صحافيو مصر.. أزمات متلاحقة تهدد بموت المهنة

صحافيو مصر.. أزمات متلاحقة تهدد بموت المهنة

10 نوفمبر 2015
+ الخط -

لم يكن قرار حبس الصحافي حسام بهجت، من قبل محكمة عسكرية، بسبب مادة نشرها حول انقلاب عسكري فاشل في الجيش المصري، حادثة فردية، لكنه ملمح واضح للمعاناة التي يكتوي بنارها العاملون في بلاط صاحبة الجلالة في مصر.

يصف خالد البلشي، أمين لجنة الحريات بنقابة الصحافيين، الفترة الحالية بأنها "أسوأ فترة في تاريخ الصحافة المصرية على الإطلاق، سواء فيما يتعلق بأوضاع الصحافيين أو بالقوانين والتشريعات أو الإجراءات الأمنية التي تمس الصحافة والصحافيين نظراً لأنها المهنة الكاشفة للاستبداد والعدو الرئيسي والتاريخي له، وهو ما يظهر في أرقام الانتهاكات، إذ يقبع 33 صحافياً في السجون، من بينهم أكثر من 20 صحافياً بسبب أداء عملهم بشكل مباشر، كما تم توثيق 400 انتهاك بحق صحافيين و7 حالات مصادرة ومنع لصحف، وقد أدت هذه الأساليب الاستبدادية إلى عزوف الناس عن الصحافة التي صارت لا تقدم ما يريدون".

أعداد النسخ المباعة

توضح أعداد النسخ المباعة من الصحف المصرية حالياً ما تعنيه كلمة أزمة حقيقية، فوفق تقديرات الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، توزع الصحف جميعها الآن في مصر قرابة نصف مليون نسخة يومياً، بعد أن وصل عدد النسخ الموزعة عقب ثورة يناير 2011 إلى 4 ملايين نسخة في اليوم.

اقرأ أيضا: إمبراطورية الجيش المصري (2-2)..سيطرة عسكرية على الثروة السمكية

الصحافيون المصريون في مهب الريح

يعاني الصحافيون المصريون من ظلم اجتماعي وفرق كبير جداً في الدخول، فبينما تتراوح رواتب وأجور رؤساء التحرير وقيادات بعض المؤسسات الصحافية، بين عشرات ومئات الآلاف من الجنيهات، يتقاضى المحررون بين 400 إلى 4000 جنيه (الدولار = 8 جنيهات ونصف الجنيه) وفقا لمكان عملهم وعدد سنوات الخبرة، وهو ما يدفع الغالبية العظمى من الصحافيين إلى العمل لدى أكثر من مؤسسة في نفس الوقت، والسكوت على السياسات التحريرية اللامهنية، كما أن التهديد الدائم بالطرد والتشريد من المؤسسات وقلة فرص العمل الحالية تمثل عاملًا كبيرًا في صمت الأغلبية عن سياسات مجالس الإدارات وتدخلاتها في شؤون التحرير، في ظل الوضع القانوني والتشريعي الحالي الذي لا يحفظ حقوقهم، وفق حديث صحافيين مصريين لــ"العربي الجديد".

ويعمل معظم الصحافيين المصريين، من دون سند قانوني أو عقد عمل، إذ أصبح الأمر بمثابة العُرف المُتبع، ما يهدر حقوقهم، ولا تقوم المؤسسة بتوقيع عقد عمل للصحافي إلا بعد مرور مدة زمنية كبيرة على عمله بأجر متواضع لديها، ما يمنحه فرصة الحصول على عضوية نقابة الصحافيين أي يصبح فعليا صحافياً أمام الدولة ومختلف المؤسسات، ويتخلص من هاجس القبض عليه بتهم عديدة، من بينها إدعاء العمل بالصحافة، كما يقول أحد الصحافيين لـ"العربي الجديد".

