صائدو القرش في عُمان.. مواجهة مع الموت

صائدو القرش في عُمان.. مواجهة مع الموت

مسقط

وليد جحزر

avata
وليد جحزر
21 مايو 2015
+ الخط -

يخاطر صيادون بحياتهم في خليج عُمان بحثا عن سمك القرش غالي الثمن، الذي يحقق لهم أرباحا طائلة، بمجرد العودة إلى الشاطئ، إذ يكون في الانتظار تجار متخصصون في شراء هذا النوع من المخلوقات البحرية المفترسة، لتصديره إلى أسواق عالمية، بعد وضعه في ثلاجات خاصة.

تشبه أسعار سمك القرش في مدن عمانية مثل مسقط وصور وصلالة، بورصة الذهب، إذ يلقى رواجا مستمرا على مدار العام مقروناً بارتفاع دائم في السعر، ما يدفع عددا من الصيادين التقليديين الذين يستخدمون قوارب خشبية يبلغ طولها ما بين 25 إلى 30 قدماً (قرابة 10 أمتار)، إلى المخاطرة والمضي في طريق تتبع دروب أسماك القرش من دون التفكير في التبعات.

ملك القرش

في قرية سداب القديمة، الواقعة على ساحل العاصمة العمانية مسقط، سلك الصيادون الشباب طريقا مختلفا عن الصيد التقليدي في القوارب، إذ يفضل هؤلاء البحث عن أخطر أنواع الأسماك في أعالي البحار، نظرا للعائد المادي الذي يمكن جنيه.

يُلقب الشاب الثلاثيني سالم المقيمي بملك القرش، في قرية سداب الساحلية، بسبب شهرته في اصطياد هذا النوع من الأسماك، يقول المقيمي لـ"العربي الجديد": "القليل من الصيادين يفضلون التخصص في صيد القرش، نظرا للمخاطر التي ترافق هذا النوع من الصيد على عكس بقية أنواع الأسماك الأخرى".

بحسب المقيمي فإن الأمر يحتاج إلى خبرة وفطنة وشجاعة نادرة، فالحصول على المكان الذي يتجمع فيه القرش يتطلب معرفة خاصة بأعماق البحر ومجاهله، إذ يتجمع القرش في أشد أماكن البحر هيجانا، علاوة على وجوده في الأماكن التي تعبق بالرائحة الكريهة. يستخدم المقيمي لاصطياد القرش عادة، رؤوس سمك التونة طعماً، لاستدراج القرش في صراع مباشر مع أخطر الأحياء البحرية، كما يقول.

صراع ومداهمة قاتلة

لا يحبذ صائد القرش منذر الدغيشي، 35 عاما، الذهاب للبحث عن الكائن المفترس كما يصفه، إذ يفضل صيد أنواع أخرى مثل التونة العملاقة وسمك الجيذر والعنذق، يقول "فعلت هذا مرات قليلة في حياتي، هذا الكائن غدار، يتظاهر بالموت عند اصطياده ثم لا يلبث أن ينقض عليك إذا لم تكن متأهبا بشكل جيد، كما أنه يباغت الجميع بالقفز من على القارب.

بحسب الدغيشي يتطلب صيد القرش على القوارب التقليدية وضع الطعم على حبال تمتد ثلاثة كيلومترات يفصل بين كل وجبة (طعم) وأخرى مسافة 14 باعاً (قرابة 28 متراً)، ثم يربط الحبل بإحكام في القارب أو على مرتفع صخري وسط البحر إن وجد، عندما تقع إحدى أسماك القرش العملاقة في الفخ يهتز القارب بقوة، بحيث يتطلب الإمساك به شدة وصلابة ورباطة جأش لسحب الحبل إلى الأعلى من عمق يتراوح بين 5 إلى 40 باعاً (80 متراً) في الأعماق.

يؤكد الدغيشي أن عملية سحب السمكة العملاقة تتم وهي في حالة صراع ومقاومة، إذ يوضع بين فكيها قطعة حديد معكوفة وحادة للإمساك بها، ثم تتلقى السمكة ضربات عدة على الرأس بواسطة آلة تسمى "المنتب" قبل التأكد من موتها، وهذه المرحلة هي أقصى درجات الصراع والمواجهة بين الطرفين.

ويرى الصياد عيسى المقيمي من ولاية صور الواقعة في الجنوب الشرقي للعاصمة مسقط، أن صيد القرش يجعل الصياد في مواجهة مباشرة معه لا تخلو من مخاطر، ويضيف "عندما تتأكد من موت القرش يجب أن تقوم بربطه بطريقة معينة من الوسط ومنطقة الذيل ورفعه إلى القارب بطريقة محورية، إذ يصل حجم بعض الأسماك إلى 700 كيلوغراماً، كما يجب مراعاة عدم ملامسة جسد الصياد لجلد القرش في الاتجاه المعاكس لانسيابه، إذ بمجرد ملامسته في الاتجاه المضاد يتعرض الصياد للقطع الحاد في الجلد والإصابة بجراح".

بوسع الصياد إبرهيم البطاشي 27 عاما، أن يريك إصبعيه اللذين لم يعودا في مكانهما رغم إجرائه عملية جراحية لإعادتهما إلى وضعهما الطبيعي، إذ خارت قواه بعد اصطياده أربع أسماك قرش، حتى كادت سمكة قرش أن تلتهم كامل يده اليمنى لولا تداركه الموقف. يقول البطاشي: "شعرت بالفتور وبعض الإرهاق عند سحب السمكة الخامسة، خاصة أن عملية صيد السمكة الواحدة تحتاج إلى تركيز شديد وبذل الكثير من الجهد، لكن هذه السمكة استغلت تراجع قواي، فانقضت على يدي بطريقة مروعة".



غياب الرعاية النقابية

تبدو حاجة صيادي القرش العمانيين، ملحة لإيجاد جهة مختصة تقوم بدور نقابي لحماية الصيادين، خاصة بعد اتساع دائرة المخاطرين ممن يخوضون معارك يومية مع القرش، نظرا لما تدره العملية من ربح وفير.

مصدر في وزارة الثروة السمكية العمانية، فضل عدم ذكر اسمه، قال إن الوزارة تشجع الصيادين التقليديين وتساندهم من خلال منحهم قروضاً ميسّرة لشراء قوارب ومحركات لممارسة مهنتهم، لكن تشكيل جهة نقابية أو جمعيات رعاية تعنى بالوقوف على المخاطر، أمر لم يحدث حتى اللحظة، مؤكدا أهمية أن يكون هناك تأمين على حياة الصيادين، والتصدي لكافة التحديات التي تحيط بهذا النوع من الصيد شديد الخطورة.

يؤكد الصياد ناصر البطاشي، الذي عمل سنوات طويلة في المهنة، أنه لم يسبق له أن نال رعاية طبية أو تأميناً، لا هو ولا أي فرد من عائلته التي يعمل جلها في مهنة صيد الأسماك العملاقة. ويعتقد الصياد سالم المقيمي أن التفات الجهات المعنية لمسألة توفير التأمين اللازم لصغار الصيادين بات شأناً في غاية الأهمية، بسبب المخاطر والتهديدات غير المتوقعة.

ويمثل الصيادون الحرفيون جزءا أساسيا من قطاع الثروة السمكية في عُمان، كما أن أسطول الصيد الحرفي يساهم في رفع نسبة كبيرة من الإنتاج السمكي للبلاد.

وبحسب إحصائيات عام 2013 (آخر إحصائية متوافرة) يبلغ عدد الصيادين الحرفيين 44521 صيادا حرفيا يملكون 20630 قارب صيد. وساهم الصيد الحرفي في وصول إجمالي الإنتاج السمكي للصيد الحرفي إلى 203454 طنا في 2013 كما بلغت قيمة الإنتاج السمكي للصياديين الحرفيين التقليديين خلال العام نفسه 162 مليون ريال عماني (421 مليون دولار).

صيادان في غياهب المجهول

يتذكر صائدو أسماك القرش في قرية سداب بمسقط قصة الصيادين الشابين إسحاق البلوشي وخالد الوهيبي اللذين ذهبا إلى الصيد ولم يعودا منذ 18 عاما. يقول عيسى المقيمي إن قصة هذين الصيادين، تكشف الستار عن مخاطر صيد طرائد القرش في أعماق البحر، والمؤلم في القصة أن أحدا حتى اللحظة لم يعرف مصيرهما أو يعثر لهما على أثر، لكن خطر عدم العودة أصبح أقل تهديدا في السنوات الأخيرة، بعد تطور أجهزة الخرائط البحرية المعروفة بمسمى جهاز "ماجلان" وغيرها من الأجهزة بالإضافة الى هواتف الثريا التي تساعد في التواصل بين الصيادين في عمق البحر.

مواجهة الموت

يحتاج صيد القرش إلى وضع الطعم على مسافة تصل إلى ثلاثة كيلومترات والاسترخاء إلى حين العثور على الفريسة، وهو ما فعله محمود المعشري ووالده اللذان استلقيا في قاربهما الصغير، لكن إحدى السفن العملاقة ارتطمت به في عمق البحر، ما أدى إلى فقدان محمود إحدى ذراعيه في حين توفي والده في اللحظة نفسها.

تبدو ذراع محمود، الذي قدر له أن يعيش، شاهدا حيا على المخاطر العديدة، التي تسببها مهنة صيد الأسماك العملاقة في خليج عمان، وفي طليعتها أسماك القرش.

تفعيل قوانين التأمين

يقول فهد الفارسي مدير شركة مراسي الجصة البحرية العمانية إن العاملين من صائدي أسماك القرش لدى الشركة يحصلون على رعاية طبية عند مواجهة الأخطار المحتملة، لكن الأمر يتطلب تفعيل قوانين التأمين، وهو أمر يحتاج إلى دراسة معمقة وقرارات أكثر مسؤولية.

يتفق الصياد سالم المقيمي مع الفارسي، إذ يعد ابنه عبد الله حتى يتعرف على مخاطر المهنة المستقبلية، ويقول لـ"العربي الجديد": "ابني عبد الله سيصبح صائد قرش متمكناً في المستقبل، إذ يبدو في أسعد لحظاته عندما يشاهد صراعي مع أسماك الديماوي وأبو مطرقة والمعقيب والقرش الأبيض المعروفة بالـ"ذيبة" وهي أخطر الأنواع على الإطلاق، لكن ثمنها الكبير هو ما يجعل المقيمي وغيره من الصيادين يستمرون في الصراع مع أشرس المخلوقات البحرية.