صراع الطاقة يرتدى عباءة السياسة في أوكرانيا

صراع الطاقة يرتدى عباءة السياسة في أوكرانيا

28 مارس 2014
+ الخط -

ربما تكون السياسة والشعارات غطاء للمصالح الحقيقية، التي تشكل جوهر الصراع بين الغرب وروسيا في أوكرانيا.
ما يحدث على أرض الواقع، وفي جزء كبير منه، هو صراع على الطاقة، تخوضه روسيا نيابة عن شركة "غازبروم" الروسية العملاقة مع أميركا، التي تدافع عن مصالح شركة "شيفرون" التي وقعت اتفاقات ضخمة للسيطرة على مكامن الغاز الصخري في أوكرانيا.
وقد بلغت قيمة إحدى الصفقات، التي وقعت حديثاً مع أوكرانيا 10 مليارات دولار.
من هذا المنطلق يمكن القول: إن الصراع بين الولايات المتحدة وأوروبا الغربية ضد روسيا حول أوكرانيا، في جوهره أو على الاقل في جزء كبير منه، ليس صراعاً سياسياً بريئاً من أجل الديمقراطية والحريات كما يصوره الاعلام الغربي، ولكنه صراع على الطاقة وتحديداً على ممرات النفط والغاز، الذي تمثل أوكرانيا فيه حلقة وصل رئيسية بين روسيا والاسواق الخارجية.
فالرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، يحارب ويغزو من أجل "غازبروم" فيما تحارب الادارة الاميركية من أجل الاستيلاء على مصالح شركاتها في الغاز الاوكراني واسواق الطاقة المستقرة في أوروبا. فالدب الروسي منذ سقوط الامبراطورية السوفييتية سعى الى الاحتفاظ بأوكرانيا شبه روسية، وضم أخيراً شبه جزيرة القرم بالقوة.
وفي المقابل تستهدف الولايات المتحدة تحويل أوكرانيا من الشرق الى الغرب وضمها الى الاتحاد الاوروبي.
في هذا الصدد يلاحظ، أن أميركا أنفقت منذ عام 2002 حوالي 5 مليارات دولار على تدريب، وتأهيل الكوادر السياسية، التي قادت التظاهرات الدامية في كييف وأجبرت الرئيس الاوكراني، فيكتور يانكوفيتش، على الفرار الى جزيرة القرم تحت الحماية الروسية.
وهذا لا يعني، أن ليست هنالك مطالب حقيقية للشعب الاوكراني دفعته الى التظاهر، بل مطالب معيشية حقيقية دفعته الى التظاهر، منها غلاء المعيشة والوقود والحلم بمستوى الرفاه الغربي. ولكن هذه المطالب استغلت من جانبي، موسكو وواشنطن.
وحسب صحيفة "ذي جارديان" البريطانية، فإن المكالمة الهاتفية بين مساعدة وزير الخارجية الاميركي، فيكتوريا ننلاند، وسفير الولايات المتحدة في كييف، جيفري بايت، التي سربت في يوتيوب في شهر فبراير/ شباط الماضي تكشف الى درجة ما، ضلوع أميركا، ومنذ سنوات في توجيه المجتمع المدني وتحديد القيادات السياسية للمرحلة المقبلة في أوكرانيا.
المكالمة ربما تكون سجلتها المخابرات الروسية ونشرتها على "يوتيوب" وربما تكون غير صحيحة ولكن يلاحظ، أن أميركا لم تنفها، وفي المقابل اتهمت المخابرات الروسية، التي استخدمتها لتبرير تدخلها والسيطرة على شبه جزيرة القرم.
وهذا لا يعني أن التدخل الروسي في أوكرانيا مبرر أو شرعي، بل عمل وحشي وتعد على سيادة دولة مستقلة، لا يختلف عن احتلال الرئيس العراقي، صدام حسين، للكويت في تسعينات القرن الماضي. ولكن بالتأكيد فإن المصالح الاقتصادية طغت على السياسة وحولت الصراع الى هذا الوضع المأساوي الذي يعيشه الشعب الاوكراني حالياً ويهدد أوروبا بالعودة الى مواجهات الباردة.  
