صراع ثنائي ممتد

08 نوفمبر 2014
+ الخط -

(1)

أتت نتيجة الانتخابات التونسية الأخيرة لتؤكد مرة أخرى أن الصراع السياسي الحقيقي في المنطقة العربية ما زال محصوراً بين تيارين أساسين هما التيار الإسلامي (وخصوصاً الإخوان المسلمين) من جهة وتيار دولة ما بعد الاستعمار من جهة أخرى.

انحصرت المنافسة فعلياً في الانتخابات البرلمانية التونسية بين حزب "نداء تونس" الذي يعد امتداداً للدولة التونسية التي أنشأها بورقيبة بعد الاستعمار الفرنسي، وحزب النهضة الممثل للتيار الإسلامي (الإخوان المسلمين)؛ حيث حصل الأول على حوالي 38 % من المقاعد البرلمانية، في حين حصل الثاني على حوالي 32 % من تلك المقاعد.

كل ما عدا ذلك من قوى سياسية علمانية كانت أو سلفية أو شبابية أو قومية أو غيرها حصلت مجتمعة على حوالي 20 % من المقاعد (مع العلم أن بين هذه المقاعد ما يمكن حسابه على تيار دولة بورقيبة أو ما يمكن حسابه على المال السياسي ليس أكثر)؛ بما يؤكد أن تلك القوى ما زالت بعيدة تماماً عن فكرة المنافسة السياسية أو التجذر داخل المجتمع التونسي.

(2)

ما حدث في مصر منذ جولة الإعادة الرئاسية في يونيو 2012؛ يؤكد عودة الصراع مرة أخرى إلى أرضية التنافس بين التيار الإسلامي الذي كان ممثلاً وقتها في محمد مرسي (مرشح الإخوان المسلمين)، وتيار دولة "يوليو 52" الذي مثله أحمد شفيق، وأن ما عدا ذلك من قوى انحصر دورها في تأييد أحد الطرفين لا أكثر ولا أقل.

في الحقيقة لم يشجع العدد الكبير من المصريين في الثلاثين من يونيو على النزول إلا الإحساس (أو اليقين) بأن الدولة المصرية (وعلى رأسها القوات المسلحة) تسعى إلى عزل مرسي وإزاحة الإخوان عن سدة الحكم.. لم تكن النسبة الأكبر من تلك الجماهير لتنزل إلى الشارع مطالبة بتنحي مرسي بناء على دعوة من جبهة الإنقاذ (التيار العلماني) أو حزب مصر القوية (التيار الوسطي) أو الشبابي الثوري (6 أبريل وغيرها)، ولكنها نزلت لأنه قد ظهر عند تلك الغالبية من الجماهير أن الدولة المصرية (على رأسها القوات المسلحة) قد باتت في الصف المقابل للإخوان المسلمين، وأن نزولها سيحسم الصراع لتلك الدولة.

أكد سير الأحداث في مصر بعد الثالث من يوليو على الثنائية الحصرية لهذا الصراع، وأن التيار العلماني (المدني) الذي شارك في تشكيل حكومة الببلاوي لم يكن إلا ورقة تم الاستغناء عنها تدريجياً بكل بساطة ودون مقاومة تذكر بعد ذلك، وهو ما تجلى في عدة مظاهر كان أبرزها انسحاب البرادعي بعد فض رابعة الدموي الذي حدث دون تأثير يذكر على مجريات الصراع، وما ظهر في انتخابات الرئاسة التي حصل فيها حمدين صباحي على أقل من 3 % من عدد الناخبين (أقل من نسبة المبطلين لأصواتهم).

(3)

نظرة سريعة على هوية الفاعلين على أرض الصراع السياسي في سورية واليمن وليبيا وقبلهم الجزائر، تؤكد أن الصراع ما زال ثنائياً ومحصوراً في التيار الإسلامي من جهة، ومنظومة دولة ما بعد الاستعمار من جهة أخرى.

(4)

كل ذلك يؤكد أننا ما زلنا في أتون صراع ثنائي ممتد منذ عشرات السنين، وأن الربيع العربي قد فشل ــ حتى هذه اللحظة ــ في إنتاج قوى سياسية جديدة قادرة على التأثير الفعال في المشهد السياسي في المنطقة العربية.

كما يؤكد ذلك أيضاً أن الصراع في المنطقة العربية ليس في حقيقته صراعاً إسلامياً علمانياً بالمعنى التقليدي، ولكنه صراع بين التيار الإسلامي الذي يريد أن يغير شكل الدولة القائمة إلى ما يسمى بالدولة الإسلامية (التي لم يُقدم لها ملامح واضحة أو أفكاراً راسخة حتى الآن)، وبين منظومة الدولة التي قامت بعد الاستعمار في المنطقة العربية.

avata
avata
محمد المهندس (مصر)
محمد المهندس (مصر)