صراع بين الشرق والغرب

16 يناير 2015
+ الخط -

العلاقة بين الشرق والغرب قديمة، شائكة وتحكمها تراكمات التاريخ، وهي تراكمات في أغلبها متخمة بالتوتر، والغضب، والسوداوية. كان الغرب يسعى، طوال الوقت، إلى بناء إمبراطوريات، تكفل لشعوبه حياة متميزة، وكان الشرق أرضاً مناسبة لهذه التوسعات.
الغرب، أيضاً، ينظر إلى شعوب الشرق على أساس أنها شعوب همجية، تسعى لإزعاج وجوده على الأرض ولم تكن النظرة بالتالي من الشرق إلى الغرب إلا ردّاً على من وصفه بـ"المستعمرالغازي"، و"الذي يسعى إلى الهيمنة على مقدراتنا".
كانت العلاقة، في أبسط أشكالها، علاقة حذر، وتربص وانتظار لما يمكن أن يحصل من الطرف الآخر. هذا الحذر كان ينقلب إلى ما يمكن وصفه بمواجهة بين الطرفين، وهو الأمر الذي يلخص ما يجري بعد أحداث "11 سبتمبر". والأسئلة التي تنبت على حواشي الواقع:
-ترى، ما الذي يمكن أن تسفر عنه المواجهة، الدائرة الآن، بين طرفين، كل منهما يرى (حسب تعبير هيغل) أنه على حق، ويدافع عن أفكاره؟
وما التأثيرات التي يمكن أن تخلفها هذه المواجهة على الساحة الثقافية العربية؟ وقبل ذلك: هل هناك، بعيداً عن الأفكار الفضفاضة، حلول لرأب الصدع الذي ظهر بينهما؟
لقد غدت العلاقة بين الشرق والغرب علاقة إرهاب متبادلة، تختلف الوسائل، لكن المعنى الدامي والتدميري واحد، سواء كان باجتياح من الطائرات الأميركية لشعب أعزل، يفترش التراب في"أفغانستان"، أو كان بالقصف المدمر للعاصمة العراقية، بغداد، أو كان بما حدث من تدمير مؤلم للذات والآخر بالاختراق المفاجئ لثلاثة من أجساد أميركية: جسد المال ممثلاً في مبنى التجارة العالمي، العقل العسكري المدبر "البنتاغون"، وتهديد الكيان السياسي ممثلاً في "البيت الأبيض".
في بداية القرن الجديد، تحولت العلاقة بينهما إلى علاقات نهش وإبادة، وهي، باختصار، "هستيريا معاصرة"، تقطر دماً وخراباً، لم تكن العلاقة على هذا النحو في أي مراحل التاريخ، ربما كان الحوار بينهما داميّاً، إلا أن ما يجري يمثل لحظة تاريخية أكثر تعقيداً وعنفاً، فاللحظة الراهنة، إذن، أقرب إلى لحظة عمياء، وحين تكون هذه اللحظة مدججة بأحدث أنواع التقنيات وأسلحة الدمار المتنوعة، فإنه يمكن تأكيد نبوءات نستر داموس التي تؤكد أن القيامة قد تقوم الآن، ويُدمر العالم نفسه بأحقاده المتبادلة.
المطلوب أن تحدّق الحضارة الغربية "المنتصرة-المنكسرة" في ذاتها، وتطرح على نفسها سؤال التوازن والجوهر، القوة بلا أخلاق عمياء، وإذا كانت قادرة على تدمير الآخر بيد، فهي ستبدأ بنفسها أولاً.
والمطلوب، أولا وأخيراً، أن يتنفّس العالم مزيداً من هواء التوازن.
هذا لب المسألة.

avata
avata
محمد المحسن (تونس)
محمد المحسن (تونس)