على صعيد هيمنة الطاقة على الصراع، يلاحظ أن شركة "شيفرون" الاميركية العملاقة للطاقة وقعت قبل أيام من تطورات التظاهرات عقداً مع الحكومة في كييف لاستغلال مكامن الغاز الصخري الغنية في غرب أوكرانيا. بلغت قيمة هذه الصفقة حوالى 10 تريليونات دولار.
فيما تقدر إحصائيات وكالة الطاقة الدولية احتياطات الغاز الصخري في هذه المكامن بحوالى 2.98 تريليون متر مكعب. وهي كميات ضخمة من الغاز الصخري، سيكون تأثيره حقيقياً على أسواق الطاقة العالمية. وكانت شركة "اكسون موبيل" قد سبقتها على توقيع اتفاقات مماثلة في أوكرانيا، كما وقعت شركة "شل" الهولندية البريطانية، هي الاخرى اتفاقات شبيهة. 
فشركة "شيفرون" و"اكسون موبيل" وشقيقاتها تأمل في السيطرة على سوق الغاز في أوروبا عبر استغلال الامكانيات الهائلة للغاز الصخري في أوكرانيا.
كما أن الشركات الاميركية صاحبة الحصص الرئيسية في ثورة الغاز الصخري الاميركية وعلى رأسها "شيفرون" و"اكسون موبيل" وشركات أخرى ترغب حقيقة في السيطرة على سوق الغاز الاوروبي.
في المقابل فان شركة "غاز بروم" الروسية المملوكة للدولة تسيطر على حصة 30% من سوق الغاز الطبيعي في أوروبا، وتصل مبيعاتها الى أوروبا ما يعادل حوالي 80 مليار دولار سنوياً.
وتمر خطوط إمداد الغاز الرئيسية للاسواق الخارجية، وخاصة الى أوروبا عبر أوكرانيا.
وبالتالي فإن انضمام أوكرانيا الى الاتحاد الاوروبي يعني عملياً فقدان روسيا السيطرة على ممرات انابيب الغاز الطبيعي ومنشآت تحميل وتصدير النفط الى الاسواق العالمية.
ويلاحظ أن هنالك ثلاثة عوامل رئيسية يمكن أخذها في عين الاعتبار في مستقبل صناعة الغاز في أوروبا.
أولاً: السوق الاوروبي سوق مستقر ومورد ثابت يستهلك الطاقة بأسعار أعلى من السوق الاميركي. حيث يبلغ سعر المليون وحدة حرارة بريطانية في أوروبا حوالي  11 دولاراً، فيما تبلغ في السوق الاميركي 4 دولارات.
وبالتالي فإن السوق الاوروبي سوق مربح بالنسبة للشركات التي تنتج الغاز الطبيعي أو الصخري سواء في روسيا أو النرويج أوتلك التي تسعى  مستقبلاً لانتاج الغاز الصخري في أوكرانيا.
ثانياً: السيطرة على أوكرانيا ستعني عملياً عزل روسيا واجبارها على إنشاء خطوط جديدة  لتصدير الغاز، وهو الامر الذي استبقته روسيا بالسيطرة على شبه جزيرة القرم. ويلاحظ أن إنشاء خطوط تصدير للغاز الروسي عبر سيبيريا مكلف جداً، ويحتاج الى بنوك غربية غنية تستطيع منح تمويلات طويلة المدى. أحد الخطوط الكبرى التي تنوي روسيا تنفيذها عبر سيبيريا تبلغ كلفته حوالي 70 مليار دولار.
ثالثاً: سيطرة الشركات الاميركية على تجارة الغاز في أوروبا سيربط أكثر بين أميركا ودول الاتحاد الاوروبي، وهو ما ترغب فيه الولايات المتحدة من الناحية الاستراتيجية والدفاعية. 

دلالات

المساهمون