ضانا الأردنية تحوّلت إلى محمية بعد هجرة أهلها

ضانا الأردنية تحوّلت إلى محمية بعد هجرة أهلها

21 اغسطس 2017
صارت ضانا محمية طبيعية ومقصداً للسائحين (العربي الجديد)
+ الخط -


في عام 1992 غادر آخر سكان قرية ضانا الأردنية بيوتهم، لتنتهي قصة 500 عام من الاستيطان البشري في قرية نبتت حجارتها بين البساتين أعلى قمة جبل، حرمت جغرافيته القاسية السكان من الخدمات التي تتكفل بقدرتهم على الاستمرار.

تركت البيوت الحجرية لتواجه مصيرها المحتوم، فأعمل الإهمال بالتواطؤ مع عوامل الزمن فعله، ليحيل العديد من البيوت أنقاضا أو شبه أنقاض، وسلمت الطرقات للوحشة وكادت تنسى إيقاع خطوات البشر.

ما زال يذكر آخر الراحلين من القرية التابعة لمحافظة الطفيلة (180 كيلومتراً في جنوب غرب العاصمة الأردنية عمّان)، حياتهم السابقة في ضانا التي بدأ نزيف الهجرة منها نهاية ستينيات القرن الماضي باتجاه قرية القادسية القريبة.

يقول عامر الخوالده، عن 22 عاماً عاشها في القرية: "كانت عيشة جميلة بما حملته من ودٍ وتراحم وأخوّة بين الأهالي، العيشة على البركة، الناس تتساعد في موسم الحصاد وجني الثمار، وتتعاون في بناء البيوت". ويستطرد "لكنها كانت قاسية، الطرق كانت معدومة والدواب وسيلة التنقل الوحيدة، التيار الكهربائي وصل في عام 1993 بعد أن غادر الجميع، الحصول على التعليم والصحة يتطلب مشقة كبيرة". ويبلغ عدد منازل القرية 400، شيدت من الحجارة والطين والتبن إضافة إلى الخشب.

الخوالده، الذي غادر القرية طمعاً بالخدمات المتوفرة بالمناطق الحضرية، عاد إلى القرية في 1994 رئيساً لجمعية أبناء ضانا والقادسية التعاونية، التي تأسست في ذلك العام، بعد أن أعيد اكتشاف القرية قبل أن تندثر وتنزوي في كتب التاريخ.

وساهمت في إعادة اكتشاف القرية التي أعيد ترميمها حركة السياحة البيئية، التي نشطت بفعل تأسيس الجمعية الملكية لحماية الطبيعة محمية ضانا الطبيعية الملاصقة حدودها للقرية.

وتأسست المحمية في عام 1989 على مساحة تبلغ 292 كيلومتراً مربعاً، غير أن العمل انطلق في العام 1994 بعد أن وضعت خطة لإدارة المحمية وجذب السياحة البيئية. وحسب إحصائيات الجمعية الملكية يبلغ متوسط عدد السائحين السنوي 120 ألفاً سنوياً مقارنة بـ500 شخص فقط قبل إنشاء المحمية.


منازل القرية ضمن المحمية (فيسبوك) 





مع بواكير وصول السائحين، أنشأت جمعية أبناء ضانا والقادسية في عام 1996 أول فندق في القرية. يقول الخوالده: "قبل المحمية كانت الزيارات قليلة وتقتصر على الباحثين والدارسين. المحمية منحت القرية طابعاً عالمياً، زادت الزيارات وأقبل السياح، فكان من الضروري توفير خدمات مناسبة لهم". يتكون الفندق من 10 غرف قديمة، جرى الحفاظ خلال عملية ترميمها على طرازها المعماري من الخارج، لكنها زودت من الداخل بخدمات تواكب روح العصر.

"السائح يأتي إلى هنا ليعيش طابع القرية القديمة، ويتمتع بالطبيعة (..) الحفاظ على روح القرية هو مصدر حياتنا"، يقول الخوالده، مبيناً أن برنامج الزيارة يشمل حفلاً فلكلورياً، ويتضمن طعاماً تقليدياً، وجولات في المسارات القديمة التي كان يعبرها الرعاة.


منازل ضانا بعد الترميم(فيسبوك) 


تنامي الحركة السياحية شجع مُلّاك البيوت المهجورة على ترميمها للاستفادة منها بما يحقق لهم دخلاً مالياً. وتضم الجمعية التعاونية 100 عائلة، فيما يبلغ عدد الغرف المستخدمة لإغراض السياحة في القرية 120 غرفة فندقية، إضافة إلى البازارات الشرقية والمطاعم ومقاهي الإنترنت.

تعرضت القرية في عام 2011 لهجمة من مستثمرين خططوا لامتلاكها وتحويلها إلى منتجع سياحي، وشجعت الأثمان الباهظة التي عُرضت بعض الملاك على بيع بيوتهم، لكن الخطة انتهت بعد مقاومة غالبية الملاك لبيع بيوتهم، يقول الخوالده.

طبيعة ضانا الجاذبة للسياح (فيسبوك) 


في العام ذاته حدثت طفرة في عملية ترميم القرية، عندما قامت الجمعية الملكية لحماية الطبيعة، وبدعم من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، باستملاك المباني المهجورة وترميمها، لكن المشروع الذي أعاد إحياء القرية بغالبية عناصرها، لا يلاقي ترحيباً كبيراً. ويقول الخوالده: "الترميم جرى بشكل عشوائي، رممت مناطق متفرقة، لم يأخذوا رأي المجتمع المحلي خلال وضع المخططات فابتعد الترميم عن روح المكان ليخلف تشوهاً بصرياً وعمرانياً (..) سقوف بيوت القرية كانت متقاربة وأصبحت متباينة الارتفاعات، لم تعد هناك فسحات أمام البيوت".

وتعرضت النهضة السياحية التي عاشتها القرية لهزات نتيجة لتراجع الحركة السياحية في الأعوام الأخيرة، بفعل الاضطرابات التي عاشتها المنطقة، وهو ما حرض على اجتذاب السياحة المحلية والعربية، من خلال عروض تشجيعية، حتى لو لم تحقق إرباحاً، كما يقول الخوالده، الذي يبين أن الموسم السياحي الحالي مبشر أكثر من سابقيه.

هجرها آخر سكانها عام 1991 لانعدام الخدمات فيها (فيسبوك) 


السنوات الفاصلة بين هجران القرية واستثمارها، لم تتكفل بمحوها نهائياً من وجدان سكانها، إذ يواصل العديد منهم زيارة منازلهم بشكل متقطع، والإقامة فيها لأيام قليلة، كما يعودون في أشهر الربيع والخريف إليها لجني ثمار العنب والرمان والتين والجوز من البساتين التي لا تزال ملكية مشتركة، وهو ما يكفي للحفاظ على قلب القرية نابضاً وعصياً على الموت، يقول الخوالده.


دلالات

المساهمون