شركاء المؤامرة

شركاء المؤامرة

25 اغسطس 2014
+ الخط -

يتصاعد الهجوم على الثورات العربية، وتشن يومياً حملات منسقة، بواسطة أصحاب الثورة المضادة من لوبيات النظم السابقة والمنتفعين منها، والمنقلبين لصالحها، والمتلونين معها، ومع كل عصر. وبعد أن كان التحذير من الثورات ينطلق من خشية الفوضى، وعدم الاستقرار الناجم عن التغيير الراديكالي السريع، انتقلت الثورة المضادة إلى مرحلة متقدمة، وصار أبرز الاتهامات ضد الثورات والاحتجاجات الشعبية التي ضربت معظم الدول العربية أن المشاركين فيها ومؤيديها ليسوا سوى أدوات وعملاء للغرب الذي يسعى إلى تفتيت المنطقة، وهدم دولها. وبالتالي، تلك الثورات هي جزء من مؤامرة كبرى على العالم العربي، تستهدف تدميره وتفكيك دوله. وهو، بالمناسبة، اتهام قديم، بدأ من الأيام الأولى للثورة المصرية. لكنه كان يصدر على استحياء، ثم يتراجع مروجوه سريعاً، أمام زخم الشارع وعنفوان الحماس الثوري.
وبعد أربعين شهراً من إزهار "الربيع العربي"، وجد هؤلاء فرصةً واسعةً في أوضاع سورية وليبيا، ثم العراق أخيراً، ليعتبروا تلك الدول أمثلة على المؤامرة التي يتعرض لها العرب. ويقدمون مصر نموذجاً للوعي بتلك المؤامرة والصمود أمامها. ويعتبرون انتكاس ثورة يناير، في 3 يوليو 2013، هزيمة لتلك المؤامرة. ذلك التدليس في تعريف المشهد الراهن في المنطقة، ينبغي التوقف عنده وتفنيده. والسجال حول إخلاص الثوار ودعاة التغيير أو خيانتهم عقيم غير قابلٍ للحسم، في ضوء امتلاك الطرف الآخر أدوات تسويق موقفه إعلامياً، وفرضه أمنياً. ومن ثم، فإن السؤال الجدير بالطرح في مواجهة هؤلاء هو: لماذا لم يمنع الوطنيون المخلصون، حكاماً وأزلاماً، تلك المؤامرة؟ وإذا كانت المؤامرة أميركية صهيونية غربية إمبريالية توسعية عالمية، فكيف يمكن تفسير التعاون الثابت والتحالف الوثيق بين النظم السابقة (ولوبياتها حالياً) وأصحاب تلك المؤامرة الأصليين؟ إذا كانت ثورة يناير مؤامرة أميركية صهيونية غربية.. إلخ، على مصر، فلماذا يستمر التعاون العسكري معها؟ ولماذا كانت إدارة أوباما تُخطَر بالمخطط، أولاً بأول، قبل 3 يوليو بشهور، ثم استمرت الاتصالات مع البنتاغون يومياً، لأشهر أخرى، بعد 3 يوليو؟ كيف يستقيم أن تدبر واشنطن "مؤامرة" يناير، ثم تصبح طرفاً في إطاحة النظام الذي جاء بموجبها؟ وإذا كان الغرب (بالدعم العسكري لإسقاط القذافي) مسؤولاً عن تردي الوضع والفراغ الأمني في ليبيا، فلماذا توجه إليه الدعوة للعودة إلى هناك لملء الفراغ. وهكذا أيضاً في سورية والعراق واليمن وغيرها، كيف تكون المؤامرة العالمية مسؤولة عن مؤامرات لهدم الدولة السورية وتقسيم الدولة العراقية وتكسير اليمن، ثم لا يدعم المتآمرون فصائل المعارضة السورية، بما فيها المعتدلة، لإسقاط بشار واستكمال ذلك السيناريو؟ بل كيف يتم ضرب داعش في العراق، بينما وجودها وتوسعها هو الطريق الأسرع نحو تقسيم الدولة العراقية؟
في السياسة، ليست المسؤولية على من يبحث عن مصلحته، والمؤامرة المفترضة يُسأل عنها من أتاح المجال واسعاً لإضعاف بلاده، واستغلال فشله وفساده. إن كانت هناك مؤامرة، فالنظم التي قامت ضدها الثورات العربية شريك أصيل فيها. من الوقاحة أن تتنصل تلك النظم وموالوها من مسؤولية تدمير العالم العربي وتفكيكه، والسلطة التي في قبضتهم منذ عقود، كانت كفيلة بمنع أي مؤامرة. سياسات بن علي، ومبارك وبشار والقذافي وصالح والمالكي والبشير، هي التي جعلت الثورة ضدهم واجبة، وسواء أتعطلت تلك الثورات، أم أُلبست زوراً ثوب المؤامرة، يظل هؤلاء وأذنابهم مسؤولين عنها، وسيذكر التاريخ أن ساسة فاشلين وحكاماً فاسدين دمّروا بلدانهم، وقهروا شعوبهم، ثم اتهموها بالتآمر.


 

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.