أزمة صحيفة التحرير

في 25 أغسطس/آب من عام 2015، أصدر مجلس إدارة جريدة التحرير بياناً، يُعلن فيه إغلاق الجريدة، الأمر الذي أدى إلى تشريد قرابة 200 صحافي في يوم وليلة، ولكن الغريب في الأمر أن البيان قد ذكر أن مجلس الإدارة كان قد عزم على هذا القرار، منذ شراء الجريدة في مايو/أيار 2013، ما يطرح سؤالين مهمين: ما الذي دفع رجل أعمال لشراء جريدة إذا كان يريد إغلاقها؟ ولماذا لم يصدر قرار وقف الجريدة خلال عامين إلا بعد أن أنتجت تحقيقات صحافية قوية وجريئة ضد النظام؟

"تحملت مع زملائي صعوبة التجربة وانخفاض الرواتب، حصلت على 500 جنيه راتبا شهريا في أفضل أحوالي (قرابة 60 دولارا)، وعملت لمدة 5 سنوات على أمل التعيين والقيد بالنقابة، وهو ما لم يحدث، حتى أصدر مالك الجريدة بيان إغلاقها وتشريدي وسط المئات من الصحافيين، بعد وعود بصرف بعض مستحقات وتوفيق الأوضاع، إلا أن تلك الوعود لم تسفر عن شيء حتى الآن، مع المراوغة الدائمة والمماطلة في الوفاء بها.

كانت هذه شهادة شريف البراموني أحد الصحافيين الذين تم تشريدهم بعد قرار الملاك، إغلاق جريدة التحرير، أدلى بها لـ"العربي الجديد"، بعد فشل محاولته إحراق نفسه اعتراضاً على قرار مجلس الإدارة بوقف الجريدة.

اقرأ أيضا: بالوثائق.. هكذا روّج السيسي نظامه في "كي ستريت"

أزمة صحيفة الشروق

قامت جريدة الشروق المصرية بفصل 36 صحافياً تعسفياً دون إبداء أسباب منذ 4 أشهر، وبعد تدخلات من نقابة الصحافيين، قامت الإدارة بالعدول عن القرار بخصوص 12 صحافياً فقط، جلهم أعضاء بنقابة الصحافيين. عقب ذلك ضغطت الإدارة، على هؤلاء، ما يُشبه محاولة الإجبار على الاستقالة وفق أحدهم، والذي أوضح بأن الإدارة قامت بوضعهم في قسم سُمي بقسم المتابعة، ولم تُكلفهم بأية أعمال، وتم سحب أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم، ثم تم قطع الإنترنت عنهم، وتحديد مواعيد عمل خاصة بهم، دون باقي صحافيي الجريدة من الواحدة ظهراً وحتى الثامنة مساءً، حتى لا يستطيعوا العمل في مكان آخر.

قامت الإدارة بعد دعم من رئيس التحرير التنفيذي بتخفيض جزء كبير من مرتباتهم تراوح بين 50 % إلى 70 % من الرواتب، بالإضافة إلى خصومات عن عدم إنتاجهم لعمل لم يتم تكليفهم به من الأساس، وبعد عدة شكاوى لنقابة الصحافيين ومكتب العمل وهيئة التأمينات والمعاشات، أضرب الصحافيون عن العمل حتى يتم رفع لائحة الجزاءات التي وضعت لهم، بشكل خاص.

"مصر العربية"

أخيرا أنهى موقع مصر العربية، عمل قرابة 50 صحافياً، قال أحدهم لـ"العربي الجديد" إن الإدارة، أبلغتهم بوجود ضغوط متعددة، استلزمت خفض النفقات، فيما قامت بعمل تسويات لهم، وهو ما أوضحه عادل صبري رئيس التحرير لـ"العربي الجديد"، قائلا بأن هناك ضغوطا أمنية على الموقع أدت إلى سحب بعض المعلنين وحدوث أزمة مالية داخل الموقع، وهو ما ترتب عليه إنهاء عمل بعض الصحافيين الذين يعملون بالقطعة وتم تسوية مستحقاتهم.

يرى صبري، ما حدث، جزءاً من الضغوط التي تُمارس على مهنة الصحافة ككل، إذ رفع النظام شعار "إن لم تكن معنا فأنت ضدنا".

اقرأ أيضا: كل الطرق لم تكن تؤدي إلى 3 يوليو

أزمة صحيفة المصري اليوم

أصدرت إدارة صحيفة المصري اليوم، قرارا بحظر ازدواج العمل داخل المؤسسة مع أية مؤسسة أخرى، ما اعتبره صحافيوها بمثابة "خراب بيوت" إذ تبلغ مرتبات بعض الصحافيين بالمؤسسة ألف جنيه (117 دولارا)، وهو ما لا يكفي فردا يعيش بمفرده، لتدبير شؤون حياته، فيما أغلب المتأثرين بالقرار لديهم أسر يعولونها، ما أدى إلى استقالة كل من رئيس التحرير محمود مسلم، ومن بعده أحمد الخطيب، مساعد رئيس التحرير، بعد عدة اجتماعات لم تسفر عن أي تغيير في توجه الإدارة، إذ يعملان في قناة تلفزيونية خاصة، مثل باقي المتأثرين بالقرار.

النقابة.. حصن واهن

على الرغم من أن الدور الحقيقي للنقابات، هو الدفاع عن العاملين بالمهنة التي ينتمي إليها منتسبوها، إلا أن نقابة الصحافيين المصرية، تعاني أزمات حقيقية، إذ إن عملية قيد الصحافي بالنقابة معقدة وصعبة، بل وغريبة، فتشترط لائحة النقابة على أن يكون للصحافي أرشيف وسابقة أعمال لمدة 6 أشهر، وأن يكون مُعيناً بالصحف الورقية ذات الترخيص المصري بعدد معين لكل صحيفة، ولا تعترف اللائحة بالصحافة الإلكترونية وهو ما جعل أكثر من نصف صحافيي مصر غير مُعترف بهم كصحافيين أصلاً أمام القانون والدولة.

اقرأ أيضا: المحكمة الدستورية والسيسي.. لا أرى لا أسمع لا أحكم

البدل.. تفاحة الصحافيين المحرمة

يتلقى الصحافيون المقيدون بالنقابة دعماً مادياً من الميزانية العامة للدولة، تحت مسمى "بدل تدريب وتكنولوجيا"، يعتبره أغلب الصحافيين دخلاً اضافياً يساعدهم على تحمل أعباء المعيشة بجانب الأجور الزهيدة التي يتلقونها، بينما يعتبره بعضهم الآخر رشوة حكومية للصحافيين للسيطرة على المهنة، ولكن البدل أصبح لعنة على الصحافيين غير النقابيين، إذ إن الجمعية العمومية للنقابة أصبحت تخشى على هذا البدل، فتصرعلى الشروط شبه التعجيزية للقيد بالنقابة أو التوسع في الدخول ليشمل الصحافيين العاملين بالمواقع الإلكترونية.

يعلق على ذلك خالد البلشي، وكيل النقابة قائلاً:"النقابة هي كيان تم تأسيسه للدفاع عن حقوق الصحافيين، إلا أن كل وسائلها من أجل ذلك هي وسائل الضغط من إضرابات واعتصامات من خلال الصحافيين، وليس لنقابة الصحافيين أية سلطة غير ذلك". تابع البلشي قائلاً "يوجد قصور تشريعي كبير في قدرة النقابة على التوسع في قيد الصحافيين، ولكن للحق فإن هناك ممانعة كبيرة وحقيقية من الجمعية العمومية، التي تشكلت داخلها مصالح اقتصادية جعلت منها كتلة ممانعة للتوسع في قيد الصحافيين خوفاً على مصالحهم المباشرة".

لطالما شكل حلم القيد بالنقابة، سبباً مباشراً في استغلال الصحافيين، وقبولهم للعمل بأجور زهيدة وأحياناً بلا أجور على أمل تثبيتهم وتعييينهم وتقديم أسمائهم إلى لجنة القيد بالنقابة، ولعل الأسوأ من ذلك ما تقوم به بعض المؤسسات بتقاضي أموال من الصحافيين نظير تسهيل قيدهم في النقابة، من هؤلاء عامر محمود (اسم مستعار لصحافي مصري)، يقول محمود لـ"العربي الجديد"، إنه عمل لإحدى الصحف الحزبية لأكثر من عامين بلا مقابل على أمل القيد بالنقابة، وهو الأمر الذي لم يحدث، ثم طلب منه مدير التحرير مبلغا نظير تعيينه.

يتابع محمود، عندما لم يتم الأمر، هددته بإقامة دعوى، وتقديم شكوى إلى النقابة، فأعطاني جزءا من المبلغ، ووعدني برد باقي المبلغ، ولكن لأنني لا أملك مستندا على منحه المال، لم أستطع تقديم الشكوى أو عمل محضر أمام الشرطة.

هل تلحق الصحافة بالسياسة؟

يشي ما سبق بأن الصحافة المصرية، ستنتهي إلى ما وصلت إليه السياسة، فبعد عملية التجريف التي أحدثها الاستبداد في الحياة السياسية المصرية، لم يعُد هناك كيانات سياسية حقيقية ولا نُخب ولا كوادر تُعبر عن الشعب المصري حقيقةً، وهو ما ظهر جلياً بعد ثورة 25 يناير، وهو ما يُحدثه الاستبداد الحالي بحال الصحافة والصحافيين في مصر.