان وديلك في سنانك، وجاي هنا تعملي راجل! لا.. أظبط".

الأمر نفسه تكرر خلال أسابيع ماضية، في برنامج "بني آدم شو"، حيث أفرد مقدمه، أحمد آدم مساحةً من التهكم والسخرية والإهانة للشعب السوري لمأساة إحراق حلب، أسفر عن اعتذار رسمي من القناة التي تعرض البرنامج "الحياة"، عما بدر في الحلقة من إهانة لوجع السوريين.

تيليفون من جهة سيادية
نشرت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان المصرية، تقريرًا مجمعاً لوقائع وقف الطباعة ومصادرة الصحف وقرارات منع الصحافيين والإعلاميين، تحت عنوان "تيليفون من جهة سيادية".

وأشار التقرير إلى أنه مع النظام الناشئ عن تفاهمات يوليو/تموز في عهد الرئيس المؤقت عدلي منصور ثم في أعقاب انتخاب الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، استعادت السلطة ما تمتعت به سابقًا في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، من تكامل وتوافق تام بين أجهزتها الأمنية وبين المؤسسات الصحافية المملوكة للدولة، وعادت الأوامر الشفهية بالتيليفون من جهة سيادية مجهولة لتلعب دورها السابق في حجب الصحف عن الصدور، في حين يبقى اللجوء للمصادرة المباشرة أمرًا نادرًا "تمليه ظروف خاصة". ورصد التقرير 13 واقعة حجب ومصادرة صحف في المطابع قبل طبعها. ومن حيث التضييق على الكتاب، وثّق التقرير عددًا كبيرًا من وقف نشر مقالات أو حجبها أو الاعتذار للكاتب عن الكتابة، أو إلغاء عمود صحافي في عدد من الصحف المصرية.

"ظاهرة" المانشيت الموحد
خرجت صحف مصرية في أعقاب أحداث جسام، أكثر من مرة، بمانشيتات رئيسية موحدة، تبدو للقارئ وكأنها "توجهات عليا".
البداية كانت مع مانشيت "مصر تستيقظ" عقب اليوم الأول من المؤتمر الاقتصادي الذي عقدته الحكومة المصرية في شرم الشيخ في مارس/آذار 2015.

ثم توحدت المانشيتات ثانية مع خبر "تسلم السلطات المصرية، الإعلامي المصري، أحمد منصور، بعد ترحيله من ألمانيا"، قبل إعلان السلطات الألمانية الإفراج عنه بساعات.
والمانشيتات الموحدة ظهرت في الصحف المصرية، أيضًا في عنوان "الإرهاب يغتال محامي الشعب"، في الطبعات الأولى من الأعداد الصادرة اليوم بتاريخ 30 يونيو/حزيران، تعقيبا على حادث اغتيال النائب العام المصري، هشام بركات.

وأخيرا.. تكررت نفس الظاهرة "المصادفة"، في تغطية فعاليات تظاهرات 25 إبريل/نيسان الماضي، حيث خرجت الصحف بمانشيت شديد التقارب، "الميادين للمؤيدين.. والأمن في انتظار المتظاهرين".

اقتحام نقابة الصحافيين.. مايو الأسود
وفي سابقة هي الأولى من نوعها منذ تاريخ تأسيس نقابة الصحافيين المصريين، اقتحمتها قوات الشرطة، في الأول من مايو/أيار الماضي، لاعتقال الصحافيين عمرو بدر، رئيس تحرير بوابة "يناير"، ومحمود السقا، الصحافي في نفس البوابة، الأمر الذي ردت عليه النقابة باجتماع جمعية عمومية حاشد طالبت فيه بإقالة وزير الداخلية، واعتذار مؤسسة الرئاسة، فضلا عن عدة قرارات تصعيدية التزمت بها صحف في اليومين التاليين للاجتماع، ثم تخلى معظم الصحف عنها عقب تهديدات أمنية بالغة.

وتسود حالة من الاحتقان بين الصحافيين ووزارة الداخلية المصريتين، على خلفية الاقتحام وما تلاه من وقائع. وقادت منظمات حقوقية دولية ومصرية، موجةً عارمة من الشجب والإدانة، ضد قرار حبس نقيب الصحافيين المصريين، يحيى قلاش، وعضوي مجلس النقابة، خالد البلشي وجمال عبد الرحيم، وإحالتهم لمحكمة الجنح، على خلفية استدعائهم للنيابة في واقعة اقتحام مقر نقابة الصحافيين، بتهمتي "إيواء أشخاص مطلوبين لدى الجهات القضائية ونشر أخبار كاذبة عن واقعة إلقاء القبض على الصحافيين عمرو بدر ومحمود السقا".


السجان الأكبر
أواخر مارس/آذار الماضي، أشار تقرير صادر عن منظمة "مراسلون بلا حدود"، إلى أن "أوضاع الصحافيين في مصر، غير مقبولة"، حيث صنّفت المنظمة، مصر، في المركز 158 من إجمالي 180 دولة حول العالم، في مرصد حرية الصحافة الذي تصدره المنظمة سنويًا.
وأشار التقرير إلى أنّ مصر هي واحدة من أكبر السجون في العالم بالنسبة للصحافيين، وأن المدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين في مصر يتعرضون باستمرار إلى الترهيب والرقابة وموجات من الاعتقالات.
كما وضعت مصر، في مُؤشر حرية الصحافة، تحت فئة "صعب"، لتفصلها مراكز قليلة عن فئة "وضع خطيرٍ جدًا" من بين خمس فئات، هي بالترتيب: "وضع جيد"، و"وضع جيد إلى حد ما"، و"وضع حساس"، و"وضع صعب"، و"وضع خطير جدًا".

ويعتبر عدد الصحافيين في السجون المصرية الأعلى على الإطلاق منذ العام 1990، بحسب تقرير لـ"اللجنة الدولية لحماية الصحافيين". وفي ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، أصدرت CPJ، مؤشرها لوضع الصحافة في العالم، أشارت فيه إلى أنّ مصر تحتل المركز الثاني عالميًا في سجن الصحافيين، باعتقالها 23 صحافيًا آنذاك.
التقرير ذاته والذي حمل عنوان "الصين ومصر تسجنان أعدادًا قياسية من الصحافيين"، أكد أن مصر شهدت التدهور "الأشد سرعة" في حرية الإعلام، بعدد صحافيين سجناء بلغ 23 صحافيًا في 2015، مُقارنة بـ12 صحافيًا عام 2014، في الوقت الذي لم يُسجن فيه أي صحافي في مصر خلال عام 2012، بحسب اللجنة، التي لفتت إلى أن السيسي يواصل استخدام حجة الأمن القومي، بغية قمع المعارضة.

أما منظمة "فريدوم هاوس" الأميركية، فقد وضعت مصر تحت تصنيف "غير حر" لعام 2016، بحصولها على 27 نقطة من 100، في وضع "الحرية"، فيما حصلت على 77 نقطة من 100، في وضع "حرية الإعلام".



المساهمون