شيخوخة ثقافية مبكّرة

06 فبراير 2017

القارئ (لؤي كيالي)

+ الخط -
ليست 48 عاماً بالعمر الطويل، لكن معرض القاهرة الدولي للكتاب بدا في هذا العمر مثل شيخ عجوز. ولوحظ ارتفاع الأعمار وانخفاض أعداد زائري المعرض، خصوصاً رواد الأنشطة الثقافية المصاحبة. من الندوات الفكرية، إلى أنشطة الأطفال والناشئة، مروراً بينهما باللقاءات الفنية والأمسيات الشعرية. وعلى الرغم من أن مرتادي الأنشطة الثقافية في المعرض نسبة محدودة، قياساً إلى إجمالي الزائرين، إلا أنهم أكثر دأباً والتزاماً بمتابعة المعرض وأنشطته سنوياً. ويعكس تراجع نسبة حضور تلك الأنشطة، بالضرورة، تراجعاً عاماً في حرص المصريين، خصوصاً الشباب، على التفاعل مع الحدث الثقافي الأبرز سنوياً في مصر.
كان للركود الاقتصادي دور بارز في تراجع الإقبال على معرض القاهرة للكتاب، فقد شهدت أسعار الكتب هذا العام قفزة كبيرة، نتيجة تدهور قيمة الجنيه المصري. وبالتالي، زيادة تكلفة طباعة الكتب وإصدارها، فضلاً عن الزيادة المباشرة في أثمان الكتب الصادرة عن دور نشر عربية وأجنبية.
شيخوخة معرض القاهرة للكتاب سابقة على هذا التراجع في الحس الثقافي والاهتمام العام بالمعرفة، فمنذ انتقل المعرض إلى موقعه الحالي، مطلع ثمانينيات القرن الماضي، وهو يفتقد مقوماتٍ أساسيةً للانتشار والنضج. خصوصاً الانفتاح على العالم وإشراك الأوساط الثقافية العربية والأجنبية في الفعاليات. فضلاً عن تدني مستوى اللوجستيات والخدمات المقدمة للعارضين والزائرين على حد سواء.
وباستثناء منافذ بيع الطعام والشراب، لا يزال يعاني من نواقص كثيرة أساسية، على الرغم من زيادة عدد رواده خلال تلك العقود. إذ تعاني قاعات العرض سوء التهوية وضيق المساحة وازدحام الممرات داخلها، على الرغم من وجود مساحاتٍ كبيرة خالية في المنطقة التي يقام عليها المعرض. ولا يزال التعرّف على القاعات وأماكن دور النشر يخضع لاجتهاد الزائر، وقدرته على استدعاء الأماكن من ذاكرة الأعوام الماضية. وبعد أن كانت قوائم الكتب المنشورة حديثاً نادرةً ومحدودة العدد، لم تعد هناك قوائم موجودة أساساً، لا حديثة ولا قديمة.
هذا العام، صار معرض القاهرة للكتاب كاليتيم، بلا أبٍ يرعاه، أو صاحبٍ يهتم به. تجاهل إعلامي شبه كامل، ولا مبالاة حكومية، فيما عدا تشديد الإجراءات الأمنية للدخول، وهي خطوة محمودة، بل ضرورية على كل حال. لكن المؤسسات الثقافية المصرية لم تبد اهتماماً كافياً، ليس بتطوير المعرض أو الارتقاء به، بل حتى بالحفاظ على مستواه السابق. فعدا عن أن المغرب هي الدولة ضيف شرف هذا العام، لم يشهد المعرض مشاركة كتاب ومثقفين عرب. وبعد كل تلك السنوات من عمر معرض الكتاب، لا توجد لجنة تنظيمية ثابتة، أو أشخاص محدّدون لتولي مهمة تنظيم المعرض وتطويره من عام إلى آخر، فيخضع الأمر كل عام لقرارات (واختيارات) رئيس الهيئة العامة للكتاب، وهي الجهة الرسمية المعنية بمجال نشر الكتب في مصر، والهيئة تابعة لوزارة الثقافة، حيث المظلة الأوسع الراعية للمعرض. لكن من يتولى فعلياً التحضير للمعرض وتنظيمه وتنفيذه موظفون بيروقراطيون، تضم الهيئة مئات منهم. ولا حاجة إلى ذكر افتقاد المعرض للتقنيات الحديثة في تنظيم المعارض وجذب الزائرين، مثل البرامج الإلكترونية المساعدة والخرائط التفاعلية والنشرات التعريفية والترويجية. في أمةٍ ليست القراءة ضمن أولوياتها، تواجه صناعة الكتاب معضلةً جذرية مزمنة. وحين تضغط الأوضاع الاقتصادية على المواطن، لا يجد قوت يومه، ولا يحلم بحياة كريمة، فضلاً عن تأمين مستقبل أولاده، تصير القراءة رفاهة والكتاب سلعة استفزازية.
وعندما يجتمع انشغال المصريين في أوضاعهم المعيشية مع نقص الموارد اللازمة للتطوير وسيطرة البيروقراطية الإدارية، فإن معرض القاهرة الدولي للكتاب يصير في خطرٍ، يتجاوز الشيخوخة إلى التكلس. وهو خطرٌ ينذر بتفاقم هذا الوضع السيئ ويجعل تصحيحه غير متوقع في المدى القريب.